ليبيا: صمت رسمي وجدل بعد توقيف مدرس أميركي بتهمة التبشير بالدين المسيحي

15 ابريل 2023
يدير المدرس الأميركي مركزاً لتدريس اللغة الإنكليزية في طرابلس منذ عام 2017 (Getty)
+ الخط -

لا تزال السلطات الليبية تلزم الصمت حيال قبض جهاز الأمن الداخلي على مدرس أميركي في العاصمة طرابلس، بتهمة "التبشير" بالدين المسيحي، رغم مرور ثلاثة أيام على إعلان القبض عليه.

وأعلن جهاز الأمن الداخلي، الأربعاء الماضي، القبض على أميركي رُمز إلى اسمه بـ"إس. بي. أو" بتهمة ممارسة أنشطة "التبشير المسيحي"، موضحاً أنه وزوجته يعملان على "استقطاب أبناء شعبنا المسلم بإغوائهم ببعض المزايا، والوعود الواهية للوصول لمبتغاهم، وهو إفساد عماد المجتمع الليبي، والتشكيك في عقيدته".

ولاحقاً، بث الجهاز، يوم الخميس فيديو يظهر اعترافات المدرس الأميركي بالاتصال ببعض الليبيين لتنصيرهم، وإغوائهم بالمزايا والهدايا بهدف تنصيرهم، متهماً إياه بممارسة أنشطة التنصير من خلال مركز لتدريس اللغة الإنكليزية يحمل اسم "غايت واي"، الذي يديره برفقة زوجته في العاصمة طرابلس منذ عام 2017، وهو مركز تابع لمنظمة تنصيرية تدعى "جمعيات الله".

وفيما أفاد الجهاز بأنه أحال المدرس الأميركي إثر اعتقاله على مكتب النائب العام، لا تزال السلطات في طرابلس، بما فيها حكومة الوحدة الوطنية ودار الإفتاء، تلزم الصمت حيال الواقعة، لكن مصدراً حكومياً مقرباً من وزارة الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية، أفاد بدخول موظفين رفيعي المستوى بالوزارة على خط القضية، مشيراً إلى أنهم تواصلوا مع جهاز الأمني الداخلي لوقف إجراء إحالة المدرس الأميركي على النيابة العامة.

وفيما أكد المصدر، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، وجود تكتم شديد يحيط بوضع المدرس الأميركي، وسط عناية كبيرة من وزارة الخارجية بطرابلس بالقضية، قال: "حتى الآن لا يُعرف وضعه، إلا أن المؤكد أنه لم يُعرض للتحقيق أمام أي جهة رسمية".

وفي وقت كشف فيه المصدر عن وجود تشديد بشأن عدم إدلاء أي مسؤول حكومي بأي تصريحات في القضية، أشار إلى أن السلطات أحالت ملفاً يحمل عنوان "شبكة تنصير" على النيابة العامة للبدء بالتحقيق فيها، "لكن دون إرفاق أي شيء يتعلق بالمدرس الأميركي".

وفيما لم تعلّق السفارة الأميركية لدى ليبيا على الحادثة، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس لقناة "ليبيا الأحرار"، إنهم على علم بتقارير عن احتجاز مواطن أميركي في طرابلس، وإنهم يعملون على تقديم المساعدة المناسبة، وفق تعبيره.

طلاب وشباب
التحديثات الحية

وأوضح المتحدث في تصريح للقناة، ليل أمس الجمعة، أن سلامة المواطنين الأميركيين تُعدّ أولوية كبرى بالنسبة إليهم، لافتاً إلى أن ليبيا تأتي ضمن مستويات الدول التي ترشد الولايات المتحدة الأميركية مواطنيها بعدم السفر إليها بـ"سبب الجريمة فيها"، وفق ما أكده.

وجاء إعلان الجهاز القبض على المبشر الأميركي، الأربعاء الماضي، بعد إعلانه، مطلع الأسبوع الماضي، القبض على شاب بتهمة التحول إلى الديانة المسيحية، قبل أن يعلن، منتصف الأسبوع، القبض على شاب آخر وفتاة بتهم الخروج "عن الدين والترويج للإلحاد"، إلا أن الجهاز حذف كل تلك الإعلانات والفيديوهات المرفقة بها، صباح اليوم السبت، من صفحته الرسمية على "فيسبوك"، وأبقى عليها على موقعه الإلكتروني الرسمي.

وبالإضافة إلى عدم صدور أي تعليق من جانب الحكومة، لم تعلن وزاراتها ومؤسساتها، بما فيها وزارة الداخلية، تبعية جهاز الأمن الداخلي لأي منها، خصوصاً أن الجهاز يعرّف عبر موقعه بأنه "إحدى المؤسسات المدنية النظامية التابعة لمكونات الدولة الليبية"، دون أي إشارة إلى تبعيته للحكومة أو أي من وزاراتها أو أجهزتها الأمنية.

وفيما انضمت دار الإفتاء إلى حالة الصمت الرسمي، فضّل رئيس الهيئة العامة للأوقاف وشؤون الزكاة في طرابلس محمد العباني، التعليق على الحادثة على صفحته الخاصة على "فيسبوك". وفي منشور عنونه بـ"الهرولة بين الحنق والملق"، هاجم العباني رئيس مجلس البحوث بدار الإفتاء، سامي الساعدي، على خلفية فتوى سابقة له بشأن جواز ترميم وبناء الكنائس في ليبيا.

وجاءت فتوى الساعدي إثر جدل صاحب مشاركة عدد من مسؤولي بلدية طرابلس في افتتاح ميدان وكنيسة السيدة مريم، ضمن افتتاح عدد من المرافق التاريخية بالمدينة القديمة بطرابلس نهاية فبراير/شباط الماضي، حين أكد الساعدي أن "ترميم المنهدم من الكنيسة"، و"حتى بناء (كنيسة) جديدة"، جائز شرعاً.

ودون أي إشارة إلى المدرس الأميركي، اعتبر العباني فتوى الساعدي بشأن ترميم الكنائس في ليبيا باطلة، متسائلاً: "لمن تُرمِّمُها أيها الرجل؟! الذين قبض عليهم الأمن الداخليّ متنصرين، عائلات بأكملها كان يُجهَّزُ لها أن تُباشر ترانيمها في هذه الكنائس".

طلاب وشباب
التحديثات الحية

يشار إلى أن هيئة الأوقاف سبق أن طالبت السلطات بمنع سفينة "لوغوس هوب" من الرسو في موانئ البلاد لإقامة معرضها العائم للكتاب، خلال أغسطس/ آب من العام الماضي، متهمة السفينة بالتبعية لمنظمة تنصيرية.

وبعد أن تجاوبت مدينتا مصراته وطرابلس مع مطالبات الهيئة بمنع السفينة والرسو، دعت الهيئة سكان مدينة بنغازي إلى عدم التعامل معها وزيارة معرضها الذي تمكنت من إقامته في ميناء المدينة، "لما يشكل ذلك من خطر على عقيدة المسلم، وثوابت دينه، الذي هو أعز ما يملك في هذه الحياة"، وفق بيان لها.

وفي الأثناء، تباينت ردود الفعل حيال الحادثة بين داعٍ إلى حرية المعتقد، ومدافع عن حملة جهاز الأمن الداخلي، خصوصاً مع تأكيد الجهاز مواصلته ملاحقة جميع "المرتدّين عن الدين الحنيف"، وأن اعتقالاته جاءت "وفقاً للقانون".

وفي تعقيب على الحادثة، قال رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الانسان "أهلية"، أحمد عبد الحكيم حمزة، إن "ليبيا دولة مسلمة بطبيعة الحال، وتُنظمها قوانين وتشريعات، فلا يحق لأي دولة كانت أن تُحاول المساس بدين المجتمع وعقيدته".

وفيما أثنى حمزة على ما وصفها بـ"جهود جهاز الأمن الداخلي" في "انتهاكات الأمن القومي"، طالب بضرورة "عرض الموقوفين على النيابة العامة"، معتبراً أن نشر اعترافاتهم، وإظهار هويتهم عبر وسائل الإعلام، إجراءات "يحضرها قانون الإجراءات الجنائية الليبي"، مضيفاً: "من حل ضيفاً على ليبيا، وجب عليه الامتثال لقوانينها واحترام شعبها، وإن لم يفعل، فعليه الخروج منها، أو يتحمل المسؤولية القانونية لأفعاله التي تُجرمها التشريعات والقوانين الوطنية النافذة".

في المقابل، دعا مندوب ليبيا السابق لدى الأمم المتحدة، إبراهيم الدباشي، السلطات الأمنية والقضائية في ليبيا إلى ضرورة رفض إطلاق سراح المدرس الأميركي دون محاكمة.

ودعا الدباشي، عبر صفحته على "فيسبوك"، إلى مبادلة المدرس الأميركي بالمواطن الليبي المختطف أبوعجيلة المريمي، في إشارة إلى المريمي الذي سلّمته حكومة الوحدة الوطنية للولايات المتحدة الأميركية على ذمة قضية إسقاط طائرة "لوكربي".

وسبق للنيابة العامة أن أعلنت، في مارس/ آذار من العام الماضي، أنها حققت مع خمسة ليبيين متهمين بتنظيمهم لـ"جماعة سرية" تحت مسمّى "حركة التنوير"، موضحة أنهم "اعترفوا بأنهم يدعون إلى الإلحاد، ويرفضون الأديان، ويتعمدون الإساءة إلى الدين الإسلامي".

وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، قضت محكمة الجنايات في مدينة مصراته بالحكم بالإعدام على شاب ليبي بتهمة "الردة عن الإسلام".

وليبيا دينها الرسمي هو الإسلام، كذلك كامل سكانها مسلمون، أما غير المسلمين، فمعظمهم مسيحيون يمارسون شعرائهم الدينية في الكنائس التي تحتضن أغلبها العاصمة طرابلس، وبنغازي ومصراته.

المساهمون