استمع إلى الملخص
- **قصص مأساوية للضحايا:** انفجرت قنابل في يد الطفل محمد العطار، مما أدى إلى تشوهات واستشهاده. نمر الخطاب فقد نصف وجهه ويده، ومحمد محسن فقد اثنين من أفراد عائلته نتيجة انفجارات.
- **جهود الدفاع المدني والتحذيرات:** الدفاع المدني في غزة يعمل على إزالة المخلفات الحربية، وأجلت أكثر من 25 ألف عائلة. تشير التقديرات إلى أن 17% من المقذوفات لم تنفجر، مما يشكل خطراً مستمراً.
يسعى جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى ترسيخ الإبادة الجماعية في قطاع غزة بكافة الأشكال، فإلى جانب القصف والتدمير والقنص، يستخدم المخلفات الحربية غير المنفجرة في قتل مزيد من المدنيين.
قضى قرابة 300 مواطن فلسطيني في قطاع غزة ضحية مخلفات جيش الاحتلال الإسرائيلي من المتفجرات والقنابل التي لم تنفجر وبعض المتفجرات التي يبقيها الجنود في المناطق التي ينسحبون منها.
وبعض هؤلاء الشهداء جرى العثور على جثامينهم، أو تم توثيق استشهادهم عبر شهادات لذويهم الذين كانوا بالقرب من المناطق التي انفجرت فيها المخلفات الحربية، كما كشف الدفاع المدني في غزة، مساء الأحد، عن استشهاد ما يزيد عن 90 طفلاً نتيجة العبث بمخلفات الاحتلال الحربية، وبعضها تشبه معلبات الطعام، ويتعمد جنود الاحتلال تركها قبل انسحابهم بهدف إيقاع المزيد من الضحايا.
ويتداول الكثير من سكان غزة روايات وصورا ومقاطع فيديو لمعلبات سوداء اللون، أكد الجهاز المسؤول عن المتفجرات في القطاع العثور على عدد كبير منها، وأنها متفجرات خطيرة، بينما يظن بعض السكان أنها أغذية معلبة، لكنها في الحقيقة مفخخة، وتنفجر بمجرد فتحها، وقد تؤدي إلى الوفاة، أو الإصابة بعاهات مستديمة كبتر الأطراف.
انفجرت واحدة من تلك القنابل الصغيرة في يد الطفل محمد العطار (10 سنوات) في الخامس من مايو/أيار الماضي، بعد عودته مع أسرته إلى منزلهم شبه المدمر في حي السلاطين في شمالي القطاع عقب الانسحاب الإسرائيلي، وخلّف انفجار العبوة المفخخة تشوهاً في وجه الطفل، وجروحاً بليغة في منطقة الصدر وفي القصبة الهوائية، وخضع للعلاج لمدة أسبوعين، قبل أن يستشهد بعد أسبوعين من جراء ما تضمه القنبلة من مواد كيميائية.
كانت عائلة العطار من بين قليلين يتواجدون في المنطقة الشمالية ويرفضون النزوح إلى المنطقة الجنوبية، وقد كرروا النزوح بين مناطق الشمال، وهم يقيمون حالياً في إحدى مدارس حي النصر بمدينة غزة، ولا يزال والده يعاني منذ وفاة طفله، مشيراً إلى أنهم عندما عادوا، كان الأطفال جائعين، فاعتقدوا أن تلك المعلبات تضم لحوما أو بازلاء مثل تلك التي يتلقونها عبر المساعدات.
استشهاد أكثر من 90 طفلاً نتيجة العبث بمخلفات حربية إسرائيلية
أصيب محمود العطار (40 سنة) وزوجته واثنان من أطفاله أثناء رحلة النزوح، والتي بدأت من منطقتهم إلى مخيم جباليا، ثم إلى بلدة بيت لاهيا، ثم حي الكرامة، وحي النصر، ومحيط مجمع الشفاء الطبي، وكان يعتقد أثناء العودة إلى منزله المدمر جزئياً أن الحرب شارفت على الانتهاء، قبل أن يصاب ابنه محمد، وقد كان بحاجة إلى العلاج بالخارج في ظل الإمكانات الطبية المحدودة بالقطاع، والتي لا توفر له العلاج المناسب، لكن لم يتم ذلك نتيجة إغلاق معبر رفح ومنع سفر المرضى، ما أدى إلى استشهاد الطفل.
يقول العطار لـ"العربي الجديد": "أطفال غزة لديهم استعداد لتناول أي طعام، وهم يحلمون بالعودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر 2023، ويفتقدون الكثير من المأكولات التي لم يعد توفيرها ممكناً، وكذا تفاصيل الحياة اليومية الاعتيادية، ونتيجة رؤية ذويهم يبحثون عن الطعام بأي وسيلة، فإنهم لا يترددون في تناول أي معلبات طعام، وقد كان ابني ضحية لهذا. لقد كان جائعاً، وحين وجد تلك العلبة كان بالقرب منه شقيقه الأكبر، وكان هو أيضاً يعتقد أنها طعام".
يضيف: "الكثير من مخلفات الاحتلال الحربية التي تضم صواريخ كبيرة موجودة في حي السلاطين الذي أسكن فيه، وكذلك في منطقة العطارين التي يقيم فيها معظم أفراد العائلة حالياً، وحتى وسط الأراضي الزراعية التي هي مصدر رزقنا. تبقى لديّ 3 أبناء، ونعيش في إحدى المدارس، ومنذ فقدان طفلي نحاول الابتعاد عن أي ركام رغم انتشار الركام في كل مكان".
بدوره، يعيش نمر الخطاب وبنصف وجه مشوه ويد مشوهة بالكامل، إلى جانب معاناته من ضعف النظر في العين اليسرى منذ انفجرت في يده إحدى تلك العلب المفخخة التي وجدها بالمنطقة الشرقية من مخيم البريج عقب انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي منه في شهر يوليو/تموز الماضي.
حينها، عاد الخطاب لتفقد منزله في المخيم، واعتقد أنها علبة طعام، وحين فتحها من باب الفضول وليس الثقة انفجرت، وهو يعاني حالياً من دون علاج ملائم لإصاباته، حتى أن طبقات الجلد تآكلت في ظل تأكيدات الأطباء أن المادة التي تضمها تلك المتفجرات الصغيرة من النوع المحرم دولياً، وهي شديدة الانفجار، ومخصصة لإحداث تفجيرات داخل المنازل، وتظل إصابة الانسان بها تعرضه لخطر البتر.
يقول الخطاب لـ"العربي الجديد": "يترك جيش الاحتلال الكثير من تلك العلب في مناطق مختلفة وبشكلٍ متناثر لا يوحي في الوهلة الأولى بانها متفجرات، وكثيراً ما كان يضعها الجنود في المنطقة الحدودية مع مخيم البريج، وهو يعلم أننا نعيش في جوع حقيقي، وعندما فتحتها انفجرت، ومن المفترض أن أسافر للعلاج في الخارج، لكن نتيجة ظروف إغلاق المعبر لا يمكنني ذلك، وأعيش في عذاب كبير، وأشعر بذات الألم كأن الانفجار وقع بالأمس".
استشهد اثنان من أفراد عائلة محمد محسن في حي الرمال خلال شهر يوليو الماضي، أثناء عودتهم إلى المنزل نتيجة سقوط حائط أحدث انفجاراً كبيراً في المكان، وخلف إصابة عشرة أفراد آخرين، ليتبين لاحقاً وجود جسم متفجر تحت الركام، انفجر عند سقوط الحائط عليه، وهو يؤكد أنها المرة الثانية التي تحدث فيها أمامه انفجارات بهذه الطريقة، وكانت المرة الأولى في حي الشجاعية، وفي تلك الواقعة استشهد اثنان من أصدقائه.
يقول محسن لـ"العربي الجديد": "الكثير من مناطق مدينة غزة فيها مخلفات حربية غير متفجرة نراها بالعين المجردة، وعندما نتوجه إلى تلك المناطق خلال النزوح نحاول المرور بحذر حتى لا نتعثر بتلك المتفجرات، ثم نقوم بالبحث بشكل مكثف حتى نتأكد من عدم وجود متفجرات في الأماكن التي نقرر الاستقرار فيها، فأماكن الإيواء في مدينة غزة محدودة، والمدارس مكتظة عن آخرها، وقد قضى أفراد نازحون لأنهم لم يدركوا وجود متفجرات في المكان الذي نزحوا إليه".
ورصدت أجهزة الدفاع المدني في غزة بعض الصواريخ والقذائف التي لم تنفجر في المنازل، وهم يحاولون التخلص منها عادة، إذ عندما يعود الاحتلال لقصف نفس المنطقة يتسبب ذلك بانفجار هائل نتيجة انفجار تلك المخلفات، ما يحدث دماراً واسعاً في تلك المناطق، حتى أن قوة الانفجار في عدد من المرات تؤدي إلى تضرر أربعة أو خمسة منازل مجاورة.
وبعد تكرار وقائع انفجار مخلفات حربية في عائلات لا تتمكن من اكتشاف وجودها بعد عودتها إلى منازلها، اضطر جهاز الدفاع المدني إلى نشر رسائل تحذيرية تنصح بعدم البقاء في المنازل إلا بعد فحصها جيداً، وعدم الاقتراب من أي جسم مشبوه.
يقول مسؤول الإمدادات في الدفاع المدني، محمد المغير: "مهمات الدفاع المدني تقتضي البحث في كل المباني التي تم استهدافها عن أية مخاطر، أو متفجرات لم تنفجر، وقد رصدنا العديد منها، خصوصاً في المربعات السكنية الكبيرة التي اجتاحها جيش الاحتلال، وأخرى تحت الأرض، وأخرى على الأسطح، وتمكنا سابقاً من تنفيذ حملات إجلاء شملت أكثر من 25 ألفا و500 عائلة من مناطق خطرة على مستوى محافظات قطاع غزة".
يضيف المغير: "تقديراتنا أن الاحتلال ألقى قرابة 85 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة، ما تسبب في تدمير أكثر من 80% من البنية الحضرية، و90% من البنية التحتية، ومن بينها مناطق تمت إعادة إنشائها في السنوات الماضية بدعم دولي وعربي، وتشير تقديراتنا إلى أن 17% من المقذوفات لم تنفجر، وهي تعتبر مخلفات خطيرة تهدد الحياة، وقد يستمر خطرها قائماً لسنوات حال لم يتم إدخال معدات وخبراء لمساندتنا في تطهيرها بعد انتهاء العدوان".
يتابع: "تعثر وحدة المتفجرات منذ شهر يناير/كانون الثاني الماضي على العديد من تلك العلب الصغيرة المتفجرة، وهي خطيرة جداً، وتنفجر بمجرد فتحها، وقد تسببت في بتر أطراف أطفال. يتعمد الاحتلال إحراق المكان أو تفجيره بعد اقتحامه، أو ترك تلك القنابل المتفجرة. ملف المخلفات التي لم تنفجر سيكون خطيراً، ولا توجد مقارنة بينه وبين حجم المخلفات الحربية التي خلفها جيش الاحتلال في مرات العدوان السابقة".