الموظفة حلم العراقيين

29 نوفمبر 2016
الخريجات حظوظهن أوفر... في الزواج (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -
تزداد نسبة العنوسة في العراق لدى الجنسين في السنوات الأخيرة. وهي زيادة تعود إلى جعل شروط الزواج أكثر صعوبة، بحسب الباحثة الاجتماعية حنين المهداوي. وبذلك، تشير إلى أنّ الشبان اليوم يبحثون عمّن تعينهم على الحياة لا عن زوجة تمثل عبئاً إضافياً عليهم وعلى دخلهم المحدود. هذا الوضع يجعل أكثر العراقيين الذكور يبحثون عن زوجة تحمل شهادة جامعية تؤهلها للحصول على وظيفة.

نوران العبيدي (38 عاماً، ربة بيت)، تقول لـ"العربي الجديد": "شاهدت أحوال بعض الشبان الذين تنازلوا عن الكثير من الأمور التي كانت سابقاً. فمنهم من يسكن مع زوجته الموظفة في منزلها، ومنهم من تكبره زوجته بسنوات، ومنهم من تكون زوجته على قدر ضئيل من الجمال، ومنهم من لا يحملون لهن أيّ حب. مع ذلك، فالمطلوب بات أن يكون للزوجة مورد مادي مستقل".

تتابع: "عانيت بسبب شقيقتي التي لم تكمل دراستها. فمن يسأل عنها لخطبتها يسأل أولاً عمّا إذا كانت موظفة أو خريجة جامعية. يعرضون عن خطبتها عندما يعلمون أنّها لم تكمل تعليمها". تلفت العبيدي إلى أنّ المسألة باتت معقدة أكثر من أيّ وقت، فحتى الاختصاص الجامعي ودرجة الشهادة يدقق فيها أهل المتقدم لخطبتها، وكلما كانت شهادتها الجامعية أفضل وتمكّنت من الحصول على وظيفة بسرعة كلما كانت الفتاة محط أنظار الخُطّاب. تعلّق: "الموظفة تتقاسم مع الزوج متاعب الحياة. المهم بات أن تكسب نهاية كلّ شهر راتباً يخفف العبء عن الزوج".

في هذا الإطار، يقول الباحث الإسلامي أحمد حميد العلواني، لـ"العربي الجديد"، إنّ عادات وتقاليد كثيرة تغيّرت بين الماضي والحاضر، بسبب مواكبة التطور الذي فاجأ العالم بسرعة متغيّراته، فما تغيّر بشكلٍ ملحوظ هو زيادة إقبال الشبان على طلب الزواج بالموظفة أكانت موظفة عامة أم في القطاع الخاص. في رأيه، تتعدد أسباب ذلك، فمنها المعيشي للاستفادة من راتب المرأة الموظفة، ومنها الفردي الذي يعود إلى ظن الزوج أنّ انشغال المرأة بوظيفتها يخفف المشاكل بينهما، خصوصاً الشكوى الدائمة من جانبها، وغير ذلك أيضاً.

بدوره، يعتبر أستاذ العلاقات الدولية نوري الدليمي، في حديثه إلى "العربي الجديد"، أنّ الزواج من موظفة نتيجة النزوح وفقدان الكثير من الرجال لأعمالهم وزيادة الضغط والحمل المادي بات فكرة أكثر رواجاً يتقبلها الشبان. ويلفت إلى أنّ طلب الزواج من الموظفة ازداد لأسباب اجتماعية - ثقافية أولاً، فقد تطور المجتمع العراقي في هذا الإطار بسبب الاختلاط مع المجتمعات الحضرية في الأردن وسورية أثناء فترة التهجير ما بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، مع ما في ذلك من تقبل لهذا النهج المتبع هناك. ومنها أسباب مادية، فقد ازدادت الأعباء المالية على العائلات، وبات الشاب يفكر في الزواج من الموظفة التي من الممكن أن تتحمل معه هذه الأعباء.



من جهتها، تقول رؤى ماجد (25 عاماً)، لـ"العربي الجديد": "بعد حصولي على فرصة عمل براتب شهري، زاد عدد الخُطّاب. ليس عيباً أو حراماً أن يقبل الشبان على الفتاة الموظفة لخطبتها، إنّما هو تبادل منافع مجتمعية".

أما وسن محمد (34 عاماً)، فتقول: "تقدم إلى خطبتي شاب كنت على دراية بأنّه اختارني لأنني موظفة قبل كلّ شيء. هذا الشرط أزعجني قليلاً، لكنّي أتفهّم ذلك، فقد تغيّرت الحياة وأصبحت متطلباتها كثيرة، كما أنّ أغلب الشبان يعانون ظروفاً أمنية سيئة، ما يصعّب عليهم الاستمرار في العمل، إن كانوا يعملون أساساً".

في المقابل، يفضّل محمود أنس (27 عاماً)، أن تكون زوجة المستقبل موظفة يستحسن أن تكون حاصلة على شهادة. أما سمير فلا يرغب أن تكون زوجة المستقبل موظفة، لكنه يشترط أن تحمل مؤهلاً دراسياً عالياً.

من جهته، يقول الباحث في علم الاجتماع حسن حمدان، لـ"العربي الجديد": "تعتبر المرأة في الأسرة حجر الزاوية، لأنها الأساس الذي ينطلق منه تكوين المجتمع. إذا أردنا أن نتفحص أشكال الزواج فهي كثيرة، لكن من أهم العوامل التي تؤثر فيها هو النمط الاقتصادي للدولة. وبالتالي، تحتاج الأسرة إلى تكييف نفسها اقتصادياً من أجل أن تحقق الأساس في العيش الكريم".

يلفت حمدان إلى أنّ أساس الاتجاه إلى الزواج من موظفة هو الحاجة إلى وجود امرأة متعلمة قادرة على إدارة الأسرة. يتابع: "هناك من يتزوج بموظفة ويكون شرطه الأساسي أن تترك وظيفتها، وهناك من يرفض الزواج بموظفة، بصرف النظر عن المورد المالي فقط، لأنّ شخصيتها أقوى وأكثر حدة من المرأة التي تبقى في الدار". يستدرك: "لكنّ الأساس في المسألة يرتبط بالجانب الاقتصادي، ومدى قدرة الزوج على تلبية متطلبات الأسرة، ومدى حاجته إلى عنصر مساند له داخل البيت. بالتالي، يمكن القول من ناحية الإقبال على الزواج من موظفات أو من ذوات الدخل إنّ الأساس قد يكون محاولة الشاب جعل القطب الثاني في العلاقة الزوجية، أي الزوجة، قادرة على تحمل جزء من تكاليف العيش. وربما أيضاً يرتبط هذا كله بمسألة طمع الشاب بمال زوجته، أو غيره من أهداف غير نبيلة".

دلالات
المساهمون