أطفال غير شرعيّين

04 ديسمبر 2014
يقتصر إثبات النسب على الزواج الشرعي(سعيد خطيب/ فرانس برس)
+ الخط -
يتجاوز تعداد الأطفال الجزائريّين الذين ولدوا خارج إطار الزواج أو "غير الشرعيّين"، أربعة آلاف طفل سنوياً. وتطرح الهيئات المعنيّة إشكاليّة إثبات نسب هؤلاء، وتنظّم ندوات خاصة وحلقات دراسيّة حول هذا الموضوع الحساس.

وتشير المحامية فاطمة الزهراء بن براهيم إلى أن معظم قضايا إثبات النسب يخسرها المحامون أمام المحاكم. أما السبب، فتعيده الحقوقيّة إلى أن طلبات إجراء تحليل الحمض النووي (دي إن إيه) غالباً ما تُرفَض، وذلك بحسب المادة التي تنصّ على: "يجوز للقاضي". وهي بالنسبة إليها تخدم جهات لديها مصلحة في ذلك، كالشخصيات والمسؤولين الذين يطالَبون بالاعتراف بنسب أطفال أبصروا النور نتيجة "أخطاء" لم يرتكبوها، وتصبح سلطة القاضي "التقديريّة" في خدمتهم.

وتشير إلى أنه في إحدى القضايا، عندما قبل قاضٍ بإجراء هذا التحليل لمعرفة نسب مواطن ما، رفضت الشرطة العلميّة الأمر بحجّة عدم إمكانيّة القيام بذلك إلا في حالة جرائم القتل أو غيرها من الجرائم الخطيرة.

وفي هذا الإطار تدعو بن براهيم القضاة إلى فتح المجال أمام إجراء مثل هذه التحاليل المصيريّة بالنسبة إلى الأشخاص الذين يرغبون بمعرفة نسبهم، بهدف تفادي اختلاط الأنساب. فهي وبحكم ممارستها الميدانيّة وتوليها قضايا متعلقة بإثبات النسب، تعلم أن القاضي الجزائري لا يستجيب في 99 في المائة من القضايا إلى طلب إجراء تحليل جينيّ، نظراً لتمتعه بتلك "السلطة التقديريّة" في هذا المجال والتي تسمح له برفض هذا الطلب.

والمادة 40 من قانون الأسرة التي ترتبط بمسألة تحديد النسب، تتخللها سلبيات عدّة وهي بحاجة إلى الكثير من التعديلات إذ إنها لا تحيط بالواقع الجزائري، بحسب بن براهيم. وتصف وضع الأشخاص المولودين غير شرعيّين، بأنه كارثيّ. فأوضاعهم المدنيّة تبقى مجهولة، ما يمنعهم من إنجاز أمور عدّة كتأمين السكن والعمل والدراسة. ويتحوّلون إلى أشخاص من دون هويّة.

وفي ندوة خاصة بـ "الطفولة المسعفة" عُقدت أخيراً في مركز عيسى مسعودي الثقافي في الجزائر العاصمة وشاركت فيها بن براهيم، دعا حقوقيّون إلى ضرورة تكفّل البلديّة بمنح وثيقة الهويّة للأطفال مجهولي النسب وشطب كلمة "مجهول" من شهادة السوابق العدليّة والجنسيّة.
من جهته، أشار رئيس جمعية "ندى" عبد الرحمن عرعار إلى أن جمعيته استطاعت بعدما تأسست كطرف مدني، إثبات نسب 200 شخص مولود غير شرعي أمام العدالة من خلال الدليل العلمي: الحمض النووي.

إلى ذلك، دعا المشاركون في الندوة إلى اعتماد "قواعد الشريعة الإسلاميّة وحدها" من دون القانون الوضعي الحالي المقتبس من القانون الفرنسي، لضمان "التكفّل الكلي" بحقوق الأطفال مجهولي النسب.

وفي السياق نفسه، كانت دعوة عاجلة إلى تشكيل لجنة رقابيّة اجتماعيّة ترافق هؤلاء الأطفال في داخل العائلات، للتأكد من سلامتهم وحماية كرامتهم. كذلك، كانت تشدد على ضرورة اعتماد سياسة واضحة لتلبية احتياجات الشباب المراهق، واستنفار المجتمع للتقليص من ظاهرة الأمهات العازبات.

وكانت الجزائر قد أحصت في السنتَين الأخيرتَين أكثر من ثلاثة آلاف أم عازبة وسبعة آلاف طفل غير شرعيّ، وهو ما يعني ارتفاع نسبة عدد الأطفال المولودين خارج "الأطر الشرعيّة" أو الزواج. لكن إحصاءهم يتعذّر بدقّة، فتبقى الأرقام بالتالي بعيدة عن الواقع، وهو الأمر الذي يستهجنه المجتمع الجزائري لاعتبارات دينيّة.

إلى ذلك، فإن المشرّع الجزائري يحمي الأمهات العازبات من خلال أطر قانونيّة. فالقانون يحمي هذه الفئة من الأمهات، مرتكزاً على جملة من الاتفاقيات الدوليّة المبرمة في إطار الدفاع عن حقوق الإنسان، على الرغم من عدم توفّر مادة صريحة تقرّ بذلك. وكانت الدولة الجزائريّة قد أنشأت أيضاً مراكز إسعاف اجتماعي لإيواء هؤلاء النسوة.

من جهة أخرى، يحفظ حقّ الأم العزباء في التخلي عن طفلها الذي يولد في مستشفى أو في أحد دور الحضانة وإكمال حياتها بعيداً عنه. بالتالي، فإن الذي سيعاني لاحقاً هو ذلك الطفل الذي يحمل كنية "مجهول النسب" طوال حياته.

وتجدر الإشارة إلى أن عددا كبيرا من هؤلاء الأطفال الذين ما زالوا صغاراً أو الذين أصبحوا راشدين، يعانون بصمت بسبب أمهاتهن اللواتي تخلّين عنهم. فمن شأن ذلك أن يخلق لديهم اضطرابات قد تعوّق توافقهم النفسي وتعوّقهم عن ممارسة حياتهم الطبيعيّة في مجتمعاتهم.
دلالات
المساهمون