أهالي الغوطة بين تحمّل الحصار أو التهجير إلى المجهول

11 ابريل 2018
تهجير أهالي الغوطة (نزير الخطيب/ فرانس برس)
+ الخط -

كانت العشرينية السورية ريهام، تعمل ممرضة في إحدى النقاط الطبية بالغوطة الشرقية، تقول: "واهم من يعتقد أننا كنا نملك اختيار مصيرنا عندما غادرنا الغوطة، لقد قررنا أن نراهن بعمرنا على فرصة حياة جديدة".

وأضافت لـ"العربي الجديد": "في 2013، خاطرت بحياتي لأدخل إلى بلدتي في الغوطة، رغم التشديد الأمني والقصف والاعتقالات، كان شيء ما داخلي يخبرني بأن لدي واجباً تجاه أهل بلدي الذين يتعرضون للقتل والاعتقال".
وتوضح: "أمثالي في المجال الطبي أو الإعلامي، جريمتهم أكبر من جريمة المقاتل لدى النظام، وما أكثر الناشطين الذين غُيبوا أو قتلوا، في حين أن المقاتلين تتاح لهم تسوية للخروج، ورغم ما يروجه النظام حول المصالحة، لكنه قد يعود لينتقم منا، إن كان بالاعتقال أو بالتصفية".

وتتابع ريهام: "رضخت لقرار التهجير، فمن حمل السلاح ليدافع عن المدنيين قرر الخروج، وبالطبع لا أحمّله المسؤولية، فالمسؤولية تقع على الدول الداعمة التي كانت تعدنا بالدعم والوقوف إلى جانبنا، ولكنها كانت في الحقيقة تتاجر بأحلامنا بالحرية والكرامة. لا أعلم ما يخبئه لي الشمال السوري، لكني سأحاول البدء مجدداً، والعمل بكل قوتي لنعود إلى الغوطة ونحقق ما حلمنا به".

الأربعيني السوري هاني، مدرّس فُصل من وظيفته بسبب اشتراكه في التظاهرات المناهضة للنظام مطلع 2012، وهو اليوم مهجر في الشمال السوري، وقد خلف وراءه في بلدته بالغوطة الشرقية منزلاً نصف مدمر، يعيش فيه أب وأم كبيران في السن، وزوجته وطفلاه.
يقول لـ"العربي الجديد": "أموت باليوم ألف مرة، في بعض الأحيان أقول لنفسي لو بقيت في الغوطة ومتّ بجانب أطفالي وعائلتي لكان الأمر أفضل من هذا العذاب، فأنا لا أستطيع الاطمئنان عليهم بشكل دائم، وتخشى عائلتي أن يكتشف النظام أن هناك تواصلاً بيننا، فرغم عدم حملي السلاح بما أني خرجت ولم أقبل الرضوخ للتسوية، فإن النظام يعتبرني من الإرهابيين".


وأوضح: "تركت زوجتي مع أبوي، فهما في حاجة إلى من يساعدهما ويتولى رعايتهما. أبي قال لي قبل مغادرتي، إنه سيبقى في بلدتنا كي أعود يوماً وأقرأ الفاتحة على قبره، كان الأمر قاسياً جداً عليّ، لكن لم يكن لديّ خيار، فالنظام يسوق الشباب في المناطق التي يفرض عليها التسوية ليقاتلوا ضمن قواته وميليشياته، فكيف لي أن أحمل السلاح بوجه من تقاسمت معهم الأحلام بالحرية والتخلص من الاستبداد كما تقاسمنا الجوع والحصار".

بدوره، قال أبو فارس، وهو سوري في عقده الخامس: "لم أخرج من الغوطة، قررت البقاء مع عائلتي هنا، لن أستطيع ترك قبر ابني الذي دفنته بيدي، ولا أستطيع ترك منزلي وأرضي لغريب".
ويعرب الخمسيني المنهك عن اعتقاده بأن "القبول بالخروج من الغوطة هو القبول بخسارة كل شيء من أجل لا شيء، سنبقى في أرضنا، وسأخبر أبنائي وأحفادي بما حصل هنا، علهم يتعلمون من أخطائنا، ويحققون أحلامنا".
المساهمون