بدأت السلطات القضائية في ليبيا الاهتمام بقضية المياه المعبأة في معامل تكرير المياه، والتي تعد من أهم مصادر مياه الشرب في البلاد، في محاولة لتطويق الأزمة التي تزايدت بسببها الشكاوى.
وأعلنت النيابة العامة إغلاق 39 معملاً لتكرير مياه الشرب مؤخراً، والبدء في أخذ عينات منها لـ"إجراء تحاليل للخصائص الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية"، كما بدأت توجيه طلبات استماع لأصحاب تلك المعامل. وحسب بيان لمكتب النائب العام، فإن أعضاء من النيابة العامة زاروا مصانع تكرير المياه صحبة ممثلين عن مركز مراقبة الأغذية والأدوية وجهاز الحرس البلدي في عدة بلديات، مشيراً إلى أن "الخطوة جاءت بعد صدور تعليمات من النائب العام لمباشرة إجراءات التحقق من التزام معامل التكرير بالضوابط الخاصة بالتعبئة والإنتاج، وتوفير الاشتراطات والمواصفات المطلوبة".
وأضاف البيان أن "عمليات التحقيق كشفت غياب الاشتراطات الصحية، واشتراطات التعبئة والتخزين والعرض في 37 معملاً لتكرير المياه، وأمرت سلطة التحقيق بغلقها، وأخذت العينات اللازمة لإجراء التحليل للمياه، ثم طلبت إجراء سماع لأقوال القائمين عليها".
وتغرق المحال التجارية الليبية بالعلامات التجارية الخاصة بمعامل تكرير المياه من دون أن تبين تلك المعامل مصدر المياه التي كررتها، أو توضح اختبارات السلامة التي أجرتها على مصادر المياه التي كررتها، أو أنواع المواد الداخلة في صناعة قناني المياه.
ويؤكد الأكاديمي المتخصص في علوم التغذية، محسن سلامة، ضرورة توضيح كل الاشتراطات "فمن دونها تحوم الشكوك حول تلك المصانع، ويجب وقفها عن العمل". ورغم ثنائه على إجراءات النيابة العامة، إلا أنه يرى أنها يجب أن توجه اهتمامها أيضاً إلى إلزام الجهات الحكومية، خاصة وزارتي البيئة والاقتصاد، بالعمل على تحديث وتطوير لوائح المواصفات القياسية لصناعة وتكرير المياه، موضحاً أن "المركز الوطني للمواصفات والمعايير القياسية أعد كراسة للمواصفات الخاصة بعدد من السلع، ومن بينها مياه الشرب المعبأة، منذ عام 2015، من دون أن تعتمدها الجهات المسؤولة".
ويشير سلامة إلى أن "دليل المواصفات القياسية المعمول به حالياً صادر في عام 2008، ولم يحدث عليه أي تطوير، خاصة مع تطور الصناعات، ودخول مواد جديدة فيها، ومن بينها المواد الداخلة في تكرير المياه، أو في صناعة القناني التي تباع فيها مياه الشرب للمواطنين".
وأزمة مياه الشرب المكررة قديمة في ليبيا، ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، حذرت بلدية العاصمة طرابلس، من مخاطر استهلاك مياه الشرب المعبأة، كاشفة عن نتائج تحاليل بعض عينات مياه الشرب المعبأة ومياه الآبار، والتي أجريت في مختبر تحليل المياه بمقر البلدية، وأكدت نتائجها أنّ ثلاث عينات من أصل 18 من أنواع المياه المعبأة غير مطابقة للمواصفات، وأحالت النتائج إلى جهاز الحرس البلدي لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
ويعبر أحمد يعقوب، وهو صاحب متجر مواد غذائية في طرابلس، عن دهشته من أعداد المصانع التي أقفلها النائب العام، ويقول لـ"العربي الجديد": "إذا قارنا عدد المصانع المقفلة بالعلامات التجارية المتداولة في المحال، فإن الرقم كبير جداً. لكن هناك وعي من المواطنين، وعادة ما يقبل المواطن على شراء المياه المعبأة من مصانع لها شهرتها بحثاً عن ثقة مفقودة في كل ما يطرح بالأسواق. وهذا الوعي لاحظته خلال السنوات القليلة الماضية".
ويتساءل رضوان الزواري، عن دور السلطات في معاقبة أصحاب المصانع المقفلة، ويقول: "ماذا عن آثار المياه المخالفة للمواصفات التي استهلكها المواطنون طيلة الفترات الماضية؟ وماذا عن الجهات الحكومية التي منحت تراخيص لهذه المصانع؟ ألا تقع تلك الجهات أيضاً تحت طائلة القانون؟ وماذا عن الجهة الرقابية التي كانت تراقب تلك المصانع طوال السنوات الماضية التي كانت تسوق فيها منتجاتها لنا؟ ولماذا لم يضطلع الحرس البلدي في بلدية طرابلس بدوره؟ فلم نسمع عن غلقه أي مصنع للمياه طيلة الفترات الماضية".
ويضيف الزواري: "في ظل تراجع الاعتماد على المياه الجوفية التي تشهد انخفاضاً في منسوبها، خصوصاً في المناطق القريبة من المدن الكبرى، لا طريق أمامنا لتوفير مياه الشرب إلا شراء المياه المعبأة. مسألة عدم نقائها أمر معروف، وأمارس رقابة ذاتية عليها بطرق متواضعة"، مشيراً إلى أنه يحاول معرفة درجة نقاء المياه من خلال النظر إلى القناني، كما يختار العلامات التجارية الأكثر تداولاً بين المستهلكين.