استمع إلى الملخص
- **قصص معاناة الأسر:** يواجه محمود الرزوق وسمر الخروب وعلاء السبيع صعوبات كبيرة في تأمين العلاج لأبنائهم المصابين، مما يؤدي إلى تدهور حالتهم الصحية ومواجهة التنمر المجتمعي.
- **الحاجة إلى تحسين الخدمات الطبية والتوعية:** يؤكد الطبيب سليم الدرويش على ضرورة توسيع الخدمات العلاجية، توفير الدعم النفسي، وزيادة الوعي المجتمعي حول الكشف المبكر وطرق الوقاية.
يعرف مرض الثلاسيميا على أنه داء وراثي ينتقل من الأبوين إلى الأبناء عبر الجينات، وهو منتشر في مناطق شمال غرب سورية، ويصيب تكوين الدم، ومن الممكن أنّ يتسبب بموت المريض إذا لم يُعالج.
يعاني المصابون بمرض "الثلاسيميا" في محافظة إدلب شمال غربي سورية، عدم توافر الأدوية وغلاء المتوفر منها، وقلة العيادات المتخصصة ومراكز نقل الدم، وبعدها عن أماكن سكن الكثير منهم، كما يواجهون التنمر والنبذ المجتمعي.
يقول محمود الرزوق (46 سنة) النازح من مدينة سراقب إلى مخيم باريشا في شمال إدلب، إنه يعمل طوال الشهر في مهنة البناء لتأمين ثمن الأدوية والتحاليل الطبية لولديه المصابين بالثلاسيميا، مؤكداً أنه لا يجد دائماً الأدوية التي تطرح الحديد خارج الجسم، والتي تسمى "خالبات الحديد"، وهي ضرورية لمرضى الثلاسيميا، بسبب عدم الاهتمام بتوفيرها للمرضى.
يضيف الرزوق أن ولديه بحاجة أيضاً إلى مضخة خاصة بالأدوية يصل سعرها إلى نحو 1000 دولار أميركي، وهي غير موجودة في إدلب، وأن حياة ولديه في خطر دائم في ظل تكرار تأخر الحصول على العلاج، وأوضح: "حين أعجز عن شراء الأدوية تسوء حالتهما الصحية، وتترسب كميات كبيرة من الحديد في جسديهما، فتؤثر على أداء باقي الأعضاء كالقلب والكلى والدماغ وتتفاقم المشكلات المرضية. عمرهما تسع وستّ سنوات، وهما يعانيان من هذا المرض منذ الصغر، ومن المؤلم أن أشاهدهما يموتان أمام عيني من دون أن أتمكن من مساعدتهما، فهذا المرض لا علاج منه، وعلاجه الوحيد هو نقل الدم وتناول الأدوية".
ذات المعاناة تعيشها سمر الخروب (33 سنة) من مدينة معرة النعمان، والتي فقدت ابنها حين كان عمره خمس سنوات نتيجة الثلاسيميا، ولاتزال ابنتها البالغة ثماني سنوات المصابة بالمرض نفسه مهددة. وتقول لـ"العربي الجديد"، إن ابنتها تعيش معاناة مضاعفة جراء المرض الذي أنهك جسدها، إلى جانب تعرضها للتنمّر من المجتمع المحيط.
وتشير الخروب إلى أن مرض ابنتها يحتاج علاجاً مدى الحياة، وأنها تحتاج إلى نقل دم منتظم، وتقضي عدة ساعات في المشفى كل أسبوعين لهذا الغرض، كما تضطر الأسرة لشراء أكياس الدم على حسابها، أو البحث عن متبرعين في حال عدم توفر الدم في المراكز الصحية. تضيف: "تشعر ابنتي بالخجل، وترفض الذهاب إلى المدرسة بسبب هزال جسدها وشحوب لون وجهها، واصفرار عينيها، ما يجعل زميلاتها يرفضن اللعب معها، أو الجلوس بجانبها ظناً منهن أنها تعاني من مرض معدٍ".
أما علاء السبيع (34 سنة) من بلدة حربنوش شمال إدلب، فقد أخبره الأطباء أن ولده المصاب بالثلاسيميا مهدد بـ"استئصال الطحال" بسبب تضخمه نتيجة تراكم الحديد فيه، ويقول: "أنا عامل مياوم، وأجد صعوبة بالغة في تأمين تكاليف العيش لأسرتي المكونة من ستة أفراد، أكثر ما يؤلمني هو العجز عن تأمين الأدوية والغذاء الصحي لولدي المصاب بالثلاسيميا، إضافة إلى بعد مراكز العلاج، وقلة وسائل النقل وارتفاع تكاليفها، الأمر الذي أدى إلى تدهور صحته".
ويقول الطبيب سليم الدرويش من مدينة الدانا: "مرض الثلاسيميا هو مرض وراثي مزمن يرافق المريض مدى الحياة، ومن بين أعراضه عدم قدرة الجسم على إنتاج خلايا الدم الحمراء، فيحتاج إلى نقل مشتقات الدم بشكل دوري. المرض ينتج عن عوامل وراثية ناتجة غالباً عن زواج الأقارب، أو ينتقل من الوالدين إلى الأبناء في حال كان أحدهما يحمل مورثات المرض، كل المرضى يعانون من ارتفاع نسبة الحديد في الدم، وقسم كبير منهم يعاني تضخماً في الطحال، أو تشوهاً في العظام، وقد يسبب المرض الوفاة".
ويبين الطبيب أن "أعراض الثلاسيميا تضم الإرهاق والضَّعف، وشحوب لون الجلد أو اصفراره، إلى جانب تشوهات عظام الوجه، وبطء النمو، وانتفاخ البطن، والأعراض تظهر على بعض الأطفال عند الولادة، وقد تظهر لدى أطفال آخرين خلال الأعوام الأولى من العمر، والعلاج يكمن في زرع نقي العظام، وهو غير متوافر لدينا، ويقتصر وجوده على الدول المتقدمة طبياً".
ويطالب الدرويش بضرورة توسيع الخدمات العلاجية للمرضى، وتوفير الدعم النفسي لهم ولأسرهم، فضلاً عن رفع مستوى الوعي المجتمعي حول أهمية الكشف المبكر، وطرق الوقاية من المرض، وذلك عبر إجراء تحاليل ما قبل الزواج، فإذا كان كلا الوالدين يحملان جين هذا المرض ينبغي عدم إتمام الزواج لارتفاع احتمالية إصابة الأطفال به.
وحسب "مديرية الصحة" في إدلب، توجد في مناطق شمال غربي سورية خمسة مراكز لعلاج الثلاسيميا، وهي لا تؤمن الخدمات دائماً، خصوصاً مشتقات الدم والأدوية اللازمة، فيما يبلغ عدد المصابين بهذا المرض نحو 1700 مريضاً، وهم يعانون أيضاً أزمات نفسية وجسدية بسبب مرضهم العضال، إضافة إلى نقص وسائل العلاج وارتفاع تكاليفها، بالتزامن مع أوضاع النزوح والظروف المعيشية المتردية.