إسراء الطوالبة طبيبة شرعية أردنية تشرّح مشاكل المجتمع

29 ابريل 2015
لم أبكِ أبداً خلال عملي (العربي الجديد)
+ الخط -
اقتحمت إسراء الطوالبة مجالاً مقتصراً على الذكور، هو مجال الطبّ الشرعي في الأردن، وباتت طبيبة معتمدة منذ عام 2007. عن تلك التجربة الممتدة إلى بداية دراستها الطب، تتحدث لـ"العربي الجديد".

- لماذا تخصصتِ في الطبّ الشرعي، على الرغم من أنّ أي تخصص طبي آخر له مردود مالي أفضل في الأردن؟

أخذ مني التفكير بالتخصص بالطب الشرعي ثلاث سنوات بعد تخرجي من كلية الطب. فقد بدأت أبحث عن علاقة الطب الشرعي بالقضاء، وكنت أريد تخصصاً يتناسب مع توجهاتي القانونية، بعد أن درست الطب بناء على رغبة أهلي. وعندما سافرت عام 2000 إلى الولايات المتحدة لمواصلة دراستي، اطلعت بشكل أكبر على أهمية الطب الشرعي، وكنت أعلم أنّ هذا الحقل يقتصر على الذكور في الأردن. فأصبح هاجسي أن أكون سبّاقة في هذا المجال.

- وكيف كان الوضع في الأردن؟ هل واجهتِ مشاكل في اعتمادكِ رسمياً؟
اتخذت قراري عام 2003 ، وطلبت لقاء مع مدير المركز الوطني للطب الشرعي، حينها، مؤمن الحديدي. فأخبرته برغبتي في التخصص في الطب الشرعي، فردّ على طلبي: "هل أنت متأكدة وجادة؟"، فأكدت له رغبتي. وبعد حديث مطول لمس الدكتور إصراري، ووافق على الالتحاق والتدريب. وبعد 4 سنوات حصلت على الاعتماد الرسمي كمتخصصة طب شرعي، وذلك عام 2007 بعد أن أنهيت التدريبين النظري والعملي.

- هل واجهتِ كطبيبة صعوبة أو منافسة في مجال عملك في الطب الشرعي؟
الصعوبات موجودة في أي عمل، وكذلك المنافسة. كنت أمتلك الإصرار على العمل دائماً مهما كانت الصعوبات. راهن بعضهم على تركي العمل، خصوصاً أنّ السيدات غالباً ما يتركن الأعمال الصعبة بعد الزواج والإنجاب. لكنّي كنت حريصة على القيام بالمهام نفسها، التي يقوم بها زملائي الأطباء، بغضّ النظر عن طبيعة المهمة أو الوقت. وكنت تحت الطلب في أوقات مختلفة من اليوم، ليلاً أو فجراً لمعاينة مسرح جريمة ما. ونتيجة لذلك أصبح صمودي واستمراري في العمل سبباً في اشتداد المنافسة.

- خلال دراستكِ الطب الشرعي، ما القضايا التي كانت تثير اهتمامك؟
أكثر ما كان يثير اهتمامي فحص حالات العنف الواقع على المرأة والطفل، والاعتداءات الجنسية بشكل عام. كان التدريب يتم في عيادة الطب الشرعي في إدارة حماية الأسرة، التابعة لمديرية الأمن العام. وكنت أشعر أنني أساهم من خلال عملي في الدفاع عنهن.

- كنتِ ضمن اللجنة السداسية المعنية بتنفيذ أحكام الإعدام في الأردن، وكان لك دور في ذلك العمل، كيف كان شعورك وأنت تشاهدين تنفيذ حكم الإعدام؟
حضرت تنفيذ العقوبة مرتين قبل وقف العمل فيها في يونيو/ حزيران 2006، وهي العقوبة التي تم استئنافها نهاية العام الماضي 2014. وخلال المرتين تعاملت مع الموقف بحيادية تامة وتهميش للمشاعر، التي قد تؤدي إلى ضعفي، حتى من ناحية ملامح الوجه ولغة الجسد. كنت أستمد قوتي من قناعتي المطلقة بالعدالة.

- هل تتذكرين أول جريمة كشفتِ عليها في المشرحة؟
كانت قضية امرأة توفيت بشكل مفاجئ. أذكر أنّ زوجها كان في حالة يرثى لها من الحزن. كان الزوج يدّعي أنّ زوجته كانت تعاني قبل وفاتها من أمراض مزمنة. يومها أخذ الزوج يتوسل عدم تشريحها تكريماً لجثمانها. لكن، وخلال الكشف الظاهري لفتت انتباهي علامات حول الوجه والعنق، فاشتبهت في وجود جريمة قتل، وهو ما كشفه التشريح. وكان القاتل هو الزوج الذي اعترف بجريمته.

- هل سهّل وجودك كطبيبة من عمل الطب الشرعي خصوصاً مع ضحايا الاعتداءات الجنسية؟
وجودي كمتخصصة كان له دور هام سواء مع حالات العنف الواقع على المرأة أو الاعتداءات الجنسية. وذلك الأثر يبرز في نوعية كتابة التقارير، والقدرة على التعامل مع الضحايا بسهولة، وأخذ المعلومة والعينة من الضحية، التي تشعر بالخجل عادة لدى إجراء الفحص الطبي من قبل الأطباء الذكور، خصوصاً في حالات الاعتداءات الجنسية، ومنهن من يرفضن البوح بالكثير من المعلومات، التي تسهّل الوصول إلى الجاني. كان عدم وجود طبيبة شرعية سبباً لدى بعض الضحايا وأهاليهم للانسحاب من الفحص الطبي.

- كأم لثلاثة أطفال، كيف تصفين مشاعرك وأنتِ تمارسين عملك مع ضحايا العنف الجسدي والجنسي على الأطفال؟
نفسياً، تلك أصعب القضايا التي أفحصها. فهي قد تؤدي إلى تعاطفي مع الطفل المعنف جسدياً، أو المعتدى عليه. أحاول دائماً أن أظهر عاطفتي من منطلق الحياد، وأن أكون قوية، لقناعتي بأنني مصدر قوة للضحية وعائلته.

- وهل بكيتِ خلال مسيرتك المهنية؟
لم أبكِ أبداً خلال عملي. لكن في إحدى الحالات، بينما كنت أجري فحصاً لطفل يبلغ من العمر 4 سنوات تعرض لحالة اعتداء جنسي من قبل صديق والده، شعرت بغضب قوي كان أقوى من البكاء. شعرت باختناق وأنا أفكر كيف استغل ذلك الرجل ثقة الطفل فيه.

- أجريتِ فحص العذرية للعديد من الفتيات لتبرئتهن من التهم، لكن في كثير من الحالات تم قتل الفتيات بدعوى الدفاع عن الشرف، كيف تتعاملين مع هذه الحالات؟
تلك الفتيات أكثر من يحزنني. يتم إحضارهن إلى عيادة الطب الشرعي من أجل التأكد من عذريتهن، وتثبت الفحوصات عذريتهن بالفعل، وتنفي التهم التي تم إلصاقها بهنّ. لكنّ المفاجأة تكون عندما تعود الفتاة جثة هامدة وتوضع على طاولة التشريح، للوقوف على أسباب موتها. ودائماً ما يكون سبب القتل ما يدعى الدفاع عن الشرف رغم معرفة مرتكب الجريمة بأنّ الضحية عذراء. أعتقد أنّ مرتكبي تلك الجرائم يحملون عقلية لا يمكن أن يغير فيها تقرير طب شرعي أو سند عملي أو دليل قاطع. أدركت خلال عملي أنّ أية أنثى تُتهم بشرفها ستقتل، حتى وإن كانت بريئة.

- يُتّهم الطب الشرعي بأنه يغير حقائق فقدان هؤلاء الفتيات عذريتهن. ما مدى صحة الاتهام؟
هذا شيء من سابع المستحيلات، فالطب الشرعي لا توجد فيه واسطة أو تدخل. وأي تغيير في التقارير ومن بينها تقرير فحص العذرية ممنوع ويعاقب عليه القانون، حتى لو كان الهدف درء الضرر. تعلمنا أنّ هناك أساليب علمية وقانونية لدرء الضرر، ليس من بينها تغيير وقائع التقرير الطبي الذي نقسم عليه اليمين أمام المحكمة.

- فتحتِ الطريق أمام طبيبات أخريات. هل تعتقدين بقدرة المرأة على إنجاز المهام الصعبة؟
أثق بأنّ المرأة قادرة على الإبداع مهما كانت صعوبة العمل الذي تخوضه. ما تحتاجه فقط الفرصة والدعم من دون التقليل من شأنها. وعلى الجميع أن يتقبل حقيقة قدرة المرأة على النجاح، والتوقف عن المنافسة السلبية مع المرأة والنظر إليها كعاجزة في مرتبة أدنى.

سبّاقة في حقل الرجال
اقتحمت الدكتورة إسراء الطوالبة، مهنة بقيت حكراً على الرجال لفترة طويلة، لتصنّف عام 2007 كأول طبيبة أردنية متخصصة في الطب الشرعي. فدخلت غرف التشريح، ومسارح الجرائم، وغرف تنفيذ الإعدام. وفي عملها، كانت الطوالبة، الأم لثلاثة أطفال، مثالاً يحتذى لغيرها من الطبيبات في الأردن، اللواتي دخلن إلى حقل الطب الشرعي بعد ذلك. كما أسهمت في رفع الحرج عن الضحايا اللواتي كن يخجلن من البوح بتفاصيل ما تعرضن له من اعتداء أمام الأطباء الذكور.
دلالات
المساهمون