ودفعت الظروف التي تمر بها غزة، الطهراوي وشريحة من الشباب إلى العزوف عن الزواج، الذي يرون أنه مشروع "التكاليف المتسلسلة" التي لا طاقة لهم بها، خاصة في ظل عدم توفر الشقق السكنية، وفرص العمل التي من شأنها توفير أدنى مقومات الحياة.
وتحدث عدد من الشبان عن تجاربهم، لـ"العربي الجديد"، والتي دفعتهم إلى العزوف عن الزواج، ومسؤولياته المتواصلة، والتي تبدأ منذ اللحظة الأولى لتجمع المهر، وتكاليف الخطوبة، والشقة السكنية، والزواج والفرح، وما يتبعه من ارتباطات اجتماعية، واحتياجات أُسرية متزايدة يوماً بعد آخر، وفق تعبيراتهم.
واعتادت العائلات الفلسطينية تزويج الأبناء في عُمر العشرينيات – غالباً – إلا أن الظروف العامة، أجبرت شريحة منهم على كسر تلك العادة انصياعا للواقع الذي يشهد أعلى نسب في الفقر والبطالة، إذ وصلت نسبة البطالة وفق بيانات حكومية وحقوقية إلى 52 في المائة، حتى نهاية عام 2018، وتخطت نسبة 65 في المائة بين فئة الشباب، فيما زادت نسبة الفقر عن 80 في المائة.
ويُرجع الطهراوي سبب عدم زواجه حتى سن متأخرة – وفق العُرف الفلسطيني – إلى الاحتلال الإسرائيلي وحصاره على قطاع غزة، وما تبعه من أوضاع اقتصادية متردية، كذلك الانقسام الفلسطيني، الذي ساهم في تدهور الأوضاع المعيشية واليومية.
ويتابع لـ"العربي الجديد": وصلت لهذه المرحلة العُمرية دون أي مصدر دخل، وهذا ما يجعل من فكرة إقدامي على مشروع الزواج مستحيلة، إذ إنه مسؤولية متواصلة، ورغبة في الاستقرار، مضيفاً: "طالماً فُقِد الاستقرار المادي، فُقد الاستقرار بشكل عام".
ويوضح الطهراوي أنه يحلم بالاستقرار، وتكوين أسرة كبقية أقرانه، إلا أن البطالة تقف حاجزاً بينه وبين تحقيق حلمه، مستشهداً على حديثه بارتفاع نسبة الطلاق في قطاع غزة نتيجة الظروف الحياتية الصعبة، وعدم توفر فرص العمل.
ولم يتمكن وائل عروق (44 عاماً) من الزواج نتيجة الظروف المأساوية التي تمر بها عائلته. وتكمن استحالة زواج عروق وفق حديثه لـ "العربي الجديد" في عدم امتلاك أي مصدر دخل ثابت، أو راتب يمكنه من توفير احتياجاته اليومية، سوى شيك الشؤون الاجتماعية –يُصرف كل ثلاثة أشهر وأكثر - والذي لا يكفي لتسديد إيجار البيت المهترئ، وبقية الديون العالقة.
ويتمنى الأربعيني عروق، وهو من سكان معسكر الشاطئ للاجئين غربي مدينة غزة، أنّ تتحسن الأوضاع الاقتصادية التي تمكنه من الزواج وبناء أسرة، إلا أنه يضيف وقد تملكه اليأس "أحتاج لمعجزة كي يحصل ذلك".
أما محمد الكحلوت (33 عاماً)، وهو خريج كلية الإعلام جامعة الأقصى منذ عشر سنوات، فيوضح أنه لم يتمكن من الزواج بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تسبب بها الحصار الإسرائيلي، والذي أثر سلباً على الحالة الاقتصادية لعائلته.
ويقول لـ "العربي الجديد": كبقية زملائي، بدأت بالبحث عن فرصة عمل بعد تخرجي من الجامعة، بغرض بناء حياتي، وتجهيز ذاتي لبناء أسرة، إلا أنني اصطدمت بالواقع المرير الذي بدد كل أحلامي.
ويوضح أن الزواج يرتبط بالعمل، وتوفير شقة سكنية، إلى جانب القدرة على الالتزام بالتكاليف والمتطلبات اليومية، مضيفاً: "إلى جانب غلاء المهور المطلوبة من أهالي الفتيات، لا أحد يقبل تزويج ابنته لشاب عاطل عن العمل، ولا يمتلك بيتا".
بدوره، يقول رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في قطاع غزة، حسن الجوجو، إنّ انخفاض نسب الزواج في قطاع غزة يرجع إلى عدة أسباب سياسية أبرزها الاحتلال الإسرائيلي والحصار المفروض على قطاع غزة، إلى جانب الأسباب المجتمعية والاقتصادية.
ويوضح الجوجو في تصريحات لـ"العربي الجديد" أنّ انخفاض نسب الزواج بفارق 5000 حالة بين عامي 2015 و 2018، حيث شهد عام 2016 نحو 20000 حالة زواج، بينما وصلت وفق إحصائيات عام 2018 إلى 15392، وقُدرت عام 2017 بنحو 17367، مبيناً أن الأوضاع العامة ساهمت بالانخفاض المتواصل لإقبال الشبان على الزواج.
ويبين أنه وعلى الرغم من انخفاض معدلات الطلاق مقارنة بالأعوام السابقة، إلا أن نسب انخفاض تعداد الزواج ما زالت مرتفعة، مضيفاً: "لا يمكن للشاب التقدم للزواج بفعل التكاليف العالية، والأعباء والمسؤوليات المتلاحقة، مع انعدام مصدر الدخل".
ويشدد الجوجو على ضرورة وجود مسؤولية تضامنية جماعية لاجتياز تلك الأزمة التي أدت إلى ظهور عدد من المشاكل المجتمعية، عبر كافة الشرائح ومؤسسات العمل المدني والأهلي والحكومي، وذلك بتوفير المسكن، وفرص العمل التي قد تحل جزءاً من الأزمة.
ويضيف: "في الوقت ذاته لا بد للأهالي من طلب المهر الذي يوافق قدرة الزوج"، داعياً إلى تجاوز مظاهر الترف والبذخ والإسراف في الاحتفالات الليلية وصالات الأفراح تماشياً مع الأوضاع العامة، ويقول إنّ ذلك "يرتد سلباً على الزوجين".