ملف سجناء ليبيا في الخارج رهن الخلافات

29 يونيو 2024
في أحد السجون الليبية (أحمد إيزغي/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الحكومة الليبية تناقش مع تونس والصين إمكانية نقل السجناء الليبيين المحتجزين في الخارج إلى ليبيا لإكمال محكوميتهم، وحكومة بنغازي تطلق حملة دولية للتضامن مع شبان رياضيين معتقلين في إيطاليا.
- تواجه جهود حل ملف السجناء تحديات بسبب الخلافات السياسية داخل ليبيا واتهامات للحكومات الليبية بإهمال السجناء في الخارج واستغلال قضيتهم لأغراض دعائية.
- تبرز الحاجة إلى توفير الدعم القانوني وتحسين أوضاع السجناء الليبيين في الخارج، مع التأكيد على ضرورة توفير محامين للدفاع عنهم وطلب الاستئناف على أحكامهم.

ما زال ملف سجناء ليبيا في الخارج رهن الخلافات، إلا أن الحكومة تسعى إلى حل هذا الملف مع الدولة الخارجية، ونقل هؤلاء السجناء إلى البلاد. وقد طغى هذا الملف على الاهتمام الرسمي والحقوقي الأهلي أخيراً، بعدما اهتمت حكومتا ليبيا ببحث أوضاع السجناء الليبيين مع نظيراتها في الخارج. وأخيراً، بحث رئيس حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس عبد الحميد الدبيبة مع الرئيس التونسي قيس سعيّد أوضاع السجناء والموقوفين والمشتبه بهم، وضرورة التعاون القضائي والأمني بين الأجهزة العدلية والأمنية بالبلدين في هذا الملف.

وخلال زيارته الأخيرة للصين، بحث الدبيبة مع مسؤولين صينيين أوضاع سجين ليبي محتجز منذ أربع سنوات في الصين بتهمة إدخال أناس إلى الصين بطريقة غير قانونية، وإمكانية نقل السجين إلى ليبيا لإكمال محكوميته فيها. وفي إبريل/ نيسان الماضي، أطلقت الحكومة المكلفة من مجلس النواب في بنغازي، حملة دولية للتضامن مع أوضاع خمسة شبان رياضيين ليبيين معتقلين لدى إيطاليا منذ عام 2015، بعدما حكمت عليهم المحاكم الإيطالية بثلاثين عاماً من السجن بتهمة محاولتهم الوصول إلى إيطاليا بطرق غير قانونية لاستكمال مسارهم الرياضي.

وبحسب بيان للحكومة، فإن عدداً من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية والشخصيات الداعمة لحقوق الإنسان والخبراء الأكاديميين، انضموا إلى الحملة وأعلنوا تضامنهم مع الشبان الليبيين، وطالبوا السلطات الإيطالية بإطلاق سراحهم بعدما حكم عليهم بأحكام جائرة في ظل عدم وجود محامين للدفاع عنهم، وإعادة محاكمتهم في بلادهم. وباستثناء الشبان الخمسة في إيطاليا والسجين في الصين، لا يعرف عدد سجناء ليبيا في الخارج على وجه الدقة والتحديد، وفقاً لشهادة الناشط الحقوقي رمزي المقرحي، متهماً حكومتي البلاد بإهمال السجناء خارج البلاد وتركهم يواجهون مصيرهم وحدهم.

ومطلع مارس/ آذار الماضي، أعلنت السفارة الليبية في إيطاليا ترحيل سجين ليبي إلى طرابلس بعدما أنهى فترة محكوميته في إيطاليا، نافية أن يكون ترحيله قد جاء بناء على اتفاق ليبي إيطالي لتبادل السجناء. ويقول المقرحي لـ "العربي الجديد" إن "الواقعة دليل على عجز السلطات على فرض وجودها في متابعة أوضاع جالياتها في الخارج، فبيان السفارة جاء بعدما تلقت اتصالات عديدة من أهالي السجناء في إيطاليا، ونفيها أن يكون السجين المرحل قد تم بناء على اتفاق لتبادل السجناء، دليل على وجود اتفاقات موقعة، لكن الحكومات لا تتابع تنفيذها".

ويتهم المقرحي السلطات باستغلال ملف السجناء "للدعاية. فالحدث لا يزيد عن كون إيطاليا قد أطلقت سراح سجين قضى محكوميته ورحلته إلى بلاده لنجد أن وزارة العدل في طرابلس تنشر أخباراً بأن الحدث جرى بمتابعة الوزارة وأنها بذلت جهوداً في ذلك. وفي الجانب الآخر، فحكومة مجلس النواب قد أطلقت حملة دولية لا تتجاوز الشعارات من أجل الشبان الخمسة في إيطاليا، ولا نعلم ما الذي يمنعها من التواصل المباشر مع الجانب الإيطالي للتفاوض وتأمين عودة الشبان الخمسة. كما أنها لم تفكر في أن مكاسبها الدعائية من الحملة التي أطلقتها هي في الواقع تؤكد ضمنياً صحة الحكم الإيطالي على هؤلاء الشبان".

في المقابل، يلفت المحامي المهتم بملف الحريات بلقاسم القمودي إلى جانب آخر يتعلق بالعراقيل التي تقف أمام سلطات الحكومة في طرابلس، لتنفيذ اتفاقيات تبادل سجناء ليبيا في الخارج وتحديداً ضرورة مصادقة مجلس النواب الليبي على تلك الاتفاقيات. وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وقعت وزارتا العدل في حكومة الوحدة الوطنية والحكومة الإيطالية اتفاقاً لتبادل السجناء، في وقت أعلنت فيه الحكومة في طرابلس سعيها لتوقيع اتفاقيات مماثلة مع الدول الأوربية الأخرى والعربية. ويؤكد في حديثه لـ "العربي الجديد" أن الخلافات السياسية بين الحكومة ومجلس النواب تعرقل مصادقة الأخير على تلك الاتفاقيات، ما يحد من قدرة الحكومة على تنفيذها وتبادل السجناء مع الدول التي اتفقت معها. ورغم هذه العراقيل، يستدرك القمودي بالقول: "يجب على السلطات على الأقل توفير محامين للدفاع عن الموقوفين الليبيين في الخارج وطلب الاستئناف على أحكامهم، فالأمر لا يتوقف عند حد الاتفاقيات".

ويشير القمودي إلى وجود سجناء ليبيين في الخارج "لأسباب سياسية بحتة، ويمكن للحكومات التفاوض حولها، مثل قضية هانيبال نجل القذافي المحتجز في لبنان لأسباب سياسية"، مضيفاً أن "الأسباب السياسية تعرقل أيضاً، ويجب على السلطات التعامل معه بصورة أفضل. فعلى الرغم من جهود الحكومة في طرابلس، إلا أنها لم تعد لها أهمية كبيرة بعدما تورطت في تسليم مواطن ليبي للسلطات الأميركية لمحاكمته في شبه تورطه في قضية لوكيربي التي سبق أن أقفلت وتمت تسويتها رسمياً بين البلدين".

ويتحدث القمودي عن جملة من الأسباب التي تحد من قدرة اللجنة التي شكلتها الحكومة في طرابلس عام 2022 لمتابعة أوضاع سجناء ليبيا في الخارج وأبرزها "سياسية وتتعلق بخلافات الحكومة مع مجلس النواب ما منع المصادقة على اتفاقيات تبادل السجناء وجعلها حبراً على ورق، وأخرى تتعلق بشبه محاولة الحكومة بناء علاقات مع أطراف دولية ذات ثقل سياسي كبير كما حدث في قضية تسليم المواطن الليبي لواشنطن لمحاكمته في قضية أعادت السلطات الأميركية إثارتها لاستثمارها في برامج الانتخابات الوطنية عندها". ويختم القمودي حديثه قائلاً إن قرار تشكيل اللجنة الحكومية لمتابعة أوضاع سجناء ليبيا في الخارج نصّ على ضرورة حصرهم، وهذا يعني في رأيه أن السلطات الليبية ليس لديها تحديد واضح لأعداد السجناء في الخارج والدول التي يقبعون فيها.

المساهمون