لم تترك النازحة الفلسطينية رحاب المالكي محلاً تجارياً أو بسطة خاصة ببيع ملابس الأطفال في مُخيمي الزوايدة والنصيرات للاجئين الفلسطينيين، إلا وذهبت لسؤاله لشراء ملابس شتوية لأطفالها، إلا أنها لم تجد طلبها بفعل الأزمة الحادة، نتيجة انعكاسات العدوان الإسرائيلي على الأسواق.
وتشهد الأسواق الفلسطينية في مختلف محافظات قطاع غزة أزمة غير مسبوقة في الملابس الشتوية، وتحديداً الخاصة بالأطفال، نتيجة الإغلاق الإسرائيلي للمعابر، ومنع دخولها مُنذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ملابس شتوية مفقودة
وتسبب ذلك المنع بخلق مُعضلة إضافية أمام الفلسطينيين في قطاع غزة، سواء في مُحافظتي غزة والشمال، أو في المُحافظات الوسطى والجنوبية، والتي تشهد الأزمة بحِدة أكبر نتيجة نزوح مئات آلاف الفلسطينيين إليها بفعل قصف بيوتهم، أو التهديدات والضغوط الإسرائيلية المتواصلة عليهم لترك بيوتهم، والتوجه جنوباً.
وتقول المالكي لـ "العربي الجديد" إنها اضطرت للجوء برفقة أسرتها من بيت زوجها في شارع الجلاء وسط مدينة غزة، نحو منزل والدها في منطقة الشيخ رضوان بعد تهديد منزل قريب، ومن ثم إلى مخيم الزوايدة وسط قطاع غزة، بعد التهديد الإسرائيلي بضرورة النزوح نحو المناطق الوسطى والجنوبية.
وتلفت المالكي إلى أن المناطق التي يدّعي الاحتلال الإسرائيلي أنها آمنة تفتقر لأدنى درجات الأمان، كما تفتقر لأدنى المقومات الإنسانية، وفي مقدمتها المأكل، والمشرب، والملبس، لافتة إلى أنها فتشت في كل المحلات ولم تجد ملابس شتوية لأطفالها يُمكن أن تحميهم من البرد القارس، وتحديداً في ساعات المساء.
وتوضح أن طفلها الصغير محمد (6 سنوات) أصيب بإنفلونزا حادة، مصحوبة بالرشح والزكام والسعال بسبب الملابس الخفيفة التي يرتديها، دون أن تتمكن هي أو زوجها من توفير ملابس مُتلائمة مع الأجواء الباردة، "من غير المعقول أن نصل لمرحلة عدم وجود طعام أو حتى ملابس لأطفالنا تقيهم من الأمراض".
موجات برد دون ألبسة
ونزح الفلسطينيون نحو المحافظات الوسطى والجنوبية، منذ الأسبوع الأول للعدوان الإسرائيلي قبل نحو شهرين، وقد كانت الأجواء حارة، ما دفعهم للخروج من بيوتهم دون اصطحاب الملابس الشتوية، اعتقاداً منهم بأن الحرب ستستمر لبضعة أيام، ويرجعوا إلى بيوتهم، إلا أنهم فوجئوا بطول أمدها، ودخول موجات البرد، والمنخفضات الجوية، التي لم يتجهزوا لاستقبالها.
وتعددت أسباب الأزمة الشديدة في الملابس الشتوية، إذ بدأ العدوان الإسرائيلي قبل الموسم الشتوي، فيما أغلق الجانب الإسرائيلي كافة المعابر المؤدية إلى القطاع، ومنع دخول كافة البضائع، ومنها الملابس، كذلك منع دخول كافة المُنتجات الغذائية، والماء، والكهرباء، والمُساعدات الإنسانية، والمُستهلكات الطبية.
وتزامن إغلاق المعابر مُنذ اليوم الأول للعدوان مع استهداف البيوت، والمباني السكنية، والتجارية، والتي تضم المتاجر والمحال التجارية، سواء الغذائية، أو الخاصة بالملابس، إلى جانب حالة التهجير القسري، والتي أدت إلى نزوح مئات آلاف المواطنين، والتجار وأصحاب المحال التجارية نحو المناطق الجنوبية.
ويقول الفلسطيني سعيد الخضري، وهو نازح من منطقة تل الهوا إلى مُخيم المغازي، وسط قطاع غزة، إن الأجواء الحارة بداية العدوان لم تُلهم الفلسطينيين اصطحاب الملابس الشتوية، إذ اكتفوا ببعض الأوراق الثبوتية، والجوالات، واللوازم الأساسية اليومية، على اعتبار أن العدوان سيتوقف خلال أيام، أو أسابيع معدودة.
ويوضح الخضري لـ "العربي الجديد" أن طول عُمر الحرب، والتي دخلت شهرها الثالث، بالتزامن مع نفاذ كافة مقومات الحياة بسبب الإغلاق الإسرائيلي للمعابر، ومع القصف الشديد على المحال التجارية، والأسواق تسبب بخلق أزمات كبيرة في المتطلبات اليومية الأساسية، مثل الانقطاع التام للتيار الكهربائي، والوقود، والماء، إلى جانب الأزمة الحادة في الملابس الشتوية، وعلى وجه التحديد ملابس الأطفال.
ويقول الخضري "بحثت كثيراً للحصول على ملابس شتوية لكنني لم أتمكن من ذلك، فيما توجد بعض البدائل غير المُجدية من الملابس الخفيفة، والتي لا يُمكنها أن تحمي الأطفال من درجات الحرارة المنخفضة"، متمنياً أن يتوقف العدوان الإسرائيلي المجنون، والذي يستهدف المواطنين بالدرجة الأولى، كما يستهدف مقومات صمودهم، وقدرتهم على الحياة بشكل طبيعي.
مصانع الألبسة عاجزة عن الإنتاج
ولم تتمكن مصانع الألبسة من إنتاج أي قطعة من الملابس الشتوية منذ اندلاع الحرب قبل واحد وستين يوماً، بفعل الخطر الناجم عن القصف الإسرائيلي العنيف لكافة مناطق غزة، إلى جانب الانقطاع الكامل للكهرباء، علاوة على نفاد كميات الوقود اللازم لتشغيل تلك المصانع بالطاقة، والتي تُعتبر في الوقت الطبيعي ذات تكلفة عالية، إلا أنها البديل الوحيد عن التيار الكهربائي.
ويحتاج قطاع غزة إلى نحو ألف شاحنة من مختلف المستلزمات الأساسية، والمساعدات الإنسانية، والملابس، والمواد الغذائية، لكفاية المواطنين، فيما يمنع الاحتلال الإسرائيلي دخولها منذ بداية الحرب، وقد كانت نصف الكمية تصل قبل الحرب بفعل الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ سبعة عشر عاماً، ما تسبب بظهور الأزمات بشكل واضح مع كل عملية إغلاق للمعابر.