نازحو غزة: حرمان وطوابير وترقّب في رمضان
- النازحون يكافحون لتأمين الاحتياجات الأساسية لأسرهم في ظل ظروف قاسية، حيث يعانون من انعدام الراحة والشعور بالقلق وعدم الأمان، مما يجعل الحياة تحت النزوح مرهقة.
- شهر رمضان يشهد تزايد المعاناة بسبب العدوان الإسرائيلي والحصار المستمر، مما يحرم السكان من طقوس رمضان ويزيد من الفقر والبطالة، مما يجعل الاعتماد على المساعدات الإنسانية ضروريًا.
يوميات صعبة يعيشها أهالي غزة من النازحين خلال شهر رمضان، في محاولة لتأمين بعض أساسيات العيش اليومي واحتياجات الشهر الكريم.
يعيش الفلسطينيون في قطاع غزة حالة من عدم الاستقرار جراء التغيّر الكبير الذي يطاول ظروفهم المعيشية، والتي تضاعفت حدّتها خلال شهر رمضان، إذ تزيد الاحتياجات اليومية وسط أوضاع القلق والترقّب، ويزيد من عمق الأزمة حالة التكدس الشديد في مُختلف المناطق، وتحديداً في المناطق الوسطى والجنوبية، وفي مقدمتها مدينة رفح التي تضم أكثر من 1.5 مليون نازح من محافظتي غزة والشمال، ومن المناطق الوسطى ومدينة خانيونس.
وتكثر التحديات خلال شهر رمضان تحت وطأة نفاد مختلف السلع الأساسية نتيجة الإغلاق الإسرائيلي المتواصل للمعابر ومنع دخول المواد الغذائية والتموينية، علاوة على قطع خطوط الماء والكهرباء ومنع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية والوقود.
ويعاني النازحون بسبب الغلاء الشديد الذي طاول مُختلف السلع، إذ وصلت أسعار بعضها إلى ما يزيد عن 20 أو 30 ضعفاً، في الوقت الذي يعاني فيه غالبية أهالي القطاع من أزمات مالية نتيجة فقدانهم لمصادر رزقهم أو عدم انتظام حصولهم على الرواتب أو المخصصات المالية للأسر الفقيرة.
يقول الفلسطيني أشرف السِرحي، من حي الزهراء في وسط قطاع غزة، إنه يقضي يومه في توفير المتطلبات الضرورية لأسرته التي تعيش داخل خيمة إلى الغرب من مدينة رفح: "حياتنا تفتقد لأدنى المقومات الأساسية، ما يدفعني إلى مضاعفة الجهد، في محاولة لتوفير ما يمكنني توفيره".
ويوضح لـ "العربي الجديد" أن "يومه يبدأ مبكراً بعد تناول وجبة السحور، ويتجه لتعبئة مياه الاستخدام اليومي ونقلها يدوياً عبر وعاء بلاستيكي، ثم يشتري المياه الحلوة (الصالحة للشرب) بعد حجز دوره في طابور طويل للحصول على ربطة الخبز". ويلفت السِرحي الذي فقد عمله بفعل نزوحه القسري جراء تدمير الدكان الذي كان يعمل فيه، إلى أوجه المعاناة التي يعيشها برفقة أسرته يومياً، بدءاً بالحالة الاقتصادية المتردية والغلاء الكبير في الأسعار، مروراً بفقدان السلع الأساسية، وصولاً إلى حالة الركض المتواصل للتسجيل في برامج المساعدات المختلفة، على أمل الحصول على ما يسد رمق أطفاله الأربعة.
ويتشابه واقع النازحين في أيام الصوم، إذ باتت جهودهم مركزة على توفير الاحتياجات الأساسية لأسرهم التي تعيش ظروفاً قاسية داخل وخارج مراكز الإيواء. يبيّن الفلسطيني خالد أبو سرور لـ "العربي الجديد" أن واقع النزوح مرهق للغاية، إذ تنعدم كل سبل الراحة، علاوة على الشعور الدائم بالقلق وعدم الاطمئنان أو الشعور بالأمان. يضيف أبو سرور: "ليس من السهل أن أترك زوجتي وأطفالي داخل الخيمة في ظل ظروف الحرب والقصف المتواصل والخروج لتوفير لقمة عيشهم وبعض المياه التي تعينهم على قضاء يومهم، إلا أن ما يدفعني لذلك الحاجة الماسة وانعدام البدائل".
ويلفت إلى أن السعي اليومي لتوفير الخبز والماء والخضار لم يكن على هذا النحو قبل الحرب. ويقول: "على الرغم من الأزمات الاقتصادية التي كنا نعاني منها قبل العدوان، إلا أن كل شيء كان متوفراً ولو بكميات محدودة، فالماء كان يصل إلى صنابير بيوتنا، والكهرباء تتوفر في مواعيد محددة، فيما تحتوي المخابز على الخبز والمعجنات، وتؤمن الأسواق مختلف المُتطلبات الأساسية".
ويشير أبو سرور إلى أن شهر رمضان الحالي هو الأقسى على الفلسطينيين؛ فإلى جانب حالة خطر القصف، والتهديدات الإسرائيلية المُتتالية بشن هجوم على رفح، وفقدان الملامح والطقوس المميِّزة لأيام رمضان ولياليه، فإنه يحل في ظروف مأساوية تنعدم فيها مختلف تفاصيل الحياة الآمنة.
تقف الفلسطينية دينا السعدني، في طابور طويل أمام الصراف الآلي، وتقول إنها تداوم أمام الصراف منذ ما يزيد عن أسبوع لسحب مبلغ مالي من حسابها، إلا أنها لم تتمكن من الحصول عليه بسبب التكدس الكبير. تضيف السعدني لـ "العربي الجديد" أنها تضطر إلى ترك دورها عند آذان العصر، حتى وإن لم تتمكن من الحصول على النقود، والتوجه إلى مدرسة الإيواء التي تعيش فيها مع أبنائها الخمسة لتجهيز وجبة الإفطار، والتي تحمل الشق الآخر من المعاناة اليومية، إذ تتشارك مع بقية أفراد الأسرة الطهي على نار الحطب.
وتوضح السعدني أنه على الرغم من توزيع الأدوار بين أفراد الأسرة التي فقدت معيلها، الذي توفي منذ خمس سنوات بعد صراع مع المرض، إلا أن حالة الإرهاق اليومي لا يمكن وصفها، بسبب حالة التشتّت وعدم توفر وسائل الطهي المُساعدة، علاوة على الشعور الدائم بالقلق، وخصوصاً في ظل تواصل التهديدات الإسرائيلية والاستهداف الدائم للمدنيين.
ويأتي العدوان الإسرائيلي الذي أثر على مختلف نواحي الحياة في الوقت الذي يعاني فيه أهالي القطاع من التأثيرات السلبية للحصار الإسرائيلي المتواصل منذ سبعة عشر عاماً، والذي ضاعف نسب الفقر والبطالة. وتجاوزت نسب البطالة 65 في المائة، إلى جانب 70 في المائة في صفوف الخريجين والشباب، فيما وصلت نسبة الفقر إلى نحو 80 في المائة، ونسبة اعتماد الغزيين على المساعدات الإنسانية إلى ما يزيد على 90 في المائة.