من تاريخ المنتخبات (20) إيطاليا: الفريق الأزرق بين قوسين من الفاشية

14 يوليو 2024
مشجعون إيطاليون يحتفلون قرب نصب لذكرى موسوليني، روما - يونيو 2021 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تاريخ المنتخب الإيطالي وتأثير الفاشية**: المنتخب الإيطالي كان رمزاً للقوة الكروية في القرن العشرين، حيث ارتبطت نجاحاته الأولى بالفترة الفاشية بقيادة موسوليني، وفاز بكأس العالم مرتين في 1934 و1938.

- **التحولات السياسية والاجتماعية وتأثيرها على الكرة الإيطالية**: شهدت إيطاليا فترات من التوتر السياسي والاجتماعي، مما انعكس على كرة القدم. عادت إيطاليا للقمة بفوزها بكأس العالم 1982، لكنها تراجعت في التسعينيات والألفية الجديدة بسبب الفضائح.

- **التحديات المعاصرة والآمال المستقبلية**: عانت إيطاليا من تراجع كبير في كرة القدم مؤخراً، لكنها حققت نجاحاً بفوزها بكأس أوروبا 2021. التحديات تشمل نقص المواهب الشابة وتأثير الهجرة والشيخوخة السكانية.

مثل مرآةٍ تعكس المنتخباتُ البلادَ التي تُمثّلها، فهي تجمع عناصر هويّتها وتكثّفها في فريق من 11 لاعباً كأنما يختزلون شعباً. مسار هذه المنتخبات عبر السنوات والمسابقات الكروية الكبرى يعمل مثل تاريخ موازٍ للأمم، تضيئه هذه السلسلة التي يستأنف موقع "العربي الجديد" نشرها بمناسبة بطولتي اليورو وكوبا أميركا 2024. تتناول حلقة اليوم تاريخ منتخب إيطاليا.


من كان من متابعي كرة القدم في القرن العشرين سيعتقد أن إيطاليا ستكون دائماً واحدة من بين القوى الكُروية الكبرى. ومن يقرأ تاريخ إيطاليا السياسي، خلال القرن ذاته، سيجزم أن الفاشية صفحة من تاريخ البلاد لا يمكن العودة إليها، خصوصاً حين يرى أن الإيطاليين قد علّقوا جثث زعماء الفاشية لكي يكونوا عبرة لمن يفكّر في العودة إلى ذلك الخطاب الذي أوصل بلدهم إلى التدمير خلال الحرب العالمية الثانية.

غير أن هذا وذاك سيصطدم بمعطيات حاضرنا الذي يُكذّب القناعتين. فالمنتخب الإيطالي لم يعد يلعب الأدوار الأولى في البطولات الكروية منذ عدة سنوات. كما عادت الفاشية إلى الحكم بوجوه جديدة وخطاب معدّل يظل مرجعه الأفكار الموسولينية الحالمة باسترجاع عظمة إيطاليا وضرورة تنقيتها من المؤثرات الخارجية. لكنها عودة إلى إيطاليا مختلفةٌ كثيراً عن تلك التي كانت في بدايات القرن العشرين.

الدوتشي يراجع سياساته

يذكّر اللون الأزرق لقميص المنتخب الإيطالي بهذه البدايات. فهو مأخوذ من شعار الأسرة الملكية التي حكمت إيطاليا منذ توحدها في 1870 إلى أن أُطيح حكمُها مع سقوط الفاشية منتصف أربعينيات القرن العشرين. ومن معطف تلك المرحلة خرج موسيليني الذي كان شخصياً لا يحبّ كرة القدم، لأنها أولاً بضاعة مستوردة من بريطانيا، ولأنها رياضة جماعية لا تُظهر عظمة "الإيطالي" البدنية والذهنية كما ينبغي. ولذلك كان يفضّل سباقات السيارات والملاكمة وألعاب القوى. لكن، لم يشاطره في رأيه بعض رجال دولته، فقد سبق أن تغلغلت كرة القدم في المجتمع الإيطالي قبل صعود الفاشية، وما عليها إلا مسايرتها بوصفها رافعة أخرى للمشروع النهضوي الذي يحلمون به.

لم يقتنع موسوليني إلا حين رأى الرهانات الجيوسياسية التي أظهرها إطلاق مسابقة كأس العالم 1930. أقنعه قادة الفاشية أنه بإمكان هذه المسابقة أن تكون واجهة يشاهد فيها العالم إنجازات إيطاليا الجديدة تحت قيادة الدوتشي الذي، ومنذ أن أبدى ميلاً إلى كرة القدم، تتالت النجاحات الإيطالية بدءاً من نيل شرف تنظيم كأس العالم 1934، وصولاً إلى التتويج بها. وبعد تردّد بشأنها بات من أشدّ المتحمّسين لها، فقد تبيّن له أن مباريات كرة القدم الدولية يمكن أن تمحو أي تأخّر تستشعره إيطاليا، وربما تكون تعويضاً لخسارة حروب كثيرة في تاريخها.

اعتبرت كرة القدم رافعة أخرى للمشروع الفاشي في إيطاليا

اكتسحت إيطاليا كل من واجهها خلال تلك الدورة؛ بدءاً بانتصار عريض أمام منتخب القوة الاقتصادية الصاعدة في العالم، الولايات المتحدة الأميركية بنتيحة 7-1، ومن ثمّ الانتصار على إسبانيا، وصولاً إلى مواجهة النمسا في نصف النهائي، وهناك صفى الطليان حساباتهم مع البلد الذي عرقل وحدتهم خلال القرن التاسع عشر. وفي كل ذلك، وفرت إيطاليا إلى جانبها كل عوامل النصر: ضغط على المنافسين واستفزازهم، رشوة الحكّام، ولكن قبل ذلك إعداد فريق قويّ بلاعبين على أعلى مستوى من التحضير، فقد كان تجهيز منتخب إيطاليا لتلك الدورة تجربة في عسكرة كرة القدم.

لم يبق لإيطاليا كي تصبح بطلة العالم سوى الانتصار في النهائي أمام تشيكوسلوفاكيا. ومما يُروى أن موسوليني قد دعا حكم المباراة النهائية قبل يوم للعشاء، ولعله قدّم له عرضاً لم يكن يستطيع أن يرفضه. على الميدان، لم يكن الفريق الإيطالي القوي بقيادة جيوزيبي مياتزا في حاجة إلى مساعدة الدوتشي، غير أن موسوليني كان لا يحبّ ألا يُحسب النصر إليه.

سيتكرّر الإنجاز في كأس العالم 1938 بعيداً عن إيطاليا وتأثيرات زعيمها، فقد انتظم المونديال في فرنسا غير المحابية للنظام الفاشي. وهناك تبيّن جليّاً بأن المنتخب الإيطالي كان قويّاً بمهارات لاعبيه وبخطط مدربه فيتوريو بوتزو. كان ذلك الفريق الذي توّج بكأس العالم مرتين منعطفاً في تطور لعبة كرة القدم من ناحية التنظيم التكيتيكي والقدرة على التحكم في المباريات مع طريقة لعبٍ باتت تعرف بالكاتيناتشو (القفل) حيث يعرف الطليان كيف يقتنصون هدف التقدّم ثم يغلقون كل المنافذ أمام المنافس خلال محاولته التعديل، متصيّدين في الأثناء أي خطأ لتدعيم تقدّمهم.

أصبحت تلك الدورة من المونديال حاسمة في جعل إيطاليا أهم قوة كروية في العالم. وإذا كان للدوتشي من فضل في ذلك فلم يكن رشوة الحكم أو تهديد الخصوم، وإنما عبر السياسات الرياضية التي أطلقها في سبيل تجسيد العظمة الإيطالية. هكذا كانت الفاشية الأولى تنفُخ تصوّراتها في مواهب حقيقية سرعان ما تترجم ذلك في انتصارات وإنجازات. ولولا أن الحرب العالمية الثانية أوقفت تاريخ كرة القدم، وأنهت النظام الفاشي أيضاً، لكانت الهيمنة الرياضية الإيطالية قد تواصلت لعقود أخرى.

كرة مثقوبة بالرصاص

كانت سنوات التوقف تلك سنوات إعادة بناء إيطاليا المدمّرة، وكانت كذلك سنوات كي تسدّ أمم كثيرة الفجوة الكروية معها. حتى إذا عادت إيطاليا إلى المسابقات الكروية في الخمسينيات، لم تجد الخريطة الكروية كما كانت، فقد صعد نجم البرازيل، وأعادت ألمانيا ترتيب أوراقها، واندمجت إنكلترا في الكرة العالمية بعد ترفّعها عن المشاركة في دورات كأس العالم الأولى، ولن يجد الطليان فرصة للعودة إلا في نهاية الستينيات حين أحرزوا كأس أوروبا على أرضهم عام 1968 ثم وصلوا إلى نهائي كأس العالم 1970، بجيل جياشنتو فاكيتي وساندرو مازولا وجيجي ريفا.

لم يكن ممكناً إنجاز أفضل مما كان في وقت كانت تعيش إيطاليا ما عُرف لاحقاً بسنوات الرصاص بين منتصف الستينيات إلى بداية الثمانينيات. كان أفضل مقام لكرة القدم هو تحوّلها في الضمير الشعبي إلى فضاء بديل للتوترات السياسية والاهتزازات الاقتصادية. وقد تكون "سكوادرا أزورا" زمنها نقطة الالتقاء الوحيدة بين خصوم المعسكرات الأيديولوجية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وهم يتبارزون في شوارع المدن الإيطالية بالاغتيالات السياسية والتفجيرات. وكما كان الصراعات حامية بين هذه الفصائل، خصوصاً الحركة الفاشية الجديدة، "أورديني نووفو "(النظام الجديد)، والتنظيم اليساري المتطرف "بريغادي روسي" (الكتائب الحمراء)، كان الدوري الإيطالي يقدّم معارك لا تقلّ ضراوة بين نوادي المدن الكبرى؛ ميلانو وتورينو وجنوة وروما، لكنها معارك مهما احتدمت فلن تكون تكلفتها حياة المتنافسين أو سقوط أبرياء.

بين هؤلاء المتصارعين سياسياً وكروياً، كانت الدولة في صف المتفرجين معظم الأوقات، فهي لم تنهض بعد من كبوة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وإلى ذلك فهي مشغولة بحرب مع المافيا تنخر اقتصادها، فضلاً عن اختراق أجهزتها بالفاسدين والمرتشين. لم يكن لدولة كهذه أن تهيّئ أرضية صالحة لإعادة أمجاد الكرة الإيطالية.

وإلى حدود التتويج بكأس العالم 1982، يمكن القول من دون أي تجاوز إن العصر الذهبي الوحيد للكرة الإيطالية كان مع الفاشية. وهو قول كان يأتي على هوى فئة من الشعب سرعان ما تدغدغها الخطابات الفاشية، غير أن السياق العالمي لم يكن يسمح بعودة هذا التوجه السياسي للحكم أو حتى تمثيله برلمانياً. ومع تضخّم كرة القدم في التعبيرات الشعبية الإيطالية، أتى وقت لم يعد للحديث عن تفوق إيطالي من معنى لو بقي الفريق الأزرق زمناً أطول يلعب الأدوار الثانوية في الكرة الأوربية والعالمية. وليس مصادفة أن يتحقق ذلك منذ أن عاد الهدوء إلى شوارع إيطاليا بداية الثمانينيات.

النهايات السعيدة تأتي بالانتصارات

في نهاية موسم 1980 كشفت تحقيقات صحافية وقضائية تلاعبات بنتائج مباريات الدوري الإيطالي، في علاقة بالرهانات الرياضية. كان من بين المحكومين عليهم بالسجن في هذه القضية المهاجم الإيطالي باولو روسي الذي قضى سنتين من السجن، ولم يغادره إلا بإصرار المدرب الوطني إنزو بيرزوت أن يكون ضمن تشكيلة الفريق الأزرق في مونديال 1982 في إسبانيا. خضع القضاء أمام المصلحة الوطنية، ولم يتوقع أحد أن يصبح السجين بعد شهر تقريباً بطلاً وطنياً حين كان اللاعب الأبرز في إعادة إيطاليا إلى قمة كرة القدم العالمية.

كانت بدايات الطليان في تلك البطولة مخيّبة فلم يتمكنوا من الانتصار خلال جميع مباريات الدور الأول، واستفادوا من القوانين الجديدة التي تتيح عبور أصحاب المركز الثالث، ليجد الطليان أنفسهم في مواجهات ثقيلة ضد بطل العالم منتخب الأرجنتين، ثمّ أمام المنتخب البرازيلي المرشّح الأول للتتويج بجيل من اللاعبين الأفذاذ، وهو اللقاء الذي انقلبت فيه الصعوبات الإيطالية إلى نجاعة عجيبة، فمن أنصاف فرص سجّل باولو روسي ثلاثة أهداف في مرمى البرازيل، وتكفّل الدفاع الحديدي بتأمين انتصارٍ قلَب الانتقادات إلى تهليل، وصولاً إلى التتويج بكأس العالم في نهائي ضد المنتخب الألماني.

في تلك الصائفة، وفيما انشغل العالم بالفرجة في دورة حماسية من كأس العالم، كان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد اجتاح لبنان من أجل تصفية المقاومة الفلسطينية، مقترفاً عدة مجازر في حق المدنيين. وهم يحتفلون بالتتويج، أهدى اللاعبون الإيطاليون الكأس إلى المقاومة الفلسطينية، مانحين بذلك تتويجهم أبعاداً تتجاوز التفوّق الرياضي، فقد لامسوا قلوب فئات واسعة من المتابعين العرب الذين يتواصل تعلّقهم بالمنتخب الإيطالي إلى اليوم، وبعضهم ورّثه إلى أبنائه.

كما كان ذلك الانتصار تأسيساً لصورة إيطاليا الجديدة التي غادرت حروبها الداخلية الصغيرة، وانفتحت على لذائذ "العقود المجيدة" للرأسمالية وطيّباتها. أكثر من المنتخب، انعكس ذلك الانفتاح في الدوري الإيطالي الذي تحوّل إلى مونديال مصغّرٍ، حين جلبت الفرق الإيطالية - وقد ترأسها رجال الأعمال المستفيدون من الطفرة الاقتصادية - أفضل لاعبي الكوكب، أبرزهم مارادونا في نابولي، وبلاتيني في يوفنتوس، وماتاوس في إنتر، وسوكراتيس في فيورنتينا، وفالكاو في روما، وفان باستن وغوليت في ميلان. وعلى صورة هذا الإفراط في جلب النجوم، كانت البلاد تبحر فوق موجة من السعادة الاستهلاكية والمنوعات التلفزيونية الصاخبة. وكانت كرة القدم جزءاً من ذلك المشهد الكرنفالي اليومي الذي تعيشه إيطاليا، وحين طلبت تنظيم كأس العالم 1990 كان الترحيب واسعاً فكأن العالم أجمع قد دُعي إلى الحفل الإيطالي الرائق.

تلك حدود الأحلام الإيطالية

في كأس العالم 1986، خضع الإيطاليون كغيرهم من المنتخبات للعبقرية المارادونية طائعين. لكن بتوفير عاملي الأرض والجمهور، عام 1990، سيختلف الأمر بالتأكيد. بدا كل شيء وكأنما يسير على أحسن وجه، فقد تعثّرت معظم المنتخبات المنافسة، وأبرزها الأرجنتين التي ترشحت بصعوبة بالغة من الدور الأول، أما الطليان فقد تقدّموا بثبات مُطبقين فلسفتهم بتحقيق الفوز بأقل مجهود ممكن؛ كان المهاجم سكيلاتشي نجم الدورة فقد سجّل هدفاً في كل مباراة، ثم سرعان ما يطبّق المدافعون بقيادة فرانكو باريزي، مبدأ الكاتيناتشيو لتأمين الانتصار إلى النهاية، حتى إن المنتخب الإيطالي وصل إلى نصف النهائي من دون أن يقبل حارسه والتر زنغا أي هدف خلال خمس مباريات مونديالية. كما لمع روبيرتو باجيو بوصفه الموهبة الإيطالية الجديدة. مباراة إثر أخرى، كانت كل المؤشرات في مصلحة حلم الإيطاليّين الجديد بالعودة إلى القمة الكروية سريعاً.

غير أن حبكة عجيبة وضعت إيطاليا في مواجهة الأرجنتين على أرض نابولي التي تعشق مارادونا. تجاوزت تلك المباراة نطاقها الرياضي بكثير، فقد شُحنت بالتذكير بانقسامات إيطاليا بين شمال رأسمالي وجنوب مُفقّر، وباتت أقرب إلى تصفية حسابات استعمارية وعالمثالثية. ولما سجّل الأرجنتيني كانيجيا أول هدف في شباك إيطاليا مانحاً التعادل للأرجنتين، ارتسم الخوف في وجوه الإيطاليين، ثم انتهت المواجهة بانسحابهم بضربات الجزاء. تمنى الطليان يومها لو أتى موسوليني وأنقذهم بأحد حلوله العنيفة.

أصبح مارادونا عدو الإيطاليين منذ ذلك اليوم. ليس للأسباب الرياضية فحسب، بل لأنه دعا جمهور نابولي إلى تشجيع الأرجنتين على حساب بلادهم. في النهائي الذي خاضته الأرجنتين ضدّ ألمانيا، صفّر الجمهور الإيطالي كلما لمس مارادونا الكرة، وتشمّتوا بوضوح بهزيمته، ولا ندري إن وُجدت حقاً ترتيبات خفية كي تخسر الأرجنتين عبر التحكيم. ولاحقاً، خيضت حرب ضروس ضدّ مارادونا فجُرجر إلى محاكمات متلاحقة، أظهرت كواليس خفية في كرة القدم الإيطالية بارتباطاتها بحروب العصابات وتجارة المخدرات وفساد الشرطة والقضاء وتبييض الأموال وصفقات رجال الأعمال وتدخّلات السياسيين والمصالح الأجنبية. انتهى ذلك الفصل بتدمير مستقبل مارادونا، في انتقام إيطالي يشبه عقوبات عصابات المافيا.

صادف أن كانت تلك السنوات التي صفّت فيها إيطاليا العميقة حساباتها مع مارادونا أن تمخضت عن هدية سماوية لطيفة. فقد أصبح روبيرتو باجيو أفضل لاعب في العالم، وهو ما يعني أنه يمكن لإيطاليا أن تحلم بمحو خيبتها على أرضها بتحقيق النسخة التالية مِن كأس العالَم في أميركا عام 1994. وبالفعل حمل باجيو إيطاليا على أكتافه بأهداف حاسمة في كل المباريات الإقصائية، ضد نيجيريا وإسبانيا وبلغاريا، غير أنه - ولا ندري من أين تأتي هذه الحبكات في حكايات المنتخب الإيطالي - أهدر ركلة الجزاء الأخيرة أمام البرازيل في النهائي، فإذا به يحمل في الأخير وزر الخيبة أيضاً على أكتافه.

منذ تلك اللحظة ترنحت مسيرة باجيو بغرابة رغم أن موهبته لم تتراجع، فبعد نجاحاته في يوفنتس انتقل بين الأندية الكبرى ميلان وإنتر، من دون استقرار أو ترك بصمة، ثم واصل مشواره في أندية الصف الثاني مثل بولونيا وبريشيا إلى أن اعتزل في 2004 في نهاية لا تخلو من المأساوية فلم تحقق تلك الموهبة الفذة الحد الأدنى مما كان منتظراً منه. لم يحرز باجيو أي لقب مع المنتخب الإيطالي، وسجّل 27 هدفاً لا غير طوال مسيرته الدولية.

لكن، من وجه آخر، يمكن اعتبارها نهاية أقل مأساوية من نهاية لاعب ميلان الهولندي ماركو فان باستن الذي اضطرّ إلى الاعتزال في عمر الـ28 عاماً بعد تلاحق إصاباته جراء العنف الذي يتعرّض له من مدافعي الفرق المنافسة في الدوري الإيطالي. وبالتأكيد تبقى كل النهايات بعيدة عن النهاية الأكثر مأساوية التي عاشها مارادونا. ووراء ذلك العنف الجسدي والرمزي، كانت إيطاليا تواصل حفلاتها الصاخبة عبر التلفزيون. إنه زمن برلوسكوني.

اغتراب الطليان في العالم الجديد

بعد تحقيق ثروة في قطاع المقاولات، اتجه رجل الأعمال سيلفيو برلوسكوني نحو الاستثمار في صناعة الميديا فزاد المشهد الإيطالي صخباً، ثم عرّج صوب كرة القدم فاشترى نادي ميلان، وجعل منه الأقوى في إيطاليا وأوروبا والعالم بين 1988 و1994. وبعدها انتقل برلوسكوني إلى الاستثمار في السياسة، بروح المقاول نفسه، واستلهم اسم حزبه "فورتسا إيطاليا" من شعارات مشجعي كرة القدم، ومن خلاله أصبح رئيس وزراء إيطاليا بدءاً من 1994، وتواصل حضوره على رأس السلطة التنفيذية بصورة متقطّعة حتى 2011 مشكلاً أربع حكومات خلال قرابة عشرين عاماً، لا تفتأ تُسقطه صناديق الاقتراع من كرسيّ الرئاسة حتى تعيده الانتخابات الموالية.

وصول برلوسكوني إلى الحكم كان يعني أن النزعة الاستهلاكية قد تحوّلت إلى سياسة دولة. أصبح كل شيء قابلاً للتوظيف السياسي، بدءاً من الكرة وانتهاء بها. حتى الخيبات الكروية الإيطالية كانت تمر في أجواء مرحة ما دام نظام برلوسكوني يعيد إنتاج نفسه في كل انتخابات. لذلك حين تراجع المنتخب الإيطالي بدءاً من يورو 1996 (خروج من الدور الأول) لم يبد المسؤولون على الكرة اهتماماً كبيراً بمعالجة النقائص. كأن الجميع كان منوّماً داخل المرقص الكبير الذي اخترعه برلوسكوني.

وبسبب هذا التأخر في رد الفعل، سيستفيق الإيطاليون لاحقاً على صدمات كروية قاسية، وقد أتت متتابعة من فرنسا؛ الجارة المتأخرة كروياً مقارنة بإيطاليا. عام 1998، كانت مواجهة إيطاليا ضد فرنسا بمعايير التاريخ الكروي تشبه اللقاء بين الحضارة الرومانية والقبائل الغالية في القرن الأول قبل الميلاد، فلم تكن لفرنسا إنجازات كروية ولم تنجح في الوصول إلى آخر نسختين من كأس العالم 1990 و1994، ولولا أن نسخة 1998 تقام على أرضها لربما كانت العقدة الفرنسية قد تواصلت إلى وقت أطول.

بتشكيلة معظمها من اللاعبين الذين وصلوا إلى نهائي 1994، ذهبت سكاودرا أزورا إلى المونديال الفرنسي بصفتها أحد المرشحين. مضى كل شيء بهدوء البدايات كالعادة، وفي ربع النهائي التقت إيطاليا بفرنسا وانهزمت بضربات الجزاء. إلى هنا، قد يفسّر سوء الحظ تعثّر المنتخب الإيطالي، غير أن فرنسا ستفوز باللقب في النهاية بقيادة زين الدين زيدان، لاعب يوفنتوس الإيطالي وقتها، وذي الأصول الجزائرية. وبعد عامين، تواجه المنتخبان في نهائي كأس أوروبا 2000، وبعد أسبقية دامت قرابة تسعين دقيقة، خسرت إيطاليا بهدف قاتل سجّله اللاعب دافيد ترزيغيه، ذو الأصول الأجنبية أيضاً، ولاعب يوفنتس الإيطالي فوق ذلك. ما كان مجرّد إشارة عام 1998 أصبح صدمة عنيفة هزّت الكرة الإيطالية، ووضع البلاد أمام ضرورة التفكير في مسألة الأجانب من زاويتين؛ أولاهما إدماجهم في النسيج الاجتماعي، ومن تمظهراته تشكيلة المنتخب، وثانيهما حضور الأجانب في البطولة الإيطالية على حساب تطوّر اللاعب الإيطالي.

إلى ذلك الوقت الذي دقّت فيه الأجراس بقوة، كان الأمر يبدو طبيعياً بألا يرتدي القميص الأزرق سوى من هم إيطاليون أباً عن جد. لكن ما العمل إذا افتقدت إيطاليا قدراته التنافسية مع بدايات القرن الجديد؟ وهل حدث ذلك في كرة القدم وحدها؟ دائماً ما تكتشف إيطاليا تراجعها متأخرة. والأصح القول إنها تظل تعتقد في تفوّقها إلى أن تتجاوزها الأمم الأخرى. حدث ذلك بعد عصر النهضة الذي دارت أبرز فصوله على أرضها، غير أن بلداناً أوروبية أخرى ترجمته سياسياً لبناء وحدتها، وظلت إيطاليا ممزقة. ثم ألم يكن من بين أسباب صعود الفاشية في بداية القرن العشرين الشعور بتخلّف إيطاليا عن أخذ نصيبٍ من الكعكة الاستعمارية، فكان لا بدّ من تثوير المجتمع، ولو بالعنف والمغالطات، لكي تستعيد البلاد مكانتها.

تظل إيطاليا تعتقد في تفوّقها إلى أن تتجاوزها الأمم الأخرى

قبيل كأس العالم 2006، عاشت إيطاليا على وقع جدل بشأن انضمام اللاعب الأرجنتيني ماورو كامورانيزي إلى تشكيلتها. ولولا إصرار المدرّب مارشيلو ليبي لخسرت إيطاليا ورقة رابحة نحو استعادة التاج العالمي. استفاد كامورانيزي من كونه لاعباً محبوباً لدى جماهير فريقه يوفنتس، وكان ليبي مدرّبه لسنوات، إضافة إلى كونه ينحدر من أسرة إيطالية هاجرت إلى الأرجنتين في القرن التاسع عشر، وفي النهاية هو يحمل اسماً منسجماً مع بقية الأسماء الإيطالية. وسيكون التتويج بكأس العالم انتصاراً لخيارات المدرّب على الروح الفاشية التي سادت نقاشات "قضية كامورانيزي".

لكن المفارقة أن المدرّب ليبي نفسه سيعاند، بعد سنوات، حين يتعلق الأمر باستدعاء اللاعب ماريو بالوليتي، الإيطالي مولداً وذي الأصول الغانية. يختلف بالوتيلي عن كامورانيزي بكونه أسود اللون، وهنا لم تكن إيطاليا لتُقنعها الذرائع السابقة نفسها، فقد بدا من تصريحات ليبي أن الأمر يتعلق بتابو اجتماعي لا يسهل تسويغه بالحجج الرياضية. وقد دفع الفريق الأزرق نقداً ثمن عدم استدعاء أفضل مهاجم إيطالي وقتها للدفاع عن لقب كأس العالم في دورة 2010.

منذ ذلك المنعطف كأن لعنة حلّت بالمنتخب الإيطالي، وببالوتيلي أيضاً، فقد ظلّت مسيرته محاطة بتوتر مع الجماهير الإيطالية التي أظهرت تجاهه الكثير من العنصرية، ورغم قرار المدرب اللاحق شيزاري برانديلو استدعاءه لتمثيل المنتخب في بطولة يورو 2012 وتقديمه لأداء جيّد ذهبت مسيرة بالوتيلي إلى نهاية تذكّر بنهايات غير موفقة للاعبي كرة القدم في إيطاليا. كانت حكاية بالوتيلي مأساة أخرى تشير إلى سهولة تدمير الإنسان في إيطاليا.

كسوف شمس إيطاليا أم زوالها؟

في كأس العالم التي تلت مباشرة تتويجهم، ذهب الطليان إلى جنوب أفريقيا (2010) للدفاع عن لقبهم فانسحبوا من الدور الأول، في مجموعة بلا منافسين كبار، ضمت بارغواي وسلوفاكيا وزيلاندا الجديدة، ومن دون تحقيق انتصار واحد. وفي كأس العالم الموالية (2014) في البرازيل تكررت الخيبة الإيطالية وغادروا البطولة مبكراً بعد هزيمتين من كوستا ريكا والأوروغواي، وفي ما اعتقد كثيرون أن الكرة الإيطالية وصلت إلى القاع الذي لا يمكن بعده النزول أكثر، أسدل الظلام ستائره أكثر على إيطاليا فلم يتمكن المنتخب الأزرق من الوصول إلى نهائيات كأس العالم في دورتين متتاليتين (2018 و2022).

كان الاستثناء في هذا الانحدار المتواصل تحقيق بعض الدورات المميزة في كأس أوروبا للأمم. عام 2012 قدموا بطولة قوية فبلغوا النهائي واصطدموا بالعصر الذهبي الإسباني ومن ثمّ عادت النتائج السلبية من جديد. وفي عام 2021، بعد أن بعثر فيروس كورونا رزنامة المواعيد الكروية، حقق الطليان كأس أوروبا للأمم في مفاجأة اعتُبرت عودة قوية لا رجعة فيها، لكن بعد بضعة أشهر فشلوا مجدداً في تصفيات كأس العالم، وأصبح من الضروري التفكير بأكثر جذرية في معضلات الكرة الإيطالية.

هكذا أصبح المنتخب الذي كان يدخل المسابقات الكبرى مرشحاً غير قادر على حسم مواجهات التصفيات أمام المنتخبات الصغيرة، وإذا انتصر فبشق الأنفس. وفيما كانت النتائج السلبية عارضة في مشوار الطليان، طوال القرن العشرين على الأقل، فإنها في أيامنا حالة مزمنة. فمنذ التتويج بكأس العالم 2006، وهي رابع كأس عالم ترفعها إيطاليا، وأصبحت وقتها ثاني أكثر المنتخات إحرازاً للقب بعد البرازيل (5 تتويجات)، لم يعد ممكناً إنكار التراجع. ولا يتعلّق الأمر بالنتائج وحدها، فقيمة اللاعبين الإيطاليين في تقهقر بيّنٍ أيضاً، سواء على المستوى الفنّي أو على صعيد الروح القتالية التي طالما عرفوا بها.

منذ جيل 1982 الذي أعاد إيطاليا قوة عظمى بين أمم كرة القدم، أثبتت البلاد قدرة مذهلة على توليد اللاعبين الموهوبين. كأن الأمر يتعلق بصنعة لا يعرف سرّها غير الطليان، مثل الخلطة التي تأتي بأشهى أطباق البيتزا. من فرن إيطاليا، كان يخرج لاعبٌ أو أكثر ليبرز مع كل دورة كروية كبرى. وإلى وقت غير بعيد من أيامنا هذه، كان على ذمة الفريق الأزرق في كل مركز لاعبان متألقان على الأقل.

في آخر لقب عالمي، كان المدرب ليبي محتاراً بين من سيحمل الرقم 10؛ إن كان فرانشسكو توتي أو أليساندرو دل بييرو. وقبلهما كان المنتخب الإيطالي في كل جيل قائماً على عمود فقري رهيب، حارس مرمى ومدافع وصانع ألعاب وهداف: جيل يأتيك بدينو زوف وجنتيلي وأنتونيوني وتارديلي وباولو روسي، وآخر يقترح زينغا وباريزي وأنشيلوتي وسكيلاتشي، ثم يأتي بعدهم مباشرة باليوكا ومالديني والثنائي غير الأخوين روبيرتو ودينو باجيو، والمهاجم كريستيان فييري. وهكذا إلى جيل 2006 مع بوفون وكانافارو وبيرلو وتوتي وإنزاغي، ولاعبين مميزين آخرين في كل المراكز: نيستا، زامبروتا، غاتوزو، لوكا توني. حتى الاحتياطيون يدخلون فيلمعون، وكان أبرزهم خلال تلك الدورة المدافع ماتيراتزي الذي لمع على المستوى الرياضي، كما على الصعيد غير الرياضي، مساهماً بطريقته في الثأر من فرنسا.

ومع هؤلاء اللاعبين، أضف نجوماً في عالم التدريب، فقد أشرف على المنتخب إنزو بيرزوت وأريغو ساكي وتشيزاري مالديني وجيوفاني تراباتوني ومارشيلو ليبي. وكان هؤلاء المدربون بحكمتهم وروح القيادة وبأناقتهم أقرب إلى صورة رؤساء يمثلون إيطاليا التي لا يكاد يعرف رؤساءها إلا المتابعون المتمرّسون بالحياة السياسية.

مزامير الفاشية الجديدة

كيف توقّف كل ذلك فجأة؟ كيف أُهدرت تلك التركيبة الكروية الإيطالية التي أحبّها العالم: قلب جامح، عقل هادئ، مقدار معلوم من الإبداع، وأناقة، وشيء من العنف، ومكيافيلية لبلوغ الهدف، ثم روح قتالية لتأمين الانتصار إلى نهاية المباراة. كيف انقلب ذلك الزهو في السنوات البرلوسكونية إلى القتامة التي تستقر في سماء إيطاليا منذ سنين؟ كيف تعجز الأمم على تجديد نفسها؟

من صفحة سكوادرا أزورا تظهر معاناة البلاد جلية، كأنها تجاعيد برزت فجأة في وجه حسناء إيطالية أمام مرآتها. لقد اختلف المعدن البشري الإيطالي، لم يعد ذلك الذي حمل طموحات المشروع الفاشي الأول، ولا ذلك الذي قاوم سنوات الرصاص بحبّ الحياة، ولا الذي جعل أرضه فضاء احتفال متواصل منذ أن سنحت بذلك الظروف الاقتصادية. وحين أتت خيبات إيطاليا الكروية لم تكن حالة استثناء. فقد اهتزّ اقتصادها منذ أزمة 2008 ولم يستعد عافيته، ومرّت البلاد بأزمات سياسية متلاحقة، وحتى الدوري الإيطالي كان قد فقد بريقه بالتدريج.

وإذا كانت إيطاليا تعاني اليوم شحّاً في المواهب الكروية، فهي قبل ذلك تعاني نقصاً في الشباب، خصوصاً من الإيطاليين أباً عن جد، ممن تفضّل الأغلبية الساحقة من الإيطاليين أن يمثلوا منتخبها. منذ بداية القرن الحالي، كانت كل الإحصائيات الديمغرافية مفزعة حول تراجع الخصوبة، وقد كشفت أرقام وفيات كورونا عن ارتفاع في نسبة الشيخوخة بين الإيطاليين. ومع ارتفاع الهجرة من البلقان وشمال أفريقيا، بدأت تلوح معضلة إيطالية جديدة، فبدون هجرة ستنهار البلاد اقتصادياً خلال بضعة عقود، وفي حال أدمجت إيطاليا المهاجرين لن تكون إيطاليا. هل يمكن لهؤلاء المهاجرين أن يعوّضوا الطليان؟ سؤال يُطرح أيضاً في تشكيلة المنتخب الإيطالي ويبدو أن التردد ما زال يحسمه.

كثيراً ما تستدعي الإجابات المترددة قادة جدداً، وبينهم من يعتمد خطاباً يوحي بابتكار حلول جذرية للأزمات ويحصدون ذلك أصواتاً في صناديق الاقتراع. هكذا صعدت الحركات الشعبوية الجديدة التي تزعمها ماتيو سالفيني وبيبي غريللو وصولاً إلى جيورجيا ميلوني التي وصلت منذ أكثر من عام إلى أعلى مناصب الدولة. بدأت الفاشية الجديدة تزحف نحو روما من جديد. وبما أنها تستند إلى ربط متسرّع بين الظواهر، فمن السهل أن يسود الاعتقاد بأن عودة المقولات الفاشية تعني عودة ازدهار كرة القدم. لكن إيطاليا قد نجحت في ثلاثينيات القرن العشرين حين سبقت غيرها من الأمم في الرهان على كرة القدم. فهل يمكن إعادة ذلك بعد أن أصبحت كرة القدم رهان معظم شعوب الأرض؟ وها هي يورو ألمانيا 2024 أوّل دورة كبرى تشارك فيها إيطاليا بعد وصول ميلوني إلى الحكم، وقد أظهرت من الوهن الرياضي الكثير.

يشاهد الإيطاليون في منتخبهم محاكاة أليمة لتراجع بلدهم في مختلف القطاعات. ومنها يمكنهم أن ينظروا صوب مجالات أخرى كان لهم فيها ريادة، فهل بقي لهم شيء من السطوة السينمائية التي كانت، أو الأدبية، وقس على ذلك مختلف الفنون، وبعض ما تميّزت فيه إيطاليا قد أصبح مجرّد فنون متحفية مثل الأوبرا والرسم الزيتي. وفقدت روما مركزيتها الدينية، وميلانو موقعها المتقدم في منافسة باريس في عالم الموضة، وقد تراجع كلاهما لمصلحة شركات الملابس الجاهزة. أما البندقية، درّة سياحتها، فتهددها التحوّلات المناخية بالغرق. وحتى المطبخ الإيطالي استولت عليه الماكينة الأميركية وزاحمته أطباق كثيرة.

مع نتائجها المخيّبة، يبقى لإيطاليا أن تتدثر بتاريخها، وببعض اللمعات الاستثنائية التي تذكّرها بعبقرية الإيطاليين. حتى إننا نشعر أحياناً أن متابعة إيطاليا كروياً، بالحماس نفسه رغم التقهقر الكبير، نوعٌ من الحنين إلى القرن العشرين. ولكن، أليس هذا الحنين إلى الماضي هو ما يعيد إنتاج الفاشية في كل مرة؟

المساهمون