يصادف هذا الشهر مرور سنة على تولي الرئيس جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة. وخلالها لمس المسلمون، والأقليات عموماً، تغييراً في الخطاب السياسي نحوهم، تمثل بانفتاح أكبر وعدائية أقل مقارنة بخطاب وسياسات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي عرف بعنصريّته ضد المسلمين والأقليات. ولكن التغيير في النبرة والانفتاح خلال فترة بايدن على مستوى الخطاب لا يعني بالضرورة تغييراً جذرياً بكل السياسات التشريعية والتنفيذية للإدارة الأميركية، لكنه يفتح الباب ويعطي أملاً بأن ينعكس ذلك إيجاباً ولو بشكل جزئي.
تسببت حقبة ترامب، وحتى قبل توليه الرئاسة (خلال الحملة الانتخابية)، بتصاعد الهجمات ضد الأقليات والمسلمين بدافع الكراهية والعنصرية في البلاد. وتشير دراسة صادرة عن معهد بروكينغز الأميركي عام 2019 إلى أن هناك علاقة واضحة بين أحداث حملة ترامب الانتخابية والاعتداءات بدافع الكراهية. وتُظهر بيانات مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف.بي.آي) أنه منذ انتخاب ترامب، كان هناك ارتفاع ملحوظ في جرائم الكراهية خصوصاً في المناطق التي فاز فيها بهامش كبير. ويشير إلى أنه خلال فترة الخمسة والعشرين سنة التي توفرت فيها البيانات، حلّ هذا الارتفاع في المرتبة الثانية بعد زيادة الهجمات بدافع الكراهية على خلفية أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001. ولم يكتف ترامب بخطاباته بل ألحقها بسياسات عديدة كان لها تبعات قاسية على حياة كثيرين من ضمنها إدراج عدد من الدول ذات الغالبية المسلمة على قائمة الدول التي يمنع مواطنوها من دخول الولايات المتحدة، ناهيك عن سياساته المتعلقة بطالبي اللجوء والمهاجرين وغيرها.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الكراهية والعداء ضد المسلمين والعرب والأقليات عموماً أديا إلى حالة واسعة من التضامن معهم. كما أنّ الفصل بين السياسات الخارجية والداخلية أكثر تعقيداً مما قد يظهر. على سبيل المثال، وعلى الرغم من أنّ منفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 لم يكونوا من المسلمين الأميركيين، فإنّ الهجمات ضدهم داخل الولايات المتحدة زادت، ناهيك عن القوانين والممارسات المتمثلة بالمراقبة والتجسس عليهم على نطاق واسع من قبل قوات الشرطة والأجهزة الأمنية الأميركية.
وتنفس كثيرون الصعداء مع تولي بايدن الحكم، خصوصاً أنّه وعد بأن تكون سياساته معاكسة لسياسات ترامب العنصرية. هذا بالإضافة إلى الزخم الذي أعطاه وصول عدد من النواب، كرشيدة طليب (من أصل فلسطيني) وإلهان عمر (من أصل صومالي) إلى عضوية الكونغرس بسبب أجندتهما المحسوبة على اليسار والأكثر انتقاداً لسياسات الولايات المتحدة التمييزية الخارجية والداخلية. في المقابل، فاز نواب من اليمين واليمين المتطرف بمقاعد، علماً أنّ خطاباتهم تزيد من التوتر والكراهية.
خوف من "المماطلة والتعطيل"
وكان مجلس النواب الأميركي قد صادق الشهر الماضي بغالبية بسيطة (تأييد 219 نائباً في مقابل معارضة 212 جميعهم من الحزب الجمهوري)، على مشروع قانون قدمته النائبة الديمقراطية إلهان عمر، من أجل مكافحة ظاهرة الإسلاموفوبيا (رهاب الإسلام) حول العالم. وينص المشروع، الذي ينتظر مصادقة مجلس الشيوخ عليه، على إنشاء مكتب خاص ضمن وزارة الخارجية لمكافحة الإسلاموفوبيا ورصدها على مستوى العالم. ولهذا المشروع أهمية خاصة في ما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة الداخلية والخارجية كما يوضح مدير الشؤون الحكومية في "مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية" (كير) روبرت مكاو، لـ "العربي الجديد". ويقول إنّه "من خلال القانون (لم يتم تبنيه بعد) تظهر الحكومة والشعب الأميركي قلقهما المتزايد من صعود وتهديد الإسلاموفوبيا حول العالم. كما يظهر الاستعداد للتعامل مع هذه القضية". يضيف أنّ "تعيين مبعوث خاص لرصد الإسلاموفوبيا ومكافحتها يتيح كذلك الأولوية للحكومة الأميركية للرد على الكراهية ضد المسلمين في جميع أنحاء العالم. في هذا السياق، تمكن رؤية الخطر الذي تمثله سياسات بعض الدول كالصين وميانمار والإبادة الجماعية، كما التهديد المتزايد بالإبادة الجماعية ضد المسلمين في الهند والتمييز الصريح ضد المجتمعات المسلمة في دول عدة كفرنسا. حان الوقت لأن تشجب حكومة الولايات المتحدة الإسلاموفوبيا وتأخذ الخطوات اللازمة للتصدي لها".
ومن غير الواضح ما إذا كان مجلس الشيوخ سيتمكن من تبني المشروع بسبب معارضة الجمهوريين له، وهو ما كان واضحاً في التصويت في مجلس النواب، إذ صوت جميع الجمهوريين ضده. نظرياً، يمكن لنائب واحد في مجلس الشيوخ أن يعيق تقديمه للتصويت بسبب ما يعرف بإجراء "المماطلة والتعطيل" الذي يستخدم لوقف مشروع قانون عن طريق المماطلة وتأجيل البت فيه إلى أجل غير مسمى. وحالياً، يمكن لأي عضو في الكونغرس استخدام هذا الإجراء من دون عناء كبير، ما يحول دون تقديم المشروع للتصويت. ويجري حالياً نقاشٌ حول تغيير القواعد المتبعة "للمماطلة والتعطيل". لكن في حال لم يتم تغييرها، هناك إمكانية لإنشاء مكتب مبعوث خاص على أن يجري تعديل مشروع ميزانية الإنفاق على الشؤون الخارجية وتمويل وزارة الخارجية، وبذلك، يمكن تمريره.
ومن غير الواضح مدى الأولوية التي تعطيها إدارة بايدن للموضوع. لكنّ الأمر بالنسبة للمسلمين في الولايات المتحدة يفوق مجرد كونه رمزياً باعتبار أنّ له تبعات داخلية. من هنا، يرى مكاو أنّ "عدم نجاح تمرير القانون عبر الكونغرس يجب ألّا يكون عائقاً أمام إنشاء المكتب إذ يوجد ما يكفي من الصلاحيات لدى الرئيس لإنشاء مكتب مبعوث خاص لمكافحة ومراقبة الإسلاموفوبيا حول العالم".
وتعود أهمية هذا المركز ليس فقط لسياسات أميركا الخارجية وما يرتبط بها من تبعات اقتصادية وضغط تمكن ممارسته ضد دول تقر وتمارس سياسات تمييزية ضد المسلمين بشكل ممنهج كالصين والهند، بل يسلط الضوء كذلك على سياسات الولايات المتحدة نفسها ويعطي مكاناً أكبر في الحيز العام لنقاش موضوع استهداف المسلمين على صعيد السياسات الداخلية أو حتى الممارسات من قبل منظمات يمينية. وكان فرع ولاية أوهايو في "مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية" قد أقال واحداً من أكبر قادته بعدما اكتشف أنه يسرب معلومات ويسجل اجتماعاته المتعلقة بنشاطاته وحملاته لمنظمة يمينية أميركية معروفة بعدائها للمسلمين.
تجسّس
ويعلق مكاو على تأثير ذلك على أبناء الجالية المسلمة ومدى شعورهم بالأمان أو عدمه قائلاً: "على مدى السنوات الـ 20 الماضية، تم التجسس على الجالية المسلمة والعربية الأميركية، سواء كان ذلك من قبل الحكومة الفيدرالية أو حكومات الولايات المحلية والشرطة، كما حدث مع شرطة مدينة نيويورك، أو حتى الجماعات المعادية للمسلمين وشبكاتهم". ويرى مكاو أنّ هذه الحقيقة التي يعيش في ظلها المسلمون الأميركيين تبلور التهديد الذي تشكله الإسلاموفوبيا على سلامة وأمن جميع المسلمين في الولايات المتحدة".
كما يرى أنّها سبب إضافي لضرورة اتخاذ حكومة الولايات المتحدة موقفاً أقوى ضد الإسلاموفوبيا لضمان "ألّا ندعو لمكافحة السياسات المعادية للمسلمين والإسلاموفوبيا في الخارج فحسب، بل داخل الولايات المتحدة أيضاً". ولكن ماذا عن سياسات بايدن الأخرى منذ توليه الحكم؟ هنا يقول مكاو إنّ بايدن اتخذ عدداً من الخطوات المهمة جداً، من بينها تعيين عدد من المسلمين الأميركيين في مراكز مهمة ورفيعة المستوى، كتعيينه للينا خان رئيسة للجنة التجارة الفدرالية على سبيل المثال لا الحصر، وإن كان لم يف بوعده بتعيين أميركيين من أصول مسلمة على كل مستويات إدارته. كما لا يوجد عضو واحد من أصول مسلمة في مجلس الوزراء، على الرغم من تعييناته الأخرى التي يصفها مكاو بالتاريخية في ما يخص الأقليات والنساء والمناصب الوزارية المختلفة. وداخلياً، لم يعين بايدن ما يسمى بـ"مسؤول/ة ارتباط" بالجالية المسلمة أسوة بمنصب مشابه يتعلق باليهود الأميركيين.
ويقول مكاو إنّ منصباً من هذا القبيل يبعث رسالة بأن الرئيس يعطي اهتماماً لأصوات المسلمين الأميركيين وتحسين أوضاعهم ويساعد الرئيس وإدارته على فهم احتياجات المسلمين وهمومهم. وأوقف بايدن العمل بقانون حظر دخول مواطني دول ذات الغالبية المسلمة إلى الولايات المتحدة والذي كان ترامب قد أقره. وعلى الرغم من إشادة مكاو بتلك الخطوة، فإنّه يؤكد على ضرورة أن يتخذ الكونغرس والإدارة الأميركية الإجراءات اللازمة لإصلاح الضرر الذي لحق بالأشخاص الذين تأثروا بذلك الحظر. ويعطي مثالاً على ذلك بذكر هؤلاء الذين كانوا قد حصلوا على تأشيرات هجرة إلى الولايات المتحدة، خصوصاً تلك التي تقدم بالقرعة، لكنّ الحظر حال دون تنفيذها.
وفي ما يخص السياسات الخارجية، يشيد مكاو بتوقيع بايدن على قانون الإيغور ضد العمل الإجباري في مراكز الاعتقال الصينية، ومنع الشركات الأميركية من استيراد السلع المصنوعة في معتقلات الإيغور بالصين. لكنّه يؤكد في الوقت ذاته على ضرورة استمرار الضغط على الحكومة الصينية واتخاذ خطوات أكبر. لكنّ بايدن لم يتخذ خطوات حاسمة أو ينتقد علناً سياسات الحكومة الهندية وممارساتها ضد الأقلية المسلمة.