حياة رفضت الزواج من أجل إخوتها

14 اغسطس 2017
تركّز قضبان الحديد حول منزلها (العربي الجديد)
+ الخط -
لم تلجأ الحاجة حياة إلى لبنان خلال نكبة عام 1948، مثلما فعل فلسطينيون كثيرون. هي ولدت في البلد الذي يجاور فلسطين، في خيمة من الخيام التي كانت قد نصبتها وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في مخيّم عين الحلوة بمدينة صيدا، في جنوب لبنان.

عاشت مع عائلتها أياماً صعبة جداً، إذ كان البرد قارساً في الشتاء والحرّ شديداً في الصيف في خيمتهم، عدا عن الظروف الحياتية المتردية. توفي والدها عندما كانت في الثالثة من عمرها، وفي وقت لاحق، وجدت نفسها مسؤولة عن إخوتها ووالدتها الكبيرة في السن، فرفضت الزواج حتى تهتم بهم. في خيمة اللجوء، أمضت حياة الصغيرة مع عائلتها سنوات عدّة قبل أن تنتقل مع إخوتها ووالدتها إلى منزل في الشارع التحتاني لمخيّم عين الحلوة.

لم تكن للعائلة أيّ مصادر رزق بعد وفاة الوالد، لذا عندما بلغت الثانية عشرة من عمرها، بدأت تعمل في تعبئة البرتقال في صناديق، في منطقة سينيق، جنوبي لبنان. كذلك عمل إخوتها معها. في وقت لاحق، على مقربة من منزل العائلة في المخيّم، راحت الحاجة حياة تصنع الباطون لتضع فيه قضباناً من الحديد حول المنزل، لحمايته.

والحاجة حياة التي ولدت في الشتات، تعود أصولها إلى بلدة عمقا الفلسطينية. اليوم، تبلغ ثلاثة وستين عاماً وما زالت تسكن في مخيّم عين الحلوة. تتمنى العودة إلى بلدتها عمقا، لكنّ "الأمر بات صعباً"، بحسب ما تقول. في المخيّم، تُعَدّ ظروف الحاجة حياة الماديّة صعبة، إذ لا معيل لها ولأمّها. لا تعلم من أين تؤمّن لقمة عيشها، "لكنّ الله يرزقني من خلال بعض الأشخاص". هؤلاء يعطونها قليلاً من المال، إذ إنّ جميع أهل المخيّم ظروفهم المادية صعبة. فالأعمال قليلة والأوضاع السياسية غير مستقرة. وتشير إلى أنّ "صاحب محل مواد البناء، قدّم لي الرمل والإسمنت مجاناً لأثبّت القضبان أمام بيتنا. هو يعلم أنّ وضعي المادي سيئ".

وتؤكد الحاجة حياة: "نحن نعيش حياة صعبة وسيئة. منذ ولدت في اللجوء وأنا أتحمّل مع أهلي أعباء الحياة. أعمل وأساعدهم، حتى صرت كبيرة في السنّ وأصبت بأمراض عدّة". تضيف أنّها دخلت المدرسة، "وعندما بلغت الثانية عشرة من عمري صرت أعمل في تعبئة الليمون لقاء ليرتَين أو ليرة ونصف ليرة لبنانية في اليوم. العمل كان متعباً لأطفال في مثل عمرنا، لكن لم يكن أمامنا مجال آخر لتأمين المال. كنّا في حاجة ماسة إليه، إذ لم يكن لدينا معيل. بقيت أعمل في المكان ذاته لمدّة عشر سنوات تقريباً. كنّا نذهب إلى العمل سيراً على الأقدام صيفاً شتاءً، حتى نوفّر كلفة سيارة الأجرة". وتتابع الحاجة حياة: "عملت على مساعدة أمي في تربية إخوتي، زوّجت الجميع، الشبان والشابات. حتّى أختي التي تصغرني بسنتين زوجّتها. لكنّني رفضت الزواج من جهتي، حتى أتمكّن من تقديم المساعدة لإخوتي. كان كلّ اهتمامي ينصبّ عليهم وكذلك رعايتي. واليوم أرعى أمي التي أعيش معها، فهي امرأة كبيرة في السنّ وليس عندها معين غيري".

أمّا بالنسبة إلى التعليم، فتقول الحاجة حياة: "كنت أحبّ التعليم والدراسة. تعلّمت في مدارس الأونروا كغيري من التلاميذ الفلسطينيين، وكان التعليم مجانياً وكذلك الكتب والقرطاسية. لم نكن نتكلّف على التعليم، حتى أنّنا كنّا نتناول وجبة الفطور في مطعم خصصته الأونروا للتلاميذ". تضيف: "أتممت دراستي الابتدائية، لأترك المدرسة وأبدأ العمل بعد الصف الخامس ابتدائي".

وتعود لتشكو: "حياتنا صعبة جداً. نحن لا نحصل على مساعدة إلا ما نتلقّاه من إعاشة تقدّمها لنا وكالة الأونروا مرّة كلّ ثلاثة أشهر، وهي عبارة عن أرزّ وسكّر وحليب". وتتابع: "نعيش أمي وأنا على ما يرزقنا به الله، وعلى راتب أختي الذي خصصته لها حركة فتح، بعدما استُشهدت أثناء قصف الطيران الإسرائيلي للمخيّم".
المساهمون