الأنبار بلا خدمات بعد عام على عودة النازحين

03 نوفمبر 2017
نازحون يعودون إلى الأنبار (فيسبوك)
+ الخط -
تتواصل الظروف السيئة التي تحيط بسكان محافظة الأنبار، غربي العراق، منذ عودتهم إلى محافظتهم بعد تحريرها من سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي. أكثر من عام مرَ على عودة السكان، لكن الحال لم يتحسن؛ فأبسط الخدمات لاتزال غير متوفرة، وعلى السكان الاعتماد على أنفسهم في توفير أكثر الخدمات التي يعتبر توفيرها من مسؤوليات الدولة.

ورغم قبول السكان بالأمر الواقع بعد العودة إلى منازلهم التي تعرض كثير منها إلى التدمير خلال المعارك التي جرت داخل الأحياء السكنية، باعتبارها أفضل من العيش في مخيمات النزوح، إلا أن تردي الخدمات، وخصوصاً الصحية يتسبب في مشكلات كبيرة لهم.

وقال مصدر طبي في المحافظة، لـ"العربي الجديد"، إن المستشفى المركزي الوحيد فيها يعاني من قلة عدد الأسرّة والتجهيزات الطبية والعلاج، وأكد المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن منازل الأطباء الموجودة داخل مجمع المستشفى تحولت إلى صالات لرقود المرضى؛ لعدم توفر الأسرة.

وأضاف: "عدد الكوادر الطبية محدود. كثير منهم نزح بعد احتلال داعش للمدينة، والبعض سافروا إلى خارج العراق وأسسوا حياة جديدة"، مشيراً إلى أن الأنبار تعتبر من المناطق الخطرة، وهو ما يجعل الكوادر الطبية في محافظات أخرى ترفض القدوم للعمل فيها.

ومنذ الأحد الماضي، شهدت محافظة الأنبار، فضلاً عن محافظات أخرى، موجة غبار كثيف، ما زالت تخيم على المحافظة، تسببت بحصول المئات من حالات الاختناق، لاسيما لمرضى الجهاز التنفسي، وهي حالات تفوق قدرة المستشفى على استيعابها.


ويقول المصدر إن "المستشفى عمل بأقصى طاقته، واستنفرت الكوادر الطبية لتقديم العلاج المناسب لحالات الاختناق".

وبرغم أن الحركة بدأت تدب في أحياء الأنبار، لاسيما في الرمادي مركز المحافظة، لاتزال المباني الحكومية والعديد من المنازل مهدمة، وأغلبها تحمل آثار الحرب.

يقول صلاح العيساوي، وهو يشير إلى آثار إطلاقات رصاص على واجهة بيته، وهَدمٍ في أحد أركان الغرفة العلوية للبيت، إن ما يهمه هو تدبير المعيشة اليومية لأسرته، أما إعمار المنزل فيعتبر أمراً ثانوياً.

يسكن العيساوي وسط مدينة الرمادي، قريباً من السوق الرئيسي، ويوضح لـ"العربي الجديد"، أن عمله في البقالة يوفر له ما يسد حاجة أسرته، لكن إثنين من أطفاله السبعة يعانون من مناعة ضعيفة.

ويتابع: "أراجع باستمرار بولدي الصغيرين، عمر 9 سنوات، ومحمد 7 سنوات، عيادات الأطباء؛ فهما يعانيان من نقص في المناعة. وهما بحاجة للعيش في بيئة نظيفة وآمنة، هذا كل ما يحتاجانه، بالإضافة إلى توفر مستشفى جيد يعالجهما في حال أصيبا بأمراض".

ويضيف العيساوي أن ما يحتاجه غير متوفر في الرمادي، "فالبيئة غير نظيفة؛ ولاتزال آثار المعارك قائمة بعد أن جرفت إسفلت الشوارع، ومجاري تصريف المياه لم تعد موجودة، وأصبحت المياه الآسنة تركد في الشوارع، والنفايات تنتشر في كل مكان".

منازل مدمرة


وتعتبر الأنبار أكبر محافظات العراق من حيث المساحة، ومازالت القوات الحكومية تحاول فرض سيطرتها على كامل أراضيها؛ حيث يسيطر تنظيم "داعش" على أقضية على أطراف الحدود الغربية للمحافظة.

ورغم أن الوضع الأمني في مركز المحافظة شهد عدة خروقات بعد تحريرها، بينها تفجيرات نفذها عناصر تنظيم "داعش"، لكن سكان المدينة يواصلون العودة إليها.


يقول حسن عليوي (52 سنة)، والذي بقي ثلاثة أعوام في تركيا، إنه فضل العودة والبدء من جديد رغم أن بيته تدمر بالكامل، لكنه فضل الإبقاء على والدته المسنة وأبنائه في تركيا، والقدوم برفقة زوجته فقط. "الوضع في الأنبار غير مناسب لعودة أسرتي، لكني أتأمل خيراً في الأيام القادمة".


ويشير عليوي إلى أن "الوضع الصحي في المحافظة سيئ، وكذا الوضع التربوي والخدمي"، موضحاً "والدتي مسنة وتعاني من عدة أمراض، ستموت إن عادت إلى هنا؛ لا توجد خدمات صحية جيدة، والمدارس تعاني من عدم وجود الآثاث، الكثير من الطلاب يفترشون أرض الصفوف المدرسية، وهذا لا يشجعني لإعادة أولادي الذين يتلقون تعليماً جيداً في تركيا".

وأضاف: "بدأت بإعادة بناء بيتي. لدي مصالح عديدة هنا، أملك مزرعة تحتوي على النخيل وأشجار الحمضيات والعنب، تحتاج إلى الكثير من العمل؛ لقد عاث بها الإرهابيون، كانوا يتحصنون بها، وبفعل المعارك ماتت أكثر الأشجار".

فاضل الدليمي، شيخ قبلي في العقد السادس من العمر، يقول لـ"العربي الجديد"، إنه شجع العديد من أقاربه وأصدقائه على العودة إلى المحافظة بعد أن جرى تحريرها؛ إذ كان يرى أن عودة سكانها النازحين يساعد في بنائها وإعادة الحياة لها، لكنه اليوم وبعد عدة أحداث مر بها، يقول إنه لا يشجع النازحين الذين يستقرون في أماكن جيدة على العودة.

وأضاف: "مؤسف أن المحافظة تشهد خلافات بين مسؤوليها بحثاً عن المناصب والمكاسب الشخصية والفئوية. إنه أمر مؤلم، في وقت تحتاج منهم العمل لمساعدتها على النهوض وإعادة الحياة، مضى أكثر من عام ونصف العام على تحرير الأنبار ولا يوجد أي تطور ملموس، أغلب التطورات التي حصلت كان خلفها السكان الذين أسسوا حملات لتأهيل مناطقهم ومحالهم وبيوتهم".

وأشار الدليمي إلى أن "حالات مرضية قد تؤدي إلى موت صاحبها، فيما هي سهلة ولا تحتاج سوى أدوات علاجية وأجهزة طبية بسيطة"، وتطرق إلى إحدى هذه الحالات، حيث أصيب أحد رجال الأمن بطلق ناري في وقت متأخر من الليل. "حين نقل رجل الأمن المصاب إلى المستشفى العام، طلب الطبيب من مرافقيه أن يجلبوا له جهاز قياس ضغط الدم، حيث لم يكن في المستشفى هذا الجهاز البسيط الذي أصبح متوفراً في بيوت العديد من العراقيين لسهولة اقتنائه".

المساهمون