لا تزال المئات من الجثث تحت أنقاض المباني المهدمة في مدينة درنة، وتسعى فرق البحث والإنقاذ إلى الانتهاء من انتشالها، والأمر مشابه تقريباً على طول ساحل المتوسط، حيث قذفت أمواج البحر مئات من الجثث.
وأكد مسؤولون محليون حاجة المدينة الملحة إلى أكياس الجثث في ظل انتشال الآلاف منها، إذ اضطروا في حالات عدة إلى وضع الجثامين في بطاطين أو لفها في أقمشة عادية داخل مراكز التجميع بسبب النقص الحاد في أكياس الجثث، ونقلها في الأوعية ذاتها لدفنها في مقابر تقع على مسافات بعيدة نسبياً خارج المدينة أو على أطرافها.
ويؤكد رئيس المركز الوطني لمكافحة الأمراض (حكومي)، حيدر السائح، وصول فرق المركز إلى مناطق شرقي ليبيا بهدف مواجهة الأوضاع الطارئة، وتلبية الاحتياجات الصحية للمتضررين، معتبراً أن "إخلاء مدينة درنة من سكانها بات إجراء ضرورياً بسبب المخاطر المحدقة بصحتهم من جراء التداعيات التي يمكن أن يسببها تحلل الجثث، ومخلفات السيول بمختلف أشكالها".
وشدد في حديث مع "العربي الجديد"، على أهمية تأمين مصادر آمنة لمياه الشرب بعد تسرب مياه الفيضانات إلى شبكات المياه وإلى الآبار الجوفية في المنازل، ما يجعل مياهها غير صالحة للشرب. جرفت الفيضانات المخلفات والقمامة وبقايا جثث الحيوانات النافقة، وتسربت كميات كبيرة منها إلى شبكات المياه، علاوة على اختلاط مياه شبكات الصرف الصحي مع شبكات مياه الشرب".
من جهته، يؤكد المسعف المتطوع ضمن الفريق الطبي بدرنة عون بلحسن أن فرق المركز الوطني لمكافحة الأمراض لم تصل إلى مدينة درنة، رغم أنها الأكثر تضرراً بين مدن شرقي البلاد، ويوضح لـ"العربي الجديد"، أن "إمدادات دوائية بدأت بالوصول إلى المدينة، لكن التعامل مع الوضع الصحي لا يزال قائماً على جهود المتطوعين الذين يدعمون عددا محدودا من الأطباء الموجودين داخل المدينة، وتحديداً في مستوصف شيحا، وهو المرفق الصحي الوحيد الذي يعمل حالياً".
وشدد بلحسن على أهمية إطلاق خطط للاستجابة العاجلة للوضع الصحي من خلال إقامة مستشفيات ميدانية داخل المدينة وعلى أطرافها، وكذلك توفير المستلزمات الخاصة بالوقاية لفرق المتطوعين"، ويتابع: "رغم بدء تحلل الجثث، لا يزال المتطوعون يتعاملون معها بالطرق البدائية، وبالتعامل المباشر بالأيدي عند نقلها، ما يجعلهم عرضة للأمراض. هناك تجاوب نسبي يتمثل في وصول كميات من أكياس الجثث، لكن هناك مشكلة في طريقة التعامل مع الجثث، فهناك إصرار من الكثير من الأهالي على تغسيل موتاهم قبل دفنهم، ويتم ذلك بالتعامل المباشر من دون أي مستلزمات احترازية، والتعامل مع جثث بدأت في التحلل، أو متحللة بالفعل، يزيد مخاوف التعرض للأمراض".
وينتقد المتطوع بفرق الهلال الأحمر في درنة ابريك البرعصي عدم إعلان وزارة الصحة في حكومة الوحدة الوطنية أو في حكومة مجلس النواب أو وزارتي البيئة في الحكومتين أي خطط للاستجابة الفورية للوضع الصحي، ويوضح لـ"العربي الجديد"، أن "مواد الإغاثة الواصلة إلى درنة وغيرها من المدن المنكوبة لا تراعي الأولويات، وعلى رأسها توفير حليب الأطفال في ظل قفل المحال والصيدليات والأسواق أبوابها. التهاب الكبد الوبائي، وحمى التيفود والملاريا من بين الأمراض الأكثر انتشارا عقب الكوارث الطبيعية، ويزداد الأمر خطورة إذا تعلق الأمر بمدينة تعاني من نقص في كل شيء مثل درنة".
ويضيف الطالب بمرحلة الدراسات العليا بكلية الموارد الطبيعية والدراسات البيئية بجامعة البيضاء أن "بقاء مياه الفيضانات في شكل برك كبيرة بالشوارع يجعلها بيئة مناسبة لعيش الحشرات الضارة والقوارض، ومن المهم توفير سيارات شفط لتجفيف البرك، وهي مهمة توازي أهمية البحث عن المفقودين، فالخطر يهدد الأحياء إذا بقيت تلك البرك وانتشرت فيها الحشرات وبدأت تتغذى على الجثث المتحللة. عندها لن يكون بمقدور الفرق الحالية التعامل معها، وسنحتاج إلى فرق أخرى أكثر دراية، لكن من الواضح عدم مقدرة السلطات على التعامل مع تلك الأزمة بشكل سريع".
يتابع: "لا أعلم سبب هذه الفوضى الحكومية، فلدينا هيئة متخصصة في البحث عن المفقودين، ولديها تجربة جيدة في ترهونة وسرت، لكن لم يتم جلب فرقها للعمل في المدينة، أو الاستفادة من مختبراتها في الحفظ الآمن لعينات الحمض النووي، وبالتالي تسريع دفن الجثث المتراكمة بحجة عدم التعرف إلى هويات أصحابها".
ويلفت البرعصي إلى أهمية "توفير أمصال خاصة بالوقاية من الأمراض المتوقع تفشيها، خصوصاً لمن شاركوا في عمليات انتشال الجثث، أو من يتعاملون مع الجثث. هناك عشوائية في التعامل مع الجثث، وبسبب النقص الحاد في الإمكانيات، توضع في شكل صفوف أمام مستوصف شيحا، وداخل ممرات وغرف كلية التقنية، ويسمح للأهالي بالمرور عليها للتعرف إلى ذويهم من دون وجود أي إجراءات وقائية".