نازحو غزة... من جحيم العدوان إلى نار التكدس والحرمان

02 نوفمبر 2023
لاجئون فلسطينيون فارون من الهجمات الإسرائيلية في إحدى مدارس أونروا (أشرف عمرة/ الأناضول)
+ الخط -

تصطحب النازحة الفلسطينية سهيلة أبو الروس طفلها محمود (8 سنوات) لقضاء حاجته في حَمام جَماعي داخل إحدى مدارس اللجوء في مخيم البريج للاجئين الفلسطينيين وسط قطاع غزة، وسط أجواء مأساوية، يسودها التوتر وانعدام الخصوصية، وغياب الأمان، والنظافة معا.

وتشهد مراكز اللجوء، وفي مقدمتها المدارس المنتشرة في كافة محافظات قطاع غزة، وتحديدا في المناطق الوسطى والجنوبية، أوضاعاً كارثية وغير آدمية، في ظل انعدام المقومات الأساسية، والنظافة، علاوة على التكدس العشوائي وغير الطبيعي.

وتُفَصِّل مراكز اللجوء، ومنها المؤسسات، ومراكز التحفيظ، والمراكز الصحية، والطبية، والمدارس، والمعاهد، مَعالم المأساة الحقيقية التي آل إليها المواطنون الفلسطينيون نظرا للتكدس غير المنطقي، والذي وصل إلى ما يزيد عن عَشرة أضعاف القدرة الاستيعابية لكل منها، بفعل التدفق الهائل للنازحين، مُنذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

تشهد مراكز اللجوء أوضاعا كارثية وغير آدمية، في ظل انعدام المقومات الأساسية، والنظافة، علاوة على التكدس العشوائي، وغير الطبيعي

ومع دخول العدوان الإسرائيلي يومه السادس والعشرين على التوالي، تتضاعف فصول المعاناة داخل مُختلف مراكز الإيواء، التي تفتقد لأدنى مقومات النظافة، أو الاحتياجات الأساسية للمواطنين، خاصة مع تضاعف الأعداد يوميًا، في ظل محدودية مراكز الإيواء، وانعدام القدرة على افتتاح مراكز جديدة، في الوقت الذي لا يجد فيه أهالي غزة بيوتا أو محال تجارية أو غرفا للإيجار بمقابل مادي.

وتتفاقم المأساة يوماً بعد الآخر في ظل استمرار تدفق المواطنين من المناطق الشمالية لقطاع غزة، ومدينة غزة، نحو مراكز الإيواء في المناطق الوسطى والجنوبية، بفعل تواصل المجازر الإسرائيلية بحق المواطنين، إلى جانب التهديدات غير المتوقفة، سواء بالاتصال المُباشر، أو بإلقاء المناشير عبر الطائرات، بضرورة المُغادرة نحو المناطق الوسطى، والجنوبية، على اعتبار أن مدينة غزة، والمناطق الشمالية باتت "ساحة قِتال".

وتوضح أبو الروس، وهي من منطقة الساحة، وسط مدينة غزة، أنها اضطرت للذهاب إلى بيت والدها، بعد استشهاد زوجها في اليوم الثامن للعدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع، ومن ثم نزحت برفقة عائلتها إلى إحدى المدارس في مخيم البريج، بعد التهديد الإسرائيلي للمواطنين، بالتوجه نحو جنوبي وادي غزة وسط القطاع لضمان سلامتهم.

وتلفت أبو الروس لـ"العربي الجديد" إلى أن المدرسة، والتي تتبع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"، تستقبل نحو خمسة آلاف مواطن، في الوقت الذي لا يمكنها استيعاب أكثر من ألف في الوقت الطبيعي، ما تسبب بواقع مأساوي تفاقمت فيه الأزمات، وانعدمت فيه أدنى درجات الخصوصية.

وتبين أنه بفعل الكثافة العالية داخل مدرسة الإيواء، فإنها وكغيرها من المدارس والمراكز باتت تُعاني من نقص شديد في ماء الشرب، والاستخدام اليومي، واصطفاف الناس في طوابير للحصول على أي خدمة من الخدمات الأساسية، علاوة على زيادة نسبة التلوث، وانعدام النظافة، في معظم مرافقها، وفي حماماتها العامة على وجه التحديد.

أما الفلسطيني خالد الطويل، وهو من منطقة الزهراء وسط قطاع غزة، وقد لجأ إلى إحدى مدارس اللجوء بعد قصف الاحتلال البرج الذي يسكن فيه برفقه أسرته المكونة من خمسة أفراد، فيوضح أن الأوضاع داخل مراكز الإيواء مأساوية، وغير آدمية، وغير صحية، بفعل التكدس الرهيب، والمتزامن من انعدام مقومات الحياة، أو حتى مقومات النظافة، والصحة العامة.

ويضطر الطويل إلى المبيت جالسا داخل سيارته برفقة أفراد أسرته أمام بوابة المدرسة خلال ساعات المساء، بسبب الرائحة الكريهة، الناتجة عن قلة النظافة والازدحام الشديدين، فيما يضطر خلال ساعات النهار إلى دخول المدرسة، لشحن أجهزة الجوال، والحصول على الماء، والغذاء إن توفر.

ويلفت الطويل، ويعمل طبيباً للأطفال، لـ"العربي الجديد"، إلى أن الأوضاع الحالية لمراكز اللجوء، والناجمة عن التكدس السكاني غير المسبوق، تعتبر بيئة خصبة للفيروسات والأمراض الجلدية وأمراض الصدر، والأمراض الفيروسية، وخاصة عند الشرائح الهشة، وفي مقدمتها الأطفال، وكبار السن، والنساء، وتحديداً الحوامل منهن.

ويُمكن للمتجول بين مراكز ومدارس الإيواء إدراك حجم الكارثة البيئية والصحية، التي هرب إليها المواطن من جحيم الحرب، والقصف المتواصل، والتهديد المُباشر، من خلال الازدحام الشديد لعشرات المواطنين في الفصل الواحد، إلى جانب التكدس في الطرقات، والساحات العامة، علاوة على الأوساخ الشديدة، والرائحة الكريهة المُنبعثة من المراحيض، بفعل النقص الشديد في الماء، الذي منع الاحتلال دخوله مُنذ اليوم الأول للعدوان برفقة الكهرباء، ومُشتقات البترول، والمواد الغذائية، والتموينية.

وتتزامن تلك الحالة المأساوية مع مشاهد كارثية أخرى، نتجت عن النزوح القسري، والذي فرضته قوات الاحتلال الإسرائيلي على 1.4 مليون فلسطيني، سواء بالتهديد، أو قصف منزلهم، ومنطقتهم السكنية، وأبرزها تكدس أكوام القمامة في الساحات، وأمام مراكز اللجوء، إلى جانب اصطحاب بعض النازحين لحيواناتهم، كالأغنام والحمير إلى داخل تلك المراكز، أو على أبوابها، ما يزيد من حجم المعاناة، وسوء الواقع البيئي، في الوقت الذي تُحرم فيه الأعداد الكبيرة للنازحين من الحصول على المساعدات الأساسية.

وما يزيد من صعوبة الأوضاع في تلك المراكز، أو المدارس، أنها مُخصصة لخدمة شريحة مُحددة من سُكان المناطق الوسطى، والجنوبية، إلا أن التهجير الإسرائيلي القسري لمئات الآلاف من أهالي شمال قطاع غزة، ومدينة غزة نحوها، أدى إلى اختلال التوازن فيها، وعدم القدرة على توفير الأجواء الطبيعية، أو حتى أدنى مقومات السلامة، والنظافة، والرعاية للأعداد الضخمة.

ولم تُنشأ تلك المراكز أو المدارس لاستيعاب الأعداد الضخمة من النازحين، أو حتى توفير الأجواء الخدماتية المُتلائمة مع أوضاع الإيواء في أجواء الحرب، إذ خُصصت مُنذ لخدمات مُحددة لمئات الطلبة، أو عشرات المرضى، وليس لاستقبال عائلات مُمتدة، تضم المدنيين، والشباب، وكبار السن، والنساء، والأطفال، والرُضع، بمُتطلباتهم المُختلفة.

المساهمون