ليبيا: مطالب أهلية تدفع إلى فتح ملفات جرائم

31 مارس 2021
دفن جثة من مقبرة جماعية في ترهونة في ليبيا (فرانس برس)
+ الخط -

استجابت السلطات الجديدة في ليبيا لمطالب أهلية وشعبية بشأن ضرورة فتح تحقيقات تحدد من خلالها المتورطين في جرائم الخطف والاغتيال التي طاولت عدداً من المناطق والمدن في خلال السنوات الماضية، في وقت تعهدت فيه سلطات بنغازي الأمنية بضبط الوضع الأمني المنفلت.
ومؤخراً، أعلنت وزيرة العدل في حكومة الوحدة الوطنية، حليمة عبد الرحمن، عن بدء تشكيل لجنة بمشاركة دولية في غضون 15 يوماً، تهدف إلى "حث الجهات غير الخاضعة للدولة الليبية بالإفراج عن المعتقلين في سجونها"، مطالبة كل الجهات غير المعترف بها من قبل الدولة بـ"الإفراج السريع وغير المشروط عن المواطنين الليبيين المسجونين بغير وجه حق ومن دون وجود أيّ تهم أو أوامر قبض في حقهم". ومنذ ذلك الحين، شهدت البلاد جملة من التغييرات والإجراءات السريعة في الملفات المتعلقة بالجانب الجنائي والحقوقي، خصوصاً بعد العثور على 10 جثث ملقاة في الهواري إحدى ضواحي مدينة بنغازي (شرق)، ما زالت سلطات المدينة الأمنية التابعة لسلطة اللواء المتقاعد خليفة حفتر تتكتم على حقيقتها، في وقت طالب فيه رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة مكتب النائب العام بفتح تحقيق في ذلك، مؤكداً أنّه "لا يمكن لمثل هذه الأحداث أن تتكرر مرة أخرى، والتسامح معها أو التغطية عليها تحت أيّ ذريعة لن يكون مقبولاً".

ووفقاً للناشط المدني الليبي خميس الرابطي فإنّ ملف الجرائم مجهولة الفاعل بدأ يأخذ طابعاً دولياً، خصوصاً مع تنامي الأمر، سواء من خلال ظهور الجثث في بنغازي أو من خلال استمرار اكتشاف مزيد من المقابر الجماعية في مدينة ترهونة الواقعة إلى جنوب شرق طرابلس. ويقرّ الرابطي لـ"العربي الجديد" بأنّ "الملف ما زال مرتبطاً بالخيارات السياسية ويتأثر بشكل النزاع وأطراف الصراع، إلا أنّ زيادة مؤشرات انهيار الوضع الحقوقي المتصل بالمواطن سيدفع به إلى طريق الحلحلة، من دون أن أتفاءل بشكل كبير وأقول حصول المواطن على حق الحياة".
وسعياً إلى تهدئة السخط الشعبي حيال تنامي عمليات العثورعلى الجثث التي تعرفها بنغازي، أعلنت الغرفة الأمنية في المدينة عن بدئها العمل على خطة أمنية. وإذ أكدت الغرفة في بيان لها أنّ "عمليات إلقاء القبض لن تكون إلا عن طريق النيابة العسكرية فقط"، أوضحت أن خططها سوف تلزم المواطنين بتركيب كاميرات للمساعدة في الجهود الأمنية والكشف عن المجرمين، بالإضافة إلى فتح مكتب لشكاوى المواطنين حول أيّ انتهاك. لكنّ الوضع "ما زال غير مطمئن"، بحسب الرابطي، الذي يضيف أنّ "إرجاع عمليات إلقاء القبض إلى محكمة عسكرية يعني أنّ الطباع المدني ما زال بعيداً وحكم العسكر ما زال أكثر إنفاذاً".
وفي خطوة تقرّ بأهمية الدعم الأهلي لجهود السلطات في خفض مستوى الجريمة، دعت وزارة الداخلية في الحكومة الجديدة "كل أطياف الشعب الليبي إلى التعاضد والتكافل لمساندتها في أداء مهامها على أكمل وجه وذلك بتجاوز صفحة الماضي والتسامح، ونبذ خطاب الكراهية وتحييده من كل المنابر الإعلامية". وهي دعوة يراها الرابطي تعكس "عسر وصعوبة المهمة من جهة، ومن جهة أخرى لا تشير إلى قدرة الحكومة على تعهد وزارة العدل بملاحقة مرتبكي الجرائم وفرض عقوبات على  مرتكبيها وسجنهم".

الصورة
أغراض عثر عليها في مقبرة جماعية في ليبيا (فرانس برس)
تحاول التعرّف على أغراض عزيز لها فُقد قبل سنوات (فرانس برس)

وتوالت المطالبات الأهلية في الفترة الأخيرة بضرورة فتح تحقيقات واسعة في جرائم القتل والخطف. فعقب استنكار قبائل منطقة المرج (شرق) لما تشهده بنغازي من اغتيالات واعتداء على النساء واقتحام للبيوت وانتهاك للأعراض والمطالبة بضرورة فتح تحقيقات في هذه القضايا، دعا عدد من زعماء مكونات برقة (شرق) الاجتماعية الحقوقية إلى "فتح تحقيق في كل الأعمال الإرهابية التي هزت الشارع في بنغازي بصفة خاصة وبرقة بصفة عامة"، وكذلك الكشف عن كل السجون السرية ومعرفة مصير كل المختطفين. وشددت مكونات برقة في بيان مشترك على ضرورة "معاقبة كل من قاموا بالخطف أو أمروا به". ومن بين الجرائم التي طالبوا بضرورة فتح تحقيق فيها "قضية النائب سهام سرقيوة والناشط الحقوقي أحمد الكوافي والكشف عن مصيرهما"، بالإضافة إلى الكشف عن المتورطين في مقتل شخصيات قبلية وناشطين حقوقيين، "بل وكل جرائم الشرف التي طاولت النساء الآمنات في بيوتهنّ والتي لم يقم بها حتى أبو جهل"، بحسب وصف البيان.
ويرى الرابطي في الحراك الأهلي "عاملاً جديداً في ملف الانتهاكات وعملية الضغط الأساسية التي حدت بسلطات بنغازي الأمنية والحكومة الجديدة إلى الإعلان عن مواقفهما الأخيرة"، مشيراً إلى أنّ "ملف حقوق الإنسان وما يتصل به من انتهاكات تضخم إلى درجة صار فيها مصدراً لقلق أطراف دولية وأممية عديدة". ويلفت الرابطي إلى أنّ "لجوء عدد من المواطنين إلى رفع شكاوى في محاكم دولية تتصل بقضية المقابر الجماعية في ترهونة، شكّل عملية ضغط أخرى على السلطات الجديدة والأطراف التي يمكن أن تكون متورطة في هذه الانتهاكات".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وفي سياق متصل، أعلنت الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين (حكومية) عن مواصلتها عمليات البحث عن المفقودين في مقابر ترهونة. وذكرت على صفحتها الرسمية على موقع "فيسبوك" أنّ فرق إدارة البحث عن الرفات تعمد إلى الاستكشاف بطريقة المسح الطبقي والحقول التجريبية، مشيرة إلى أنّها تواصل كذلك أخذ عينات حمض نووي من الجثامين المستخرجة من المقابر لمطابقتها مع أسر المفقودين بهدف التعرف على هوية أصحابها.

المساهمون