حقوق الأشخاص ذوو الإعاقة... فجوات كبيرة في مختلف القطاعات

12 يوليو 2024
سارة منقارة مستشارة الرئيس الأميركي لحقوق الإعاقة الدولية (العربي الجديد)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلى أن 1.3 مليار شخص يعانون من الإعاقة، ويواجهون تحديات اجتماعية ونقص في الأدوات اللازمة لتحقيق المساواة، خاصة في مناطق الصراعات والكوارث الطبيعية.

- عقد المؤتمر السابع عشر للدول الأطراف في اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في يونيو/ حزيران الماضي، وركز على قضايا مثل وضع الأشخاص ذوي الإعاقة في حالات الخطر والطوارئ الإنسانية، وتعزيز حقوقهم في إيجاد فرص عمل مناسبة.

- أكدت سارة منقارة على أهمية الانتقال من النموذج الطبي إلى النموذج الاجتماعي في التعامل مع الإعاقة، وضرورة اتخاذ خطوات بنيوية لتسهيل عمل الأشخاص ذوي الإعاقة، وتغيير السردية المجتمعية حول الإعاقة.

تشير إحصائيات صادرة عن منظمة الصحة العالمية إلى أن واحداً من كل ستة أشخاص، أي 1.3 مليار شخص، أو ما يعادل 16% من سكان العالم، هو من الأشخاص ذوي الإعاقة. ورغم وجود اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي دخلت حيز التنفيذ في مايو/ أيار 2008، والتي تتضمّن أهدافها المساعدة في حماية الحريات الأساسية والحقوق الكاملة والمساواة، إلا أن الكثير من الدول لا تقدم ما يكفي من التسهيلات لضمان تلك الحقوق. 
ولا يواجه الأشخاص ذوو الإعاقة تحديات فردية بسبب إعاقتهم فحسب، بل كذلك وصمة اجتماعية ناهيك بنقص الأدوات والوسائل اللازمة لتحقيق المساواة. وكثيراً ما يجرى تهميش الأشخاص ذوي الإعاقة أو حتى محاولة إخفائهم عن الأنظار في العديد من المجتمعات بدلاً من الاستفادة من تجاربهم ودمجهم في كل مرافق الحياة. ويسلط العديد من التقارير الضوء على الفجوات الهائلة على الرغم من التقدم الذي تحقق. 
ويواجه نحو 40% من ذوي الإعاقة في مناطق الصراعات أو الكوارث الطبيعية، بما فيها السودان وفلسطين وسورية واليمن، تحديات أكبر في ظل الاضطرار إلى الإخلاء، ما يزيد من تعرضهم للخطر والانتهاكات، خصوصاً الأطفال. 
وعقد المؤتمر السابع عشر للدول الأطراف في اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (COSP17) في مقر الأمم المتحدة في نيويورك ما بين 11 و13 يونيو/ حزيران الماضي، وركزت الاجتماعات هذا العام على عدد من القضايا من بينها وضع الأشخاص ذوي الإعاقة في حالات الخطر وحالات الطوارئ الإنسانية، ناهيك بتعزيز حقوقهم في إيجاد فرص عمل مناسبة وسبل عيش مستدامة. 

وتقول سارة منقارة، مستشارة الرئيس الأميركي الخاصة لحقوق الإعاقة الدولية، لـ "العربي الجديد" على هامش المؤتمر في نيويورك، إن الاتفاقية والإنجازات التي تم تحقيقها بعد تبنيها، ولا يقتصر ذلك على كونها تشمل مجالات الحياة المختلفة سواء أزمة المناخ والتوظيف والتعليم، ناهيك عن ضمان منح الأشخاص ذوي الإعاقة حقوقهم الأساسية في الوجود والانتماء إلى جزء من المجتمع وعدم عزلهم وإسكاتهم، بل الانتقال من النموذج الطبي إلى النموذج الاجتماعي في التعامل مع الموضوع، وهذا يعني أنه بدلاً من النظر إلى الشخص ذي الإعاقة كشيء يجب إصلاحه، أصبحنا نتحدث عن كيفية كسر الحواجز داخل المجتمع حتى يتمكن الأشخاص ذوو الاعاقة من الاندماج بشكل كامل والمساهمة في المجتمع. 
وتشير الكثير من الدراسات إلى أن الدول تخسر اجتماعياً واقتصادياً عندما لا تسهل مشاركة ودمج الأشخاص ذوي الإعاقة في جميع مجالات الحياة. وتوضح منقارة: "إذا بدأنا من الإيجابيات، فإن معظم دول العالم صادقت على الاتفاقية، لكن هذه خطوة وعلى الرغم من أهميتها إلا أنها غير كافية. كيف يمكننا أن نترجم الاتفاقية إلى سياسات وتطبيقها؟ هناك الكثير من الثغرات". تضيف: "إذا سافرنا إلى أي مكان حول العالم، سنجد أن الكثير من المجتمعات لا تزال تنظر إلينا باعتبارنا أشخاصاً ذوي إعاقة بنوع من الشفقة، وأننا عبء، وهدف لعمل خيري، ولدينا احتياجات خاصة وغير ذلك، وإلى أن نقوم بتغيير السردية التي ستترجم كيف سيأخذ الساسة وصناع القرار والشركات ومصممو البرامج في جهودهم اليومية ذلك بشكل جذري". 

الصورة
أطفال مبتورة أطرافهم يسبحون في سورية (محمد سعيد/ الأناضول)
أطفال مبتورو أطراف يسبحون في سورية (محمد سعيد/الأناضول)

وتعطي المسؤولة الأميركية مثالاً على محاولات بعض الدول معالجة الأمر عن طريق حلول سريعة، كالنِسب في أماكن العمل أو المراكز المختلفة. وعلى الرغم من أهميتها، إلا أنها تبقى حلولاً سطحية وليست جذرية. وتشير في هذا السياق إلى أن بعض الشركات قد تفضل مثلاً دفع غرامة في حال لم تطبّق نظام النسب أو توظيف أشخاص ذوي إعاقة ودفع رواتبهم من دون تشغيلهم فعلياً ودمجهم في أماكن العمل. ويتطلب دمجهم في تلك الشركات اتخاذ خطوات بنيوية لتسهيل عملهم.
وتلاحظ منقارة أنه "عندما نضع النسب، فإننا لا نتعامل مع الحواجز في مجالات عديدة كالتعليم ووسائل النقل واستخدام الذكاء الاصطناعي والتوظيف وغيرها الكثير. على الدول معالجة ذلك، ولا بد من أن تكون السردية في صميم ذلك". وتشرح ما تقصده بالسردية والدمج، قائلة: "إن لم تقم الشركات والحكومات والمجتمعات بدمج 16% من سكان العالم، فإن المجتمع بأكمله يخسر وهذا يضر اقتصادنا والناتج المحلي الإجمالي وغيرها الكثير".
وتؤكد منقارة أن الولايات المتحدة قطعت شوطاً مهماً في هذا السياق على مستوى القوانين والتطبيق لكنها تشير في الوقت ذاته إلى أن هناك الكثير مما يجب عمله في هذا المجال. السؤال هو كيف تتعامل دول صناعية متطورة كالولايات المتحدة مع الموضوع دولياً؟ وتحرص في سياساتها الخارجية، بما فيها التجارية مثلا والمعونات، على أن تكون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة جزءاً من السياسات الخارجية.

الصورة
يساعدون في جر عربته (جيفري غرينبرغ/ Getty)
يساعدون في جرّ عربته (جيفري غرينبرغ/Getty)

وبصفتها مبعوثة الرئيس بايدن للإعاقة الدولية وسيدة من أصول عربية ومسلمة (ابنة لعائلة مهاجرة من لبنان) فقدت بصرها وهي في السابعة، وتعرف الشرق الأوسط، تقول: "صحيح أن الشرق الأوسط متنوع للغاية، وتختلف الظروف بحسب البلد، لكن أحد النُهج التي اتبعناها هو كيفية التأثير فعلياً على الهيئات متعددة الأطراف للمضي قدماً في وضع السرد القائم على القيمة المضافة التي يأتي بها الأشخاص ذوو الإعاقة إلى الطاولة".
وتتحدث منقارة عن ضرورة الاهتمام باللغة المستخدمة والتي تأتي أحياناً بنيّة حسنة لكنها تبقى إشكالية بحد ذاتها، من بينها استخدام مصطلحات لوصف الأشخاص ذوي الإعاقة بأنهم "ذوو الاحتياجات الخاصة" أو "ذوو الهمم" أو "ذوو القدرات المختلفة". وتقول: "علينا أن نفكر في ما يعنيه ذلك حقاً. ففي هذه اللغة نوع من التعالي. أريد أن ينظر المجتمع إليّ ويرى مثلاً أنني مكفوفة وهذه حقيقة، لكني لا أريد أن يحكم مسبقاً على ما إذا كانت تلك الإعاقة سلبية أم إيجابية. علينا أن نجد المكان الذي نشعر فيه بارتياح مع الإعاقة. وفي المجتمعات العربية نرى في الكثير من الأحيان أن الأهل يتحدثون باسم أبنائهم ذوي الإعاقة، وهذه طبعاً أمثلة ولا يمكن التعميم". 

وتشير منقارة إلى أهمية دمج المجتمع المدني، كجزء من الأطراف المهمة ليس فقط من أجل تطبيق تلك السياسات، بل كذلك في العمل على صياغتها كشركاء. وعن كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي للعمل على تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة، تقول: "أصبح الذكاء الاصطناعي وبشكل متزايد جزءاً مهماً من حاضرنا ومستقبلنا، ويعتمد بشكل أساسي على البيانات وبعضها متحيز سلباً حيال الأشخاص ذوي الإعاقة. على سبيل المثال، تستخدم بعض الشركات الذكاء الاصطناعي في المقابلات الأولية للتوظيف. وفي حالة شخص مثلي لا يوجد لديه اتصال بصري طبيعي مثل الآخرين ولا يملك لغة الجسد العادية التقليدية، فلن يصل إلى المرحلة التالية لأن الذكاء الاصطناعي لا يستوعب ذلك وسيخرجه بعد الجولة الأولى".

تضيف: "عندما يتم تطوير الذكاء الاصطناعي من دون أن يكون الأشخاص ذوو الإعاقة قادرين على الوصول إليه، أو لا تؤخذ احتياجاتهم بعين الاعتبار، فهذا سيؤدي إلى تخلفهم عن الركب، وتترك احتياجاتهم جانباً". وتضرب منقارة مثالاً على ذلك بذكر البنايات أو الفنادق الذكية والتي أصبح كل شيء فيها يعمل عن طريق الشاشات واللمس. وترى أنه يمكن إتاحة ذلك للمكفوفين مثلاً عن طريق التنشيط الصوتي ولكن لا تفكر تلك الفنادق بذلك، ما يعني أنها شخصياً ستحتاج إلى الاعتماد على شخص آخر لإغلاق الستائر أو التبريد وغيرها. وهذه أمور بسيطة لكن أساسية ولا يتم التفكير فيها عن تصميم تلك الأماكن الذكية.

وتشير منقارة إلى أن "دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في جميع مجالات الحياة يساعد على الابتكارات التي يستفيد منها أشخاص ليسوا من ذوي الإعاقة. من الضروري أن يكترث الجميع لهذا الأمر، وألا يقتصر الاهتمام والتفكير فيه على الأشخاص ذوي الإعاقة أنفسهم، بل يجب أن يكون محط ومركز اهتمامنا جميعاً".

المساهمون