هل يشكل فقدان التنوع البيولوجي تهديداً كبيراً للبشرية؟

10 أكتوبر 2021
عشرات الأدوية يتم استخراجها من النباتات الزهرية (Getty)
+ الخط -

لطالما كانت الطبيعة مصدراً أساسياً للأدوية الحيوية، إلا أن هذه المصادر الطبيعية تواجه خطر الاندثار، ما يعرّض البشرية إلى مخاطر متنوعة ناتجة عن فقدان التنوع البيولوجي، مما سيكون له تأثيرات واضحة في عالم الطب والأدوية، حسب صحيفة "ذا غارديان" البريطانية.
ورصد التقرير عددا من الأدوية المستخرجة من مصادر طبيعية، ومنها زهور "قطرات الثلج" التي تستخدم كمسكن للصداع، ومن المعروف أنها تبطئ ظهور الخرف، وتم استخراج المادة الأساسية لها "الجالانتامين" في الخمسينيات من ورد النرجس البري. ويبحث العلماء ما إذا كانت هذه الأزهار فعالة أيضاً في علاج فيروس نقص المناعة، ولكن هناك تحد كبير يواجههم يتمثل في اختفاء تلك الزهور بسبب الحصاد العشوائي وعوامل أخرى.
لا يتعلق الأمر فقط بهذه الزهرة، فالعديد من النباتات التي تعد مصدراً وفيراً للأدوية تواجه المصير نفسه. ويرى العلماء في أنحاء العالم أن الاستخدام غير المستدام للنباتات الطبية البرية يساهم في فقدان التنوع البيولوجي، ويمكن أن يحد من فرص الحصول على الأدوية الطبيعية في المستقبل. تقول عالمة النباتات الطبية في "جامعة إيموري- أتلانتا" في جورجيا، كاساندرا كواف، إنه "في الوقت الذي نحتاج بشدة إلى هذه النباتات لمعالجة الأمراض، نحن معرضون لخطر فقدانها".

 

يعود تاريخ الطب التقليدي إلى آلاف السنين
ويستخدم البشر الطبيعة في الشفاء منذ ما قبل اللغة المكتوبة، وتم العثور على أول دليل على لوح طيني عمره 5000 عام في منطقة ناجبور في الهند، ويشير إلى وجود أكثر من 250 نباتاً طبياً. كما يعود تاريخ الطب التقليدي الصيني إلى آلاف السنين، وكانت أقدم الكتابات التي تم العثور عليها على قطع من صدف السلحفاة والعظام تعود إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد، ووجدت قطعة من ورقة البردي الذي كان يتم استخدامه من قبل المصريين القدماء قبل 3500 عام، توضح كيف يتم إنتاج الأسبرين من شجر الصفصاف.
وتشرح الباحثة الرئيسية في الكيمياء البيولوجية بحدائق كيو في لندن، ميلاني جين هاوز، كيف يدرس العلماء العلاجات التقليدية لمعرفة ما إذا كان هناك أساس علمي حقيقي لاستخدامها، وتقول إن عقار الأرتيميسينين المضاد للملاريا، الموجود في شجر الشيح الحلو، تم تطويره بعد التعرف عليه في الكتابات الطبية التقليدية، إذ تم استخدام الشيح الحلو في الطب التقليدي الصيني منذ آلاف السنين لعلاج الحمى، وهي أحد أعراض الملاريا.
والكثير من الأمراض، بما في ذلك السرطان، وأمراض القلب، يتم علاجها حاليا بالأدوية المصنعة من النباتات والفطريات. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن 11 في المائة من الأدوية الأساسية في العالم مصدرها النباتات المزهرة.

في يونيو/حزيران الماضي، عزل العلماء جزءا من أوراق شجرة الكستناء الأوروبية، والتي ثبت أن لديها القدرة على تحييد بكتيريا المكورات العنقودية الخطيرة المقاومة للأدوية، ويأمل الأطباء في تصنيع دواء يعالج المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين (MRSA) على الرغم من مقاومتها للمضادات الحيوية.
وتقول كاساندرا كواف: "في عصر ما قبل المضادات الحيوية، كان الموت بسبب الولادة أو الجروح أمراً شائعاً، حتى الخدش البسيط في الحديقة يمكن أن يؤدي إلى عدوى قاتلة. واليوم، تفقد البشرية ما يقدر بنحو 700 ألف شخص سنوياً بسبب العدوى المقاومة لمضادات الميكروبات. وبحلول عام 2050، تشير التقديرات إلى أن 10 ملايين قد يموتون سنويا بسبب هذه العدوى".

وتوجد الأدوية في كل ركن من أركان الأرض، ويمكن استخدام الفطريات لمحاربة الطفيليات والبكتيريا والسرطان، والأدوية المشتقة من سم الأفعى تعالج أمراض القلب، حتى أن العلماء اكتشفوا بكتيريا بحرية تعيش على أعماق تصل إلى 6500 قدم، ويأملون أن توفر علاجًا لسرطان الدماغ العدواني، ولطالما استخدم الدم الأزرق اللامع لسرطان حدوة الحصان للكشف عن الشوائب في الأدوية واللقاحات، واستخدم في تطوير لقاحات كورونا.

 

التلوث والاستغلال المفرط للموارد الطبيعية يهدد مستقبل الأدوية
وتمتلك الطحالب الدقيقة، المعروفة باسم الدياتومات، هياكل جدار خلوي مسامية تجعل من الممكن استخدامها كمركبات لتوصيل الدواء إلى الجسم، كما يتم فحصها لاستخدامها في العلاج المناعي، والعلاج المركب لعلاج السرطان.

ومع ذلك، فإننا نفقد الأنواع حتى قبل أن ندرك أهميتها، ويعود السبب في ذلك إلى التلوث، والاستغلال المفرط للموارد الطبيعية، وتغير استخدام الأراضي وتدهورها، إضافة إلى النشاط البشري الذي يعتبر السبب الرئيسي لفقدان التنوع البيولوجي. تقول ميلاني جين هاوز: "تم استغلال خصائص عدد صغير نسبياً من هذه النباتات، ولايزال أمامنا الكثير للاستفادة منه".

يُقدر معدل فقدان الأنواع الخاصة بالنباتات والأزهار بما يتراوح بين 1000 و10 آلاف مرة أعلى من معدل الانقراض الطبيعي، على الرغم من أنه يستحيل معرفة ذلك على وجه اليقين، حيث لا توجد فكرة عن عدد الأنواع التي تعيش بالفعل على الأرض، وتتراوح التقديرات بين 5.3 ملايين إلى 1 تريليون نوع مختلف من النباتات.
وقال عالم الحشرات زميل الأبحاث الزائر في جامعة ليدز، روس بايبر: "وصفنا ما يزيد قليلاً عن مليون نوع من الحشرات، ولكن هناك ملايين أخرى لم يتم التعرف عليها، ولم يتم اكتشاف كيف تعيش، أو أين؟ ومع فقدان كل نوع من هذه الحشرات، فإننا نخسر الكثير من التنوع البيولوجي".

المساهمون