زاد الطلب على الموارد الطبية للحالات الحرجة في جميع أنحاء الصين منذ مطلع العام الحالي، إذ تشهد البلاد ذروة الإصابة بفيروس كورونا، وارتفاع عدد الوفيات إلى معدلات غير مسبوقة، ويرى كثيرون أن ذلك يرجع إلى قرار السلطات في الشهر الماضي، وقف العمل بسياسة "صفر كوفيد".
ويدفع المسنون خصوصاً ثمن الاتجاه نحو التعايش مع الوباء على الطريقة الغربية، ويتهم ذووهم السلطات بالتخلى عن الفئة التي تمثل نحو 20 في المائة من تعداد المجتمع الصيني، إذ يبلغ عدد من تزيد أعمارهم عن 65 سنة نحو 300 مليون شخص، ويقول صينيون إن الحكومة لم تأخذ بعين الاعتبار الأمراض المزمنة التي يعاني منها كبار السن، وتركتهم يواجهون مصيرهم من دون مراعاة لظروفهم الصحية في حين أن نسبة كبيرة منهم لم تتلقّ اللقاح.
وحسب منظمة الصحة العالمية، فقد أبلغت الصين عن نحو 218 ألف إصابة جديدة بفيروس كورونا منذ مطلع عام 2023، بينما تكشف تقارير محلية عن ازدحام المستشفيات بالمصابين، وخصوصاً من كبار السن، وتكدس محارق الجثث بالجثامين.
يعمل تشي جين كمصمم في شركة دعائية بمدينة كوانجو (جنوب)، ويقول لـ"العربي الجديد": "جدتي ترقد في العناية المركزة منذ أيام. منذ أوقفت السلطات سياسة صفر كوفيد، انتشر الوباء بصورة مخيفة. أصيب أخي الأصغر بالفيروس، وسرعان ما انتقلت العدوى إلى جميع أفراد الأسرة، وكنا نخشى على جدتي التي يبلغ عمرها 86 سنة، فهي تعاني من ارتفاع ضغط الدم، وتليف الكبد، وانسداد بعض شرايين القلب، وأصبنا بحالة من الهلع حين أصيبت بالفيروس قبل أسبوعين، فقمنا على الفور بنقلها إلى المستشفى، لكننا فوجئنا بتكدس أعداد المرضى، وظلت تنتظر في قاعة الاستقبال لمدة ثلاثة أيام، قبل أن يتم نقلها إلى العناية المركزة، وهي تعاني من ضيق شديد في التنفس، وقيل لنا إنها قد تفارق الحياة في أي لحظة".
ويحمّل تشي السلطات مسؤولية تدهور حالة جدته الصحية، موضحاً أن "الحديث عن حرص الحكومة على حياة المسنين في تبريرها التمسك بسياسة صفر كوفيد خلال الثلاث سنوات الماضية، كان مجرد خطاب للاستهلاك الإعلامي، والمخاوف الحكومية لم تقترن بإجراءات عملية مثل تطعيم المسنين، أو تحسين البنية التحتية الصحية، وقرار رفع القيود والتعايش مع الوباء كان مفاجئاً بالنسبة لذوي كبار السن، ولم يعطهم فرصة لأخذ التدابير اللازمة من أجل حمايتهم، أو عزلهم عن مخاطر الوباء".
من جهتها، تقول الناشطة الحقوقية شياو لين، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "تقارير محلية تفيد بإصابة نحو 20 مليون صيني بفيروس كورونا منذ أن أوقفت الحكومة سياسة صفر كوفيد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وإن نحو 95 في المائة من الوفيات هم من كبار السن الذين لم يتلقوا اللقاحات بسبب حظر السلطات الصحية استخدام لقاحات أجنبية، واقتصار عمليات التطعيم على اللقاحين المحليين".
وأضافت الناشطة الحقوقية أن "رفع القيود لم يأت بناء على دراسات أو تقييم علمي للجائحة كما يسوّق الإعلام الرسمي، بل جاء استجابة للتذمر الشعبي، ما يعني أن الصين لم تكن مهيأة لوقف الفحوص اليومية والتوجه نحو التعايش مع الفيروس، ومن دفع الثمن هم المسنون باعتبار أنهم الفئة الأضعف صحياً في المجتمع".
وفي تعليقه، يقول الطبيب الصيني لو تشانغ، وهو عضو سابق في منظمة "أطباء بلا حدود"، لـ "العربي الجديد": "السلطات الصحية تدرك خطورة الوضع الراهن، وتأثيره على حياة المسنين، لذا قامت باستجابة سريعة خلال الأيام الماضية، تمثلت في في طرح 13 دواء جديدا لعلاج كوفيد-19، وبموافقة اللجنة الوطنية للصحة، كما زادت من الدعم الطبي للمناطق الريفية،
بما يشمل ضمان توفير الأدوية لعلاج الأمراض المزمنة، إلى جانب توسيع قدرة وحدات العناية المركزة، وتحسين الخدمات الصحية للفئات الحرجة".
وأضاف تشانغ: "في نهاية العام الماضي، تجاوز عدد الأشخاص الذين تلقوا اللقاحات 90 في المائة من إجمالي عدد السكان. وأجرت الصين منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مسحاً شاملاً لإحصاء كبار السن، ورصد حالاتهم الصحية، وكل ذلك ينفي عدم مبالاة الحكومة بحياة المسنين، أو أنها لم تكن مستعدة للوضع الراهن".
وأشارت وسائل إعلام صينية إلى أن السلطات الصحية قامت بتحسين نظام التشخيص والعلاج، وتعزيز قدرة المؤسسات الطبية على استقبال المرضى، وزيادة أسرة العناية المركزة، وكذا الموارد الطبية اللازمة لعلاج الحالات الحرجة، كما بررت رفع القيود المتعلقة بسياسة صفر كوفيد بانخفاض تأثير الفيروس، وارتفاع معدلات التطعيم في المجتمع مقارنة بمجتمعات أخرى.
وأصدرت الصين أخيراً، نسخة معدلة من بروتوكول السيطرة على الوباء، ويحث البروتوكول الجديد الصادر عن مجلس الوزراء، أفراد الشعب، وخاصة المسنين، على المبادرة إلى الحصول على التطعيم، ويقول إنه تمت التوصية بحصول السكان المعرضين لمخاطر عالية مثل كبار السن، على جرعة معززة بعد ستة أشهر من الجرعة الأولى، إضافة إلى التشديد على تكرار غسل اليدين، وغيرها من أساليب النظافة الشخصية، وتجنب الأماكن المزدحمة، وارتداء الكمامات باعتبارها من بين وسائل الوقاية الأولية.