لعلّ خبر إصابة أحد أفراد الأسرة أو أحد المقرّبين بمرض السرطان، من أصعب ما قد يتلقاه المرء من أخبار تهزّ الذات. لكنّ البعض قد يتأهّب في محاولة لاحتضان المصاب بكلّ ما يملك من طاقة، حتى تزول الصدمة ويتجاوز المحنة ويتقبّل مرضه فينتقل بعد ذلك إلى مقاومته ومحاولة التغلّب عليه.
تفيد بيانات منظمة الصحة العالمية التي نشرت في سبتمبر/ أيلول الماضي، بأنّ 139 إصابة بالسرطان من بين كل 100 ألف نسمة تُسجّل في المغرب، ما يجعله من ضمن البلدان المتوسطة في مجال الإصابة بالسرطان حول العالم، في حين تعلن وزارة الصحة المغربية عن 40 ألف إصابة جديدة بالسرطان في كلّ عام. ويتصدّر سرطان الثدي أنواع السرطانات لدى النساء بالمغرب يتبعه سرطان عنق الرحم، بينما يأتي أوّلاً سرطان الرئة عند الرجال يتبعه سرطان البروستات والجهاز الهضمي.
ثورية في الأربعينيات من عمرها، أصيبت بسرطان الرحم قبل خمسة أعوام، لكنّها استطاعت تجاوز صدمة "المرض الخبيث" بفضل أسرتها الصغيرة التي احتضنتها بطريقة جعلتها لا تلتفت إلى تداعيات المرض، بل دفعتها إلى مقاومته بشدّة. يحكي زوجها السعيد بنبراهيم لـ"العربي الجديد" كم كانت الصدمة قوية وهزّت الجميع، لا سيّما زوجته المعنيّة الأولى بـ"الداء اللعين" وأبنائهما ووالدَيها وهو "زوجها". يقول: "بعد مرور الأيام الأولى التي كانت سوداء، قرّرنا جميعاً أنا وأبناؤنا الأربعة ووالداي ووالدا زوجتي أن نفكّر في طريقة للخروج من الهواجس التي تملّكتنا... هل تموت؟ متى؟ كيف؟ هل يتساقط شعرها؟ وغيرها من تساؤلات مؤرّقة". ويوضح بنبراهيم أنّ "أوّل ما قمت به هو أنّني ركّزت على الإيمان. زوجتي في الأساس مؤمنة، ورحنا نركّز على قراءة القرآن. كذلك اجتمعت مع أفراد الأسرة من دون علمها، وقررنا عدم ذكر المرض ولا أيّ شيء يرتبط به أمامها. وحرصنا على عدم ترك أيّ وقت فراغ لها، حتى لا تجترّ مآسي المرض". يضيف: "أتينا بكتب تتناول قهر السرطان من تأليف مغربيات بناءً على تجاربهنّ الخاصة مع المرض".
من جهتها، وجدت عزيزة وهي في العشرينيات من عمرها، في صديقتها الحميمة أسماء الصدر الحنون، إذ إنّ والدتها متقدّمة في السنّ ومريضة تحتاج بدورها إلى من يعتني بها، في حبن أنّ إخوتها صغار ولا يدركون حجم المرض. بالتالي كانت أسماء من دفعها إلى مواجهة السرطان وشراسته. تقول أسماء لـ"العربي الجديد": "عندما علمت بإصابة عزيزة بسرطان الدم تفاجأت ولم أصدّق الخبر، ثمّ قرّرت عدم مفارقتها"، مضيفة أنّه "لمّا كانت عزيزة معافاة، كنت ألازمها مثل ظلها. بالتالي لا يمكن التخلي عنها عند حاجتها إلى من يدعمها، خصوصاً مع عدم وجود من يسندها. فرحت أرافق صديقتي المصابة بالسرطان في كلّ مكان، حتى أنّني كنت أقضي الليل عندها، لا سيّما في الفترة الأولى التي تلت تشخيص المرض الخبيث. كذلك كنت أعدّ لها حفلات راقصة في البيت، واستطعنا جميعاً خلق جوّ من الانشراح في البيت".
وتتابع أسماء: "نصحت عزيزة بحلق شعرها قبل أن يتساقط لوحده من جرّاء العلاج الكيميائي، فاستباق كل ما يبدو محزناً يساعد على المواجهة بشجاعة". وتشير إلى "السفر كوسيلة للدعم. فكنّا نحمل حقائبنا ونسافر إلى مدن أخرى، يساعدنا في ذلك أنّ أسرتي ميسورة". وتكشف أسماء أنّ "هذه التجربة دفعتنا معاً إلى التفكير في تأسيس جمعية خاصة بدعم مصابات بالسرطان، خصوصاً أنّنا تعرّفنا إلى عدد من المصابات بالمرض".
في السياق، يتحدّث المعالج النفسي والباحث محمد قجدار لـ"العربي الجديد" عن احتضان مرضى السرطان من قبل أسرهم وأقاربهم وأصدقائهم، مؤكداً أنّ "هذا الاحتضان الإيجابي قد يكون عاملاً ناجعاً في علاج المريض. فهو إن لم يساهم في علاجه العضوي، غير أنّه يساعده في الشفاء على المستوى النفسي". يضيف أنّ "كثيرين يظنّون أنّ الأساس هو العلاج العضوي بالأدوية أو الأشعة أو الجراحة، وينسون النفس"، شارحاً أنّ "المريض قد يبرأ عضوياً لكنّه قد يبقى متضرراً نفسياً طيلة حياته في حال عدم احتضانه بطريقة إيجابية ومثمرة". ويشدد قجدار على أنّ "مرض السرطان تحديداً يحتاج إلى نفس إيجابي من قبل المحيطين بالمصاب، خصوصاً الأسرة والأقرباء والأصدقاء. فخسائره النفسية تأتي أقلّ فداحة من الذي يبقى من دون سند نفسي ويضطر إلى مواجهة مصيره لوحده".