مهندسو غزة في رحلة دراسة اختصاصات جديدة

11 يونيو 2023
مشاريع قليلة للمهندسين في غزة (محمد الحجار)
+ الخط -

على مدار السنوات العشر الماضية، نشط خريجو كليات الهندسة والعلوم التقنية في قطاع غزة في العمل عن بعد لصالح شركات خارجية، وأطلقوا مشاريع للحلول التكنولوجية والبرمجة والرسوم لخدمة قطاعات أعمال مختلفة وبرامج تسويق، ما خلق مجتمعاً تكنولوجياً يحارب البطالة من خلال مساحات مخصصة للعمل الحر. أما متخصصو الهندسة المعمارية والمدنية فاستمروا في الخضوع لقيود الوضع الاجتماعي السائد في القطاع، وقلة مشاريع البناء التي تأثرت بالحصار الإسرائيلي الذي يدخل عاماً جديداً هذا الصيف.
يدرس جهاد المصري (26 سنة) هندسة البرمجيات في جامعة فلسطين، رغم أنه حصل قبل ثلاث سنوات على بكالوريوس في الهندسة المدنية من الجامعة الإسلامية. وقد أمضى عامين في البحث عن عمل، ما جعله يشعر بإحباط كبير، علماً أنه عمل في مشروع واحد لبناء منشأة حكومية جنوبي غزة، وحصل على أجره بالتقسيط بعد أشهر من إنجاز العمل.
ويخبر المصري "العربي الجديد" أنه قدم مشاريع تخرج مميزة منحته إشادة المحاضرين، وانضم إلى فريق التحق بتدريبات نظمتها شركات في أماكن مختلفة، وحصل فيها على تقدير بدرجة امتياز، لكن الواقع تغيّر بعد التخرج بالنسبة إليه وإلى زملائه في الدفعة الذين لا يعمل أكثر من ثلثهم. ويوضح أن بعض زملائه في الدفعة يعملون في مجالات بعيدة عن تخصصاتهم، "في حين يفكر آخرون بدراسة تخصصات جديدة تواكب سوق العمل عن بعد تحديداً، وأنا أدرس شخصياً تخصص البرمجة".

الصورة
يعمل بعض خريجي الهندسة في مجالات أخرى (محمد الحجار)
يعمل بعض خريجي الهندسة في مجالات أخرى (محمد الحجار)

يضيف: "عندما تسجلنا في كلية الهندسة نظر إلينا الجميع باحترام، وتلقينا عبارات تشجيع أفرحتنا، لكن قيمة المهندس العاطل عن العمل بعد التخرج في غزة تعادل شخصاً افتتح كشكاً صغيراً لبيع السجائر ونجح في تحقيق أرباح، لكنني أريد أن أحافظ على اسمي كمهندس، رغم أنني أدرس تخصصاً آخر بعدما عادلت سنة ونصف السنة من المتطلبات الدراسية في جامعة جديدة".
من جهته ينتظر أحمد أبو عطايا (32 سنة) السفر إلى الإمارات بعد عيد الأضحى المقبل (نهاية الشهر الحالي)، والعمل مساعد مهندس في شركة إنشاءات بمدينة الشارقة، في فرصة عمل وفّرها له صديقه، علماً أنه تخرج من كلية الهندسة في جامعة الأزهر بتقدير امتياز، وكان بين أوائل دفعته عام 2013.

الصورة
ينتظر مهندسون الحصول على فرص عمل في الخارج (محمد الحجار)
ينتظر مهندسون الحصول على فرص عمل في الخارج (محمد الحجار)

وسبق أن عمل أبو عطايا في مشروع نفذه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع جمعيات أخرى لتشييد منشأة تعليمية، ثم بقي ثلاثة أعوام بلا عمل، فواجه ضغطاً نفسياً كبيراً لم يستطع التعامل معه رغم أنه واصل محاولات الحصول على عمل حتى في مهن بعيدة عن تخصصه، مثل عامل في مطعم أو موظف على الصندوق.
ويقول لـ"العربي الجديد": "فعلياً يمكن أن يحصل مهندس على فرصة عمل مؤقتة بعد العدوان الاسرائيلي، إذ تُنشر إعلانات تطلب مهندسين مدنيين ومعماريين لإعادة بناء بعض المنشآت، وهذا أمر سيئ لنا، كأننا نريد انتظار حصول مصيبة كي نعمل. دفعت أسرتي أموالاً كثيرة كي أحصل على شهادة جامعية، لكنني عاجز عن المساهمة مرة واحدة في توفير مصاريف المنزل".
أما ساري كحيل (32 سنة)، صديق أبو عطايا، فرضح للعمل في متجر والده للأدوات المنزلية بعدما ألح والده على ذلك، لأنه عاطل عن العمل منذ أربع سنوات، وشارك في تنفيذ بعض المشاريع المؤقتة التي لم تعمّر أكثر من 10 أشهر. ويقول لـ"العربي الجديد": "أنا نادم لأنني درست الهندسة المعمارية، وأفكر حالياً في تعلم مهارات العمل من بعد إلى جانب مواصلة مساعدة والدي في المتجر".


إلى ذلك، يؤكد المتخصص في تطوير مشاريع تكنولوجيا المعلومات والحضانات، طلال شاهين، الذي أشرف على دراسة عن سوق العمل نفذتها وزارة العمل في غزة العام الماضي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "من بين أكثر التخصصات التي لا تحظى بفرص عمل، ويضطر العاملون فيها إلى انتظار سنوات لشغل وظائف، التعليم وإدارة الأعمال والمحاسبة والهندسة المدنية والمعمارية البعيدة كثيراً عن تخصصات الهندسة البرمجية والتطبيقات الذكية والتكنولوجية".

يتابع: "انخرط الكثير من خريجي الهندسة المدنية والمعمارية في مشاريع تكنولوجية للعمل عن بعد وتطوير الذكاء الاصطناعي، ويدرس بعضهم مجدداً تخصصات مختلفة في هندسة التكنولوجيا بعد تنفيذ إجراءات معادلة مواد في الهندسية العامة بمقررات دراسية أخرى". ويشير إلى أن "تخصصات الهندسة المدنية والمعمارية ترتبط بحركة البناء والإنشاءات الداخلية والخارجية، لكنها محدودة في غزة، أما السوق المحلي لهندسة التكنولوجيا فيعتمد منذ سنوات على المشاريع الخارجية بنسبة 70 في المائة".

المساهمون