- تشمل المبادرات الريادية للنازحين استخدام الطاقة الشمسية لشحن الهواتف، إنشاء أفران طينية، وتقديم استشارات طبية، مما يعكس قدرتهم على استغلال المهارات الشخصية والموارد المتاحة لخدمة المجتمع.
- رغم التحديات، يستمر النازحون في العمل بجد لتوفير الاحتياجات الأساسية لأسرهم وتعزيز التكافل الاجتماعي، معبرين عن إصرارهم على الحياة والتغلب على الصعاب بالإبداع والعمل الجاد.
ينشغل الفلسطيني محمد مطير من مدينة غزة بعرض حلوى الأطفال والمُسليات، في شكل لافت، أمام خيمة النزوح التي يمكث فيها في منطقة تل السُلطان غربي مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، لمحاولة استغلال الوقت وتوفير مصدر دخل لعائلته.
افتتح بعض النازحين العاطلين عن العمل بسطات داخل خيمهم لبيع الحلويات والمُسليات والحطب والمياه المُفلترة والمنظفات والمواد التموينية والبقوليات، وآخرون أفراناً طينية لطهي الطعام للنازحين، كما اشتروا ألواحاً للطاقة الشمسية لتقديم خدمات شحن الهواتف الخلوية والأجهزة الكهربائية مقابل أموال. أيضاً أنشأ البعض بسطات لبيع حلويات مُصنّعة يدوياً مثل العوامة والكنافة وأصابع زينب، أو مأكولات شعبية مثل الفلافل والمفتول والأرز.
وكان لافتاً أيضاً استغلال أشخاص الحرف والمهن التي يتقنونها لإنشاء مصالح صغيرة يقدمون فيها خدمات مختلفة. ومن بين هذه المصالح بسطة للحلاقة وتصفيف شعر النساء، وأيضاً عيادات لتقديم استشارات طبية بأمراض الصحة العامة والعيون والأسنان، وأيضاً الأمراض الجلدية وأخرى طرأت بسبب النزوح والاكتظاظ.
ويقول مطير الذي نزح من حي الشيخ رضوان شمالي مدينة غزة إلى مخيم البريج (وسط)، ثم إلى الجنوب، لـ"العربي الجديد": "عملت مع بداية الحرب في مهنتي الأساسية وهي تعبئة وتوزيع غاز الطهي، ثم أجبرني شحّ الغاز بسبب الحصار الإسرائيلي على التوقف، ثم أنشأت بسطة صغيرة لبيع الخُضر في مرحلة أولى، قبل أن أوسّع عملي عبر إضافة حلويات وسكاكر ومُسليات، وبعض المتطلبات الخاصة بالطهي، وباقي اللوازم التي تحتاجها الأسر النازحة".
ويُوضح أن العائد المادي البسيط الذي يحصل عليه يومياً يُساعده في توفير المتطلبات الأساسية لأسرته في ظل تواصل الحرب والخطر وانقطاع مصادر الدخل التي يُمكن أن تعينه في مواجهة النزوح الصعب والمرهق.
أما شقيقه شادي مطير فيعمل في شحن الهواتف الخلوية من خلال مشروع بسيط للطاقة الشمسية أنشأه في جزء من الخيمة التي يمكث فيها.
ويقول لـ"العربي الجديد": "باتت هذه المصلحة مصدر دخلي الوحيد بعدما توقف عملي الأساسي بسبب النزوح القسري الذي كان يوفر لي المال".
ويُشير إلى "صعوبة حياة النزوح التي تفتقر إلى أي من مقومات الحياة والعمل الطبيعي أيضاً. وقد دفعني الواقع الصعب إلى التفكير بإيجاد بدائل حتى إذا كانت بسيطة من أجل توفير دخل، واشتريت ألواحاً للطاقة الشمسية وافتتحت بسطة لشحن الهواتف الخلوية وأجهزة الإنارة الصغيرة بمُقابل مادي".
من جهته يتحدث الستيني صبري المقوسي لـ"العربي الجديد" عن أنه فقد بيته في الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي المتواصل فنزح إلى الجنوب حيث الأوضاع المعيشية والاقتصادية والأمنية صعبة جداً.
ويقول: "اضطررت للعمل في مجال تعبئة مياه الشرب لتوفير مصدر دخل لأسرتي المؤلفة من سبعة أفراد في ظل شح المساعدات الإنسانية وانعدام مصادر الدخل البديلة، وغلاء الأسعار غير المسبوق الذي طاول المواد الغذائية والمتطلبات اليومية للأسر".
ورغم الإرهاق الشديد الذي يصيب المقوسي جراء عمله المتواصل على مدار اليوم في ظل ظروف صعبة، يرى أن هذا العمل مهم للغاية على الصعيد الشخصي من أجل توفير لقمة عيش أسرته، وأيضاً على الصعيد العام لتأمين مياه صالحة للشرب للنازحين في الخيام المُجاورة، في ظل النقص الشديد في هذه المادة الأساسية.
ويتشابه حال مُعظم أصحاب المشاريع الصغيرة في صفوف النازحين. ويوضح مؤيد عبد المجيد الذي أنشأ فرناً طينياً لصنع الخبز والمعجنات وبعض أصناف الكعك والحلويات، أن دخله اليومي يساعده في سد رمق أسرته.
ويُشير عبد المجيد الذي بدا مُرهقاً خلال تنفيذه مهمة إنضاج صينية البطاطس داخل الفرن الطيني، إلى أنه يتعاون مع أشقائه في العمل، ويتولى بنفسه عملية الطهي، في حين يتابع شقيقه محمود تزويد الفرن كمية الحطب اللازمة لإشعال النار، ويتسلّم والده صواني الطعام والخبز من الزبائن ويسلّمها لهم.
ويذكر أنه يصاب بإرهاق شديد خلال العمل أمام فرن النار، خاصة مع اشتداد درجات الحرارة خلال النهار، ويقول: "لا أملك إلا خيار مواصلة هذا العمل رغم التعب لتوفير طعام للصغار وكبار السن، وباقي المُتطلبات المعيشية، ونحن لم نستطع جلب أي شيء معنا حين نزحنا من مدينة غزة في الشهر الأول للحرب".
ويرى رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في غزة، سامي العمصي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "استمرار العدوان الإسرائيلي للشهر السابع على التوالي أفقد شريحة من العمال، وفي مقدمهم أولئك المياومون مصادر رزقهم بسبب تدمير أماكن عملهم، وفرض الاحتلال الإسرائيلي سياسة التهجير القسري التي اجبرتهم على ترك مناطق عملهم وسكنهم".
يتابع: "دفع تفاقم حدة الأزمات التي بدأت بالانتهاكات وإغلاق المعابر ومنع دخول كل المواد الأساسية شريحة من العمال إلى ابتكار مشاريع صغيرة لتوفير متطلبات أسرهم في ظل انقطاع مصادر دخلهم الأساسية التي كانت تكفيهم بالكاد لتوفير هذه المتطلبات نتيجة تدني المداخيل المادية قبل الحرب بسبب التداعيات السلبية للحصار التي أثّرّت على كل القطاعات الاقتصادية.