مهجرو خانيونس... بلا مأوى بسبب الاكتظاظ في المواصي ودير البلح

03 يوليو 2024
من ذل إلى آخر (مجدي فتحي/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تهجير قسري لنحو ربع مليون شخص من خانيونس بسبب أوامر إخلاء إسرائيلية شملت قرى، بلدات، ومرافق صحية مثل مستشفى غزة الأوروبي، مما زاد الضغط على مناطق بالفعل مكتظة بالسكان.
- أسرة فرج النجار تعكس مأساة النازحين؛ اضطرت للعيش في أرض مستخدمة سابقًا كمكب للقمامة، معبرة عن يأسها وإحباطها من الظروف القاسية ومقارنة مناطقهم بالسجون.
- مستشفى غزة الأوروبي خارج الخدمة بسبب استهداف متواصل، مما يعمق الأزمة الإنسانية بتأثيره على الرعاية الطبية للمرضى والجرحى، في ظل إمكانيات حكومية محدودة لتلبية احتياجات السكان.

لا يجد مهجرو خانيونس الجدد مأوى أو أرضاً ينصبون عليها خيامهم في ظل الاكتظاظ في المنطقتين نتيجة التهجير المستمر الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي، ولسان حالهم يقول: "أين نذهب"؟

بعد أوامر الإخلاء الإسرائيلية والتهديدات التي وصلت إلى هواتف سكان المنطقة الشرقية في مدينة خانيونس، مساء الاثنين الماضي، نشر الاحتلال الإسرائيلي خريطة للأهالي الذين يتوجب عليهم إخلاء مناطقهم سريعاً من أجل تنفيذ عمليات عسكرية فيها، وشملت 14 إخلاء من قرى وبلدات وأحياء كبيرة، و17 من مناطق تصنف بأنها بلوكات سكنية واسعة ومستشفى غزة الأوروبي وعدد من المراكز الصحية، إلا أن معظم هؤلاء المهجرين لا يزالون من دون مأوى. 
وقدّرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، أن الأوامر التي أصدرها الجيش الإسرائيلي بإخلاء أحياء في خانيونس ورفح في جنوب قطاع غزة يطاول نحو ربع مليون شخص، وقالت في منشور على منصة "إكس"، إنه بعد أسابيع فقط من إجبار الناس على العودة إلى خانيونس المدمرة (جنوب القطاع)، أصدرت سلطات الاحتلال الإسرائيلية أوامر إخلاء جديدة للمنطقة.
وزاد ضغط المهجرين على منطقة المواصي، وتفاقمت الأوضاع سوءاً فيها بسبب الكثافة السكانية وانعدام الخدمات. والأمر نفسه ينسحب على المنطقة الغربية لمدينة دير البلح والمناطق المحاذية غرباً، حيث يطلب من المهجرين من سكان المنطقة الشرقية التوجه إليها. ويترقب هؤلاء أي انسحاب إسرائيلي من المنطقة بعدما تم تداول معلومات عن انسحاب جزئي، قبل أن تطلق الطائرات الحربية النار باتجاه بعض الذين حاولوا العودة إلى منازلهم. وتبين لهم أن الاحتلال بآلياته يتولى إعادة التمركز في المنطقة الشرقية مع مواصلة تحركات آلياته العسكرية التي دمرت منازل في أقصى الشرق.
ويواصل البعض النزوح من المنازل المطلة على شارع صلاح الدين، الذي يفصل مدينة خانيونس والمخيم عن المنطقة الشرقية، لكنهم جميعاً كانوا يرددون عبارة: "وين نروح؟ ومن وين نيجي (نأتي)"، في ظل اكتظاظ المناطق التي تضم المهجرين وعدم استقبال مدارس أونروا والمدارس الحكومية مهجرين جدد في ظل امتلائها منذ بدء العملية العسكرية على رفح.
وصلت أسرة فرج النجار (60 عاماً)، والتي كانت تقيم في بلدة خزاعة في المنطقة الشرقية إلى منطقة المواصي من دون أن تجد مساحة متاحة للاستقرار، علماً أن أفرادها كانوا من أوائل المهجرين بعد التدمير الجزئي لمنزلها. 

تنقل النجار بين أماكن عدة في منطقة المواصي، إلى أن وجد مساحة في أرض كانت ترمى فيها القمامة، إلا أنه لم يجد بديلاً، واضطر بالتعاون مع أفراد من عائلته إلى تنظيفها ووضع رمال من مكان آخر فوق تلك المتسخة، ونصب خيمة كبيرة تضم 20 فرداً من عائلته. كان قد خسر نجله الأكبر وثلاثة من أحفاده أثناء العدوان عندما نزحوا في مارس/ آذار الماضي إلى إحدى المدارس في وسط مدينة خانيونس. وكان على غرار كثيرين قد اختار العودة إلى منزله وفضل البقاء فيه والعيش قرب الركام للابتعاد عن البقاء في الخيام ومدارس النزوح. سئم التنقل من ذل إلى آخر، على حد تعبيره. أثناء العودة، عثر على جثمان نجله وأحفاده ودفنهم على مقربة من المنزل. لكن التحذير الأخير دفعه وعائلته إلى النزوح عله يحافظ على من تبقى من عائلته وأحفاده.
يقول النجار لـ"العربي الجديد": "بكيتُ لحظة الإخلاء. أين نذهب؟ لماذا نستمر في هذا الذل؟ وعن أي مناطق إنسانية يتحدثون؟ هذه مناطق مثل السجون غير الإنسانية. الاحتلال يراقبنا من البحر والجو، ويحاصرنا في منطقة هي سجن بالنسبة إلينا. المناطق الإنسانية كذبة لا يزال العالم يرددها على لسان المحتل، ونحن لا نرى سوى مناطق يوجد فيها الكثير من الناس، وهي أسوأ من السجون".
يضيف: "على الأقل السجون مسقوفة وفيها بلاط وفرش ومراحيض وهناك من يحضر الطعام. هنا لا يوجد شيء وكل شيء صعب. نستحم بصعوبة، كما أن الطعام غير متوفر. الحرارة شديدة والرطوبة تكاد تقتلنا. عن أي منطقة إنسانية يتحدثون؟ بحثت طويلاً عن مكان أستطيع الإقامة فيه مع عائلتي. وأخيراً، صممت على نصب خيمة من الخشب والنايلون الذي جمعناه حتى لا نموت".

خلال إخلاء مرضى وجرحى مستشفى غزة الأوروبي(أنس زياد فتيحة/ الأناضول)
خلال إخلاء مرضى وجرحى مستشفى غزة الأوروبي (أنس زياد فتيحة/ الأناضول)

اضطرّ المهجرون إلى السير على أقدامهم في ظل محدودية العربات التي كانت تصل إلى المنطقة، بالإضافة إلى شاحنات النقل العام. كان المهجرون وسكان المنطقة الشرقية موجودين في المنطقة وينتظرون قدوم أي عربات، لكنهم أحبطوا وساروا مجموعات. كانوا يستريحون كلما وصلوا إلى شارع جديد، تقول غادة أبو طعيمة. استشهد زوجها أثناء العدوان في فبراير/ شباط الماضي بعد قصف استهدف المنطقة الشرقية حيث تقيم مع أبنائها. هجرت وعائلتها بعد استشهاد زوجها، لكنها اختارت العودة بسبب الجوع، إذ كان من الصعب تأمين الطعام قرب الأراضي الزراعية التي أقاموا فيها. حين عادت، وجدت الباذنجان فتناولته مع أبنائها، وتحرص على زراعة ما تيسر حتى لا تموت جوعاً هي وأولادها وحفيداها.
تتابع أبو طعيمة أنه خلال التهجير الأخير اضطرت العائلة إلى السير على الأقدام للوصول إلى دير البلح، وتحمد الله لأنها تمكنت من فعل ذلك وخصوصاً أنها تعاني من الربو ولا تستطيع تحمل مشقة المشي الطويل لأكثر من ثمانية كيلومترات. وجدت عائلتها وعائلات جيرانها محلاً كبيراً وضعوا بالقرب منه خيمة لإعداد الطعام. تقول لـ"العربي الجديد": "لم يبق أحد في المنطقة. كنا قد اخترنا العودة من أجل أطفالنا ولتفادي الذل الذي عشناه في المدارس والخيام. البقاء في أرضنا ومنزلنا أشرف لنا من البقاء مشتتين وفي ذل. نرجو الحصول على مساعدات من المجتمع الدولي. أخاف أن أعود إلى منزلي المتضرر جزئياً وأجده مدمراً بالكامل".

غزة (مجدي فتحي/ Getty)
هجرت واضطرت إلى جر طفلها (مجدي فتحي/ Getty)

كما هجرت أعداد كبيرة من الموجودين في منطقة وساحة مستشفى غزة الأوروبي في أقصى شرق جنوب مدينة خانيونس، والذي كانت ساحته تمتلئ بخيام المهجرين. اختار البعض البقاء في المستشفى على الرغم من بدء العملية العسكرية على مدينة خانيونس. كان المستشفى لا يزال يقدم الرعاية الطبية والطارئة ويجري العمليات الجراحية المعقدة، إلا أنه خرج عن الخدمة ظهر أول من أمس الثلاثاء. ويحتل المستشفى المرتبة الثالثة من بين مستشفيات القطاع في ما يتعلق بالأهمية والحجم، بعد مجمع الشفاء الطبي ومجمع ناصر الطبي، وهو مستشفى حكومي يقع على أرض مساحتها 65 دونماً، أنشئ عام 1989 بدعم من الاتحاد الأوروبي، الذي واصل دعمه له حتى اكتسب أهمية كبيرة.
كان محيطه قد تعرّض لاستهداف متواصل من الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن طواقم العمل لم تتوقف عن تقديم الخدمات الصحية فيه. لكن بعد التهديد الأخير، خرج الأطباء والمرضى باستثناء أولئك الذين يحتاجون إلى البقاء في غرف العناية المركزة. وانسحب الأمر على خمسة مراكز صحية كانت تساند المستشفى والمرضى والجرحى.

وقال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إن الإمكانيات الحكومية محدودة لتلبية احتياجات السكان نتيجة العدوان، وخصوصاً مَن نزحوا من مستشفى غزة الأوروبي والمرضى منهم الذين حملوا على أكتاف ذويهم أو نقلوا على أسرة متحركة، فيما يعمل مجمع ناصر الطبي في منطقة البلد، وسط خانيونس، بالحد الأدنى ولا يستطيع تحمل أعباء أكثر مما كان عليه في السابق، جراء الاستهداف المباشر له من الاحتلال الاسرائيلي واقتحامه مرتين خلال هذا العام.
أحد الممرضين الموجودين في المستشفى، ويدعى محمد الآغا، يشير إلى أن عدداً من المرضى الذين تصنف حالاتهم بالخطيرة بقوا في المستشفى لحاجتهم إلى أجهزة التنفس الاصطناعي، ويقول إن القصف متواصل على محيط المستشفى الذي خرج بالكامل عن الخدمة، وبقي عدد من أفراد الطاقم الطبي للتعامل مع الحالات الطارئة وسط قلق كبير من دخول الجيش إلى المستشفى في أي لحظة.
ويتابع الآغا متحدثاً لـ"العربي الجديد": "بقي حوالي 23 مريضاً. في حال فصلت عنهم أجهزة التنفس سيموتون. كان المستشفى يضم مهجرين وعائلات الجرحى والمرضى الذين اضطروا إلى البقاء لأشهر عدة للحصول على الرعاية الصحية. لكن التهديد الأخير أجبرهم على التهجير". 

المساهمون