تحاول السلطات الليبية تسريع حلحلة ملف مفقودي الفيضانات التي ضربت مدينة درنة في سبتمبر/ أيلول الماضي، والذي لا يزال يلقي بظلاله النفسية والاجتماعية والقانونية على كثيرين غيّرت الكارثة حياتهم.
أعلنت إدارة البحث عن الرفات في الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين الحكومية في ليبيا أنها تسلّمت 5000 من العينات مجهولة الهوية الخاصة بمفقودي مدينة درنة المنكوبة بفيضانات 10 سبتمبر/ أيلول الماضي. وأوضحت عبر صفحة الهيئة على "فيسبوك" أن "العينات أخذت من بقايا عظام تعود إلى جثامين عثر عليها داخل مبانٍ مهدمة أو البحر أو في مقبرتي الظهر الأحمر ومرتوبة. وجرى توثيق وحفظ هذه العينات من اجل تجهيزها للمرحلة المقبلة، وتسليمها إلى إدارة المختبرات للعمل عليها". وأكدت أن "هذه العينات خطوة مهمة في عملية البحث عن مفقودي مدينة درنة".
وقبل نحو شهرين أطلقت الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين جهودا لجمع عينات من جثامين ضحايا السيول التي دفنت في مقابر جماعية بمناطق محاذية لمدينة درنة. وتساعد هذه العينات في تحديد هوية جثامين من خلال مطابقتها بعينات الحمض النووي لعائلات المفقودين. وقد فتحت الهيئة 2143 ملفاً لأهالي المفقودين حتى الآن، وأخذت 1756 عينة حمض نووي من ذوي المفقودين. وفي الأسابيع الأولى لكارثة الفيضانات والسيول صوّر نشطاء جثثاً لضحايا فيضانات عُثِر عليها داخل الأحياء المنكوبة ثم عرضت في مدرسة أم القرى بدرنة، ما سمح بتعرف كثير من ذوي المفقودين على أهاليهم، لكن ذلك لم يكفِ لتلبية المتطلبات القانونية والاجتماعية الخاصة بإثبات الوفيات في شهادات رسمية تصدرها الجهات المختصة.
يعلّق منصف عبد الحميد الذي فقد أخاه وعدداً من أفراد أسرته في الفيضانات بالقول لـ"العربي الجديد": "الأكيد أن أخي وغالبية أفراد أسرته قتلوا في الفيضانات إذ شاهدنا صورهم في مدرسة أم القرى، لكن لا يزال طفلان من أسرته حيين ويعيشان في كفالتي أحياناً، ولم أستطع تحويل راتب أخي الى الضمان الاجتماعي كي استفيد منه في تكفل الطفلين بسبب عدم إصدار شهادة وفاة رسمية".
ويتطلب إصدار هذه الشهادة توقيع طبيب بعد معاينته المتوفى بحسب التشريعات المطبقة في البلاد، في حين لم تطوّر السلطات التشريعية قانوناً خاصاً بالمفقودين رغم أن الملف موجود منذ عام 2011، وبينهم أيضاً مئات ممن شاركوا في الحروب، والذين لا يزال مصيرهم مجهولاً.
وتتعلق هذه المسائل بقضايا أخرى بينها أوضاع الزوجات الأرامل وملفات حصر الإرث وغيرها. ويقول عبد الحميد: "قد يصبر ورثة أي مفقود حتى يتضح وضعه، لكن ما ذنب امرأة حديثة الزواج يرتهن مصيرها بجهود السلطات البطيء، ويمر عمرها من دون أن تستفيد من أي فرصة للزواج مجدداً".
ويؤكد المحامي لدى المحكمة العليا، بلقاسم القمودي، في حديثه لـ"العربي الجديد" عدم وجود حصر اجتماعي لفئات وأنواع ذوي المفقودين، علماً أن مراكز بحوث وجامعات قد تجريه بدلاً من السلطات تمهيداً لتصعيد مؤسسات المجتمع المدني والنشطاء الضغوط على المسؤولين لمحاولة إيجاد حلول حاسمة. وأعتقد أن الشرخ الاجتماعي الذي خلفته كارثة الفيضانات كبير جداً لكنه لا يزال غائباً عن الأنظار والاهتمام".
وينتقد القمودي عدم بذل السلطات جهوداً كبيرة لإغلاق ملف المفقودين، ويقول: "تضطلع هيئة المفقودين بدورها لكن يرجح أنها غير مزودة بالإمكانيات اللازمة، خاصة المختبرات لبدء تحليل العينات التي أخذت ومطابقتها بعينات الأهالي تمهيداً لإعلان النتائج". يتابع: "قدم الأهالي طلبات لفتح ملفات، لكن يبدو أن المواد الخاصة بأخذ العينات غير كافية، أو أن الفرق لا تتمتع بكفاءة كبيرة، وإلا لماذا زاد عدد الملفات المفتوحة عن الألفين بينما عدد العينات التي أخذت أقل بكثير؟".
ويتحدث عبد الحميد عن موضوع "الشفاء النفسي" لذوي المفقودين، ويشير إلى أنه يعرف أمهات كثيرات يبكين أولادهن وذويهن من دون أن يقتنعن بوفاتهم في حال عدم إثبات ذلك رسمياً.
وفيما يتساءل عبد الحميد عن مهمات فرق الدعم النفسي التي زارت مدينة درنة في الأشهر الماضية والنتائج التي حققتها، يرى أن "ذوي مفقودي درنة سينضمون إلى قوائم ذوي المفقودين في المناطق الأخرى الذين يعانون من إهمال قد يكون متعمداً، ومن واقع القفز على المراحل كما يحدث في درنة الآن، إذ بدأت شركات الإعمار في وضع خططها لبناء مساكن للمتضررين، ونسوا أضرارهم النفسية والاجتماعية".