بعد مجزرة المستشفى المعمداني في غزة، نُقل الجرحى كما جثث الشهداء والنازحون إلى مجمّع الشفاء الطبي، علماً أنّ القائمين عليه يحذّرون من انهياره قريباً.
لم يعد مجمّع الشفاء الطبي يمثّل فقط المستشفى الأكبر في قطاع غزة، فهو تحوّل خلال العدوان الإسرائيلي الأخير إلى منظومة صحية متكاملة تبدأ من خدمات الرعاية الأولية. كذلك يستقبل المجمّع طاقم وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، وفيه تُعقَد مؤتمرات الوزارة الصحافية اليومية، إلى جانب تحوّله إلى ملجأ لآلاف النازحين.
والمجمّع الواقع في مدينة غزة والذي يضم ثلاثة مستشفيات تخصصية، أعلن أول من أمس الثلاثاء، وللمرّة الأولى في تاريخه، أنّ الطواقم الطبية اضطرّت إلى إجراء عمليات جراحية وتدخّلات أخرى في الممرّات ومن دون تخدير، وذلك نظراً إلى الأزمة الحادة التي يواجهها في الطاقة الاستيعابية التي تخطّت 500 في المائة، بحسب تقديرات مدير المجمّع محمد أبو سلمية.
يقول أبو سلمية لـ"العربي الجديد": "في خلال ساعة واحدة، وصلنا مئات الجرحى وجثث شهداء. لم نحصِ أعداداً مماثلة للجرحى، في دفعة واحدة، من قبل. وقد اضطررنا إلى إضافة عدد الأسرّة في الغرف، فبدلاً من سريرَين صارت تحوي خمسة أسرّة أو ستّة أحياناً، وغرف الأسرّة الأربعة صارت تضمّ سبعة". يضيف أنّ "الممرات تحوّلت إلى مواقع للعلاج، وبالتالي كلّ متر من المستشفى شُغل".
ويشير أبو سليمة إلى أنّ "في غياب العلاجات، فقدنا بعض الجرحى"، محذّراً "نحن على بعد ساعات من الدخول في أزمة تجعلنا غير قادرين على مواصلة عملنا". ويوضح أنّ "ثمّة 12 غرفة عمليات متوفّرة لدينا، وفي خلال المجزرة (التي وقعت في المستشفى المعمداني) دخل 100 جريح في الوقت نفسه إلى تلك الغرف"، متسائلاً "هل يمكن لأيّ طواقم طبية في العالم أن تتصوّر هذا؟".
ويبيّن مدير مجمّع الشفاء الطبي أنّ "المحاليل الملحية المختلفة التي نحتاجها نفدت لدينا"، معيداً ذلك إلى أنّ "ما نستهلكه في يوم واحد (في خلال العدوان الأخير) كان يكفينا شهراً كاملاً".
تجدر الإشارة إلى أنّ وزارة الصحة الفلسطينية في غزة ناشدت محطات الوقود، أوّل من أمس الثلاثاء، لتزويد المجمّع بالمحروقات بصورة عاجلة، حتى يتمكّن من إجراء عشرات العمليات الجراحية في كلّ غرف العمليات التي لم يتوقّف العمل بها منذ بداية العدوان الإسرائيلي الأخير في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
يأتي ذلك في حين عمدت إدارة مجمّع الشفاء الطبي إلى نصب خيام كبيرة في محيطه لتكون مواقع علاج للإصابات الطفيفة والمتوسطة، بالإضافة إلى تقديم الإسعافات الأولية لمن يحتاجها، بهدف التخفيف عن الأقسام.
في سياق متصل، أفاد المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة أشرف القدرة بأنّ المتوفّر من مستلزمات طبية وأدوية في مخازن وزارة الصحة سوف ينفد في خلال الساعات المقبلة. أضاف: "أطلقنا نداءات عاجلة منذ اليوم الأول (من العدوان)، لأن وزارة الصحة كانت تعاني في الأساس من أزمة، وكانت وقفات احتجاجية عدّة قد طالبت بذلك من دون أن تلقى أيّ استجابة، الأمر الذي فاقم الوضع وجعل الأزمة راهناً أشدّ"، لا سيّما مع "الإصابات الشديدة والأعداد الكبيرة من المصابين الذين تُستخدَم ضدّهم أكثر أنواع الأسلحة والمتفجرات فتكاً".
وبحسب بيانات وزارة الصحة الصادرة بعد ظهر أمس الأربعاء، فإنّ عدد أسرّة المستشفيات في قطاع غزة يبلغ 3.587 سريراً، في حين أنّ المصابين منذ بداية العدوان الإسرائيلي الأخير وحتى اليوم الثاني عشر بلغ 12065 جريحاً (إلى جانب 3478 شهيداً)، علماً أنّ معدل أسرّة المستشفيات لكلّ 10.000 نسمة في قطاع غزة هو 13.2 سريراً.
ويضمّ مجمّع الشفاء الطبي 580 سريراً، وهو يقدّم في الأيام العادية الخدمات بنسبة 45 في المائة من مجمل ما تقدّمه مستشفيات قطاع غزة مجتمعة، علماً أنّ نسبة إشغال المجمّع في الأيام العادية وصلت إلى 107 في المائة، بحسب بيانات سابقة لوزارة الصحة.
كذلك يضمّ المجمّع أكبر عدد من الكوادر الطبية والقوى العاملة في القطاع، مع نحو 1900 موظف، أي ما نسبته 30 في المائة من مجموع العاملين في مستشفيات وزارة الصحة في غزة. ومن بين هؤلاء 503 أطباء ما بين طبيب عام وطبيب اختصاصي، و765 ممرّضاً، و35 صيدلانياً، ونحو 200 إداري.
من جهة أخرى، يمثّل نزوح أهالي غزة إلى المجمّع أزمة كبيرة، لا سيّما أخيراً بعد مجزرة مستشفى المعمداني. ومن دون احتساب النازحين الذين هربوا من المستشفى المعمداني، فإنّ عدد الذين يؤويهم مجمّع الشفاء الطبي يمثّل ضعف عدد النازحين الذين لجأوا إليه بعد استهداف حي الشجاعية في يوليو/تموز من عام 2014. ويُقدَّر العدد بأكثر من 30 ألف نازح يتوزّعون في ساحاته وعلى حدود أسواره الخارجية.
يأتي ذلك مع اكتظاظ مدارس وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بالنازحين، وقد قُدّر عدد هؤلاء الذين لجأوا إلى تلك المدارس بأكثر من 500 ألف نازح. وبالنسبة إلى الوكالة الأممية، فإنّ هذا أمر غير مسبوق، علماً أنّها اعتادت فتح مدارسها أمام النازحين في خلال كلّ عدوان إسرائيلي. وأمام امتلاء مدارس "أونروا"، راح أهالي غزة يتوجّهون إلى المستشفيات، ومنها مجمّع الشفاء الطبي الذي توافد إليه غزيون من مناطق عدّة في شمال قطاع غزة ومدينة غزة، لا سيّما مخيّم الشاطئ ومنطقة أبراج المخابرات وأحياء النصر والشيخ رضوان والشجاعية والزيتون.
بالنسبة إلى عدد من النازحين، هذه ليست المرّة الأولى التي يلجأون فيها إلى مجمّع الشفاء الطبي، والمرّة السابقة كانت في عام 2014. أحمد البنا واحد من هؤلاء، يقول لـ"العربي الجديد": "نحن نبحث عمّا يشعرنا بقليل من الأمان. يمكننا أن نموت في خارج المجمّع". يضيف: "أعلم أنّ الإسرائيليين لا يرحموننا حيثما وُجدنا، لكن هنا ثمّة كاميرات إعلام وأطباء ومنظمات دولية تراقب". بدوره، يخبر أحمد عوض الله أنّه قضى الليلة الخامسة له بالقرب من سور المجمّع. ويشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "هذا المجمّع هو آخر مكان آمن في غزة"، مبيّناً أنّ "المدارس مليئة بالناس وكلّ قطاع غزة مهدّد بالخطر، ونحن لا نملك المال ولا المواصلات للتوجّه إلى جنوبي القطاع".