لا يزال المئات من جرحى مسيرات العودة في غزة يعانون للحصول على العلاج، كما أن غالبيتهم أصبحوا عاطلين عن العمل، وعادت أصواتهم تعلو خلال الآونة الأخيرة، خصوصاً من حولتهم الإصابة إلى معوقين، إذ لا يستطيعون تأمين حاجياتهم العلاجية، ولا يوجد تأمين يعوّضهم عن أعمالهم، في حين يحصل بعضهم على مبلغ شهري من حكومة غزة قدره 600 شيكل (170 دولاراً أميركياً)، لكنه لا يكفي العلاج ولا يوفر المصاريف اليومية.
كان عبد الرحمن نوفل أصغر المصابين في مسيرات العودة، وبُترت ساقه اليسرى حين كان عمره 12 سنة، واليوم أصبح في السادسة عشرة من عمره، وتزيد أوجاعه نتيجة عدم جدوى الساق الصناعية التي صممتها له إحدى مؤسسات العلاج الطبيعي، كما يعاني من قلة الإمكانات المتاحة لمتابعة علاجه، ومن تكاليف العلاج الكبيرة.
يقول الفتى نوفل لـ"العربي الجديد": "أحتاج إلى السفر من أجل إجراء عمليات يتم فيها برد عظام ساقي اليسرى التي تنمو مع نمو جسمي، كما أحتاج كل عام ونصف إلى طرف صناعي جديد، ومنعني الاحتلال مرة من إجراء عملية في الضفة الغربية، رغم حصولي على منحة علاجية من مكتب الرئيس الفلسطيني محمود عباس".
في مرة سابقة، اضطر نوفل لتركيب طرف صنع في غزة، لكنه لم يكن بجودة الطرف الذي حصل عليه أثناء منحة تلقي العلاج أول مرة في الولايات المتحدة، وكان يسبب مشكلات لعضلات ساقه، فاضطر والده قبل أشهر إلى شراء طرف صناعي مؤقت من مصر حتى يستطيع التنقل، وهو ينتظر الحصول على تصريح دخول إلى الضفة الغربية من أجل إجراء عملية، وتركيب طرف صناعي جديد.
جعلت الإصابة الفلسطيني علي أبو سمك (35 سنة) قعيداً في المنزل، إذ أصيب بطلق ناري متفجر في الجزء العلوي من سائقه اليمنى في 14 مايو/ أيار 2018، كان حينها يعمل سائق شاحنة كبيرة تنقل المستلزمات الخاصة بأحد المصانع الكبيرة، لكنه منذ إصابته لا يستطيع الحركة سوى باستخدام عكازين، وحاول بعد الإصابة العمل في صناعة الكعك، لكنه لم يستطع، إذ يعاني من قطع في عضلات وبعض أوتار الساق، وهو لا يحصل على أية مساعدات نقدية إلا في المناسبات، بينما هو أب لثلاثة أطفال.
يقول أبو سمك لـ"العربي الجديد": "شاركت في المسيرات مع كثيرين، ويوم إصابتي كنت قد دخلت لإنقاذ شاب مصاب، وسحبه إلى نقطة الإسعاف، لكن باغتتني الرصاصة، وحياتي انقلبت بعد الإصابة. يساعدني شقيقي الأكبر في المصاريف، وما دون ذلك مساعدات موسمية. مصابو مسيرات العودة دفعوا ثمناً كبيراً، ولا نتلقى علاجاً جيداً، وأحتاج إلى العلاج الطبيعي باستمرار، والكثير من الأدوية".
تتكفل السلطة الفلسطينية بصرف رواتب للمصابين في الاعتداءات الإسرائيلية، والتي تسبب لهم إعاقة دائمة، لكن مصابي مسيرات العودة لا يشملهم هذا النظام، رغم أن أعدادهم بالآلاف، وكذلك المصابون في العدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة.
معاناة أم أحمد البنا (48 سنة) مختلفة، فهي معروفة بين السيدات اللواتي حضرن على الحدود الشرقية ضمن مسيرات العودة، إلى جانب مشاركتها الدائمة في الاحتجاجات الداعمة للمصابين، وكانت تقوم بإسعاف البعض، لكنها أُصيبت بطلق ناري متفجر في قدمها أثناء مساعدتها أحد الشبان الذين فقدوا وعيهم بسبب كثافة إطلاق الغاز المسيل للدموع.
أصيبت البنا في السابع من ديسمبر/ كانون الأول 2018 في الجزء السفلي من قدمها، وأجرت عشر عمليات جراحية في مكان الإصابة بالرصاصة المتفجرة، والتي تركتها عاجزة عن الحركة على مدار عامين، ولا تزال تعاني من آلام وأورام، وتتأثر من البرد والحرارة الشديدة.
تقول البنا إنها عاشت طوال الفترة الماضية في ظل معاناة مع أسياخ البلاتين التي تسبب لها آلاماً كبيرة خلال حركتها، لكن معاناتها الكبرى كانت بسبب عجزها عن استكمال العمل داخل روضة الأطفال التي كانت تعمل فيها فترتين في حي الشجاعية، إذ فقدت بذلك مصدر رزق الأسرة، بينما هي أم لخمس بنات وأربعة أبناء، وزوجها قعيد في المنزل.
تضيف البنا لـ"العربي الجديد": "بعد إصابتي، أطلقت قوات الاحتلال الغاز المسيل للدموع نحوي حتي لا تستطيع الطواقم الطبية إنقاذي، ومنذ ذلك اليوم، أصبحت حياتي قطعة من الجحيم، إذ أحتاج إلى عمليات إضافية في قدمي لنقل أوتار، ونقل عظام، لأن الأعصاب داخلها ميتة، وبينما كنت ميسورة الحال تحوّلت إلى سيدة فقيرة، وأتلقى القليل من المساعدات لدعم أسرتي، لكن العلاج مكلف جداً، وفي كثير من المرات يكون غير موجود بالمستشفيات والعيادات الحكومية".