مقابر ترهونة "تحمل كل معاني الإبادة"

11 مارس 2023
تشهد مقابر ترهونة على حجم القتل على يد مليشيات حفتر (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -

رغم مرور ثلاث سنوات على اكتشاف أول مقبرة جماعية في مدينة ترهونة الليبية، إثر انسحاب قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر من المدينة في منتصف عام 2021، ما زالت هذه المقابر مفتوحة على المجهول، وتظهر جهود البحث المتواصلة فيها تفاصيل جديدة كل أسبوع، وآخرها إعلان الهيئة العامة الحكومية للبحث والتعرف على المفقودين في فبراير/ شباط الماضي اكتشاف مقبرة جماعية جديدة، وانتشال جثث منها.
وبالتزامن مع الجهود المبذولة للبحث عن مقابر جديدة، تهتم الهيئة الحكومية بالتعرف إلى الأعداد الكبيرة للجثث التي ما زالت متراكمة في ثلاجات حفظ الموتى، علماً أن رابطة ضحايا ترهونة أعلنت في منتصف فبراير/ شباط الماضي التعرف إلى هوية جثة انتشلت من المقابر. وجاء ذلك بعد أقل من شهر من تأكيد هوية جثتين تعودان إلى شقيقين. وما زالت الهيئة العامة الحكومية للبحث والتعرف على المفقودين تحاول جمع أكبر عدد من عينات بقايا الجثث لمطابقتها مع الحمض النووي (دي إن آي) لأسر الضحايا. وأعلنت أخيراً أن إدارة البحث عن الرفات أخذت 12 عينة جديدة من جثث مجهولة الهوية استخرجت من داخل مقابر في الفترة الأخير تمهيداً لمطابقتها مع العينات المرجعية لأهالي المفقودين.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وكانت ترهونة المعقل الأول لحفتر خلال الحرب التي خاضتها قواته في عامي 2019 و2020 لمحاولة اقتحام العاصمة طرابلس بالقوة، واعتُبرت مقر مليشيا "الكانيات" التي تحالف معها حينها. ويكشف الناطق باسم الهيئة العامة الحكومية للبحث والتعرف على المفقودين عبد العزيز الجعفري أن الإحصاءات الأخيرة تثبت حجم القتل والتنكيل والتضييق الذي عاشه مواطنو ترهونة خلال سيطرة مليشيا "الكانيات" عليها، والحرب التي شنّها حفتر. ويقول لـ"العربي الجديد": "بدأت جهود البحث عن المقابر في يونيو/ حزيران 2021، بعد اكتشاف أول وأكبر مقبرة في ترهونة، في موقع يُعرف باسم مشروع الربط الذي عُثر فيه على 25 مقبرة جماعية و19 قبراً فردياً، احتوت كلها على 129 جثة".
يضيف: "اكتشفت بعد المقبرة الأولى 10 مقابر جماعية ومجموعة من القبور الفردية في منطقة المشروع الزراعي، وانتشلت منها 55 جثة. ومع استمرار وجود فارق كبير بين عدد الجثث المكتشفة وعدد المفقودين، كثفت فرق البحث جهودها الميدانية بالتزامن مع ورود بلاغات كثيرة من مواطنين عن وجود مقابر أخرى".
ومع مرور الوقت، توالى اكتشاف مقابر في مناطق أخرى، مثل مكب القمامة الرئيسي حيث عثرت الفرق على 62 جثة توزعت بين 9 مقابر جماعية و11 فردية، والقابينة التي احتوت مقبرتين جماعيتين و9 فردية ضمت 16 جثة. كما تناثرت مواقع قبور فردية في مناطق الدعم المركزي وسيدي الصيد وفسكي والويف والبطن والمنطقة رقم 4 ومنطقة سالم بن علي ومقبرة العطايا كوم الجلاص. 

حددت المختبرات الحكومية هوية 220 جثة (ندى حارب/ Getty)
حددت المختبرات الحكومية هوية 220 جثة حتى الآن (ندى حارب/ Getty)

ويشير الجعفري إلى أن إجمالي عدد الجثث التي استخرجت من مقابر مدينة ترهونة وصل إلى 328 بين كاملة وأشلاء، ويؤكد مواصلة الهيئة جهودها في مناطق أخرى بعضها في مدينة سرت (وسط شمال) حيث عثر على 86 جثة تعود إلى فترة سيطرة تنظيم "داعش" على المدينة في عامي 2015 و2016، وذلك قبل هزيمته في عملية البنيان المرصوص التي شنتها الحكومة.
ومن الأعداد المكتشفة في مقابر ترهونة أخذت عينات من 292 جثة أدخلت في منظومة وقاعدة بيانات المختبرات في الهيئة من أجل بحث مدى مطابقة الحمض النووي الخاص بها مع ذوي المفقودين، بحسب ما يوضح الجعفري الذي يحدد عدد الحالات التي جرى التعرف إلى هوياتها عن طريق مختبرات الهيئة بـ 220. وكانت السلطات قد باشرت التعاطي مع قضية المقابر الجماعية، وتحديداً في ترهونة، في أغسطس/ آب العام الماضي، حين أعلن مكتب النائب العام بدء التحقيقات في 280 قضية تتعلق بالمقابر المكتشفة في ترهونة.

وأعلن مكتب النائب العام الصدّيق الصور، في مؤتمر صحافي سابق، إحالة 10 قضايا من إجمالي 280 قضية إلى المحاكم، وتوجيه تهم القتل والتعذيب والخطف والإخفاء القسري والسطو المسلح والسرقة إلى 20 شخصاً. وأكد المكتب أن النيابة العامة "معنية بطلبات أسر الضحايا، وبكشف المتورطين في تلك الجرائم التي تحمل كل معاني الإبادة"، رافضاً استغلال بعض الأطراف لقضية المقابر لاستخدامها لأغراض سياسية.
والصيف الماضي أعلنت الأجهزة الأمنية المختلفة، مثل جهاز الردع لمكافحة الإرهاب، واللواء 444 التابعين لحكومة الوحدة الوطنية، القبض على متورطين في جرائم المقابر الجماعية، ما أعاد الأمل إلى كثير من الأسر التي ما زالت تنتظر كشف مصير أبنائها.  

المساهمون