تبدو المبادرات الإنسانيّة أكثر أهميّة في ظلّ الأزمات المتراكمة وآثار الحروب التي عاشتها ليبيا على مدى السنوات الماضية، وما زالت، وخصوصاً الفئات الأكثر هشاشة التي لا تحظى عادة بالخدمات اللازمة، منها الأشخاص الصمّ. ومن بين هذه المبادرات تعليم لغة الإشارة.
وأطلقت خبيرة لغة الإشارة زهرة العبدلي دورة تدريبية لتعليم لغة الإشارة، وإن كان الإقبال عليها ضعيفاً، إذ ترى أنّ هذا التدريب يُساهم في التوعية. وسبق أن أُطلقت مبادرات في هذا المجال من قبل ناشطين في كل من العاصمة طرابلس وبنغازي (شمال شرق البلاد) وسبها (وسط البلاد). وتؤكد في حديثها لـ"العربي الجديد" أنّ "الإقبال الكبير عليها شجعها على إطلاق مبادرتها".
وتسعى العبدلي إلى تعليم لغة الإشارة لتتحول إلى ثقافة في المجتمع بهدف تعزيز التواصل مع الأشخاص الصم. وعلى الرغم من عدم الإقبال الكبير على الدورة التي أطلقتها العبدلي، إذ التحق بها ستة أشخاص فقط، فإنها ترى أنها نجحت نسبياً، وخصوصاً أن اثنين من الملتحقين بالدورة يعملان في القطاع الطبي.
وتنقل العبدلي عن أحدهما رغبته في تعلّم لغة الإشارة بعدما واجه صعوبة في التعامل مع مرضاه الصم. وتشير إلى أنه يمكن للطبيب وصف دواء للمريض، إلا أن التواصل يُريح الأخير إلى درجة كبيرة ويساعده على فهم مرضه وبالتالي، العلاج المتوجب اتباعه.
ما من إحصاء رسمي عن أعداد الأشخاص الصم في البلاد، كما تقول الباحثة الاجتماعية حسنية الشيخ، مؤكّدة أن التجاوب من قبل السلطات لمساعدتهم ومنحهم حقوقهم ضعيف. وتوضح لـ"العربي الجديد" أنها قرأت خبراً عن افتتاح مركز خاص لتلقيح الأشخاص ذوي الإعاقة ضد فيروس كورونا، مستنكرة الأمر، إذ "يسعى السياسيون لاستغلال هذه الشريحة في الانتخابات بدلاً من العمل على إعطائهم حقوقهم".
وفي ظلّ الظروف الصعبة التي يواجهها الأشخاص الصم في البلاد، نظموا وقفة احتجاجية في كل من طرابلس وسبها أمام فرعي مركز "الأمل للصم والبكم وضعاف السمع الحكومي" في كل من طرابلس وسبها، رفضاً لإهمال وتهميش المركز، وعدم توفر الإمكانيات اللازمة للدراسة فيه.
ولدى المركز الذي تم تأسيسه قبل ثلاثين عاماً عشرات الفروع في مختلف مناطق ومدن البلاد. ويقول العضو في الرابطة العامة للأشخاص ذوي الإعاقه وحيد أبو صوة إن غالبية المراكز مقفلة تماماً بسبب تردي أوضاعها. كما توقف بعضها عن العمل فترة قبل العودة لاستقبال الطلاب مجدداً. ويؤكد لـ"العربي الجديد" أن الوقفة الاحتجاجية أمام مقر المركز في طرابلس حملت السلطات المسؤولية الكاملة حيال الإهمال الذي تعانيه فروع المركز في كل مناطق البلاد، منها غياب الصيانة والإمكانيات اللازمة للدراسة، فضلاً عن عدم تطويرها وتوسيعها على الرغم من زيادة المقبلين على الدراسة فيها.
وفي وقت تشير الشيخ إلى أن ليبيا صادقت على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الاعاقة عام 2018، وأنها أصدرت قانوناً خاصاً بالأشخاص ذوي الإعاقة، تؤكد الإهمال الحكومي وانتهاك حقوقهم.
في هذا الإطار، يعدّد أبو صوة بعض المعاناة التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة، منها "عدم القدرة على الاندماج وغياب تكافؤ الفرص وسوء التعليم وعدم الحصول على وظائف تساعدهم على تأمين احتياجاتهم بدلاً من العيش في فقر".
وعلى الرغم من الترحيب بمبادرة العبدلي، إلا أنه يؤكد وجود تمييز مجتمعي بحق الأشخاص ذوي الإعاقة. في المقابل، لا ينفي المسؤول بفرع الهيئة العامة لصندوق التضامن الاجتماعي الحكومي حيدر القصير الإهمال الرسمي للأشخاص ذوي الإعاقة، إلا أن الإقبال على المبادرات الإنسانية دليل على التجاوب المجتمعي وحسن التعامل معهم. كما يشير القصير في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى تقديم عدد من خطباء المساجد مبادرة خاصة بهم، تتعلق بطلبهم الاستعانة بأساتذة متخصصين في لغة الإشارة في المساجد، ليتسنى لهم تعلم القرآن وفهم خطابات المنابر يوم الجمعة.
ويلفت القصير إلى أن ظروف الحرب والصراع التي تشهدها البلاد تحدّ من الجهود الرسمية للتعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة، لكنه يؤكد في الوقت نفسه أن المساعدات المالية الشهرية لن تنقطع، وأنهم سيتقاضون رواتب ثابتة من صندوق التضامن.
يشار إلى أن الرابطة العامة للأشخاص ذوي الإعاقة أعلنت صرف الإعانة المنزلية للأشخاص ذوي الاعاقة في شهر نوفمبر/ تشرين الأول الماضي، بقيمة شهرية قدرها 600 دينار (نحو 130 دولاراً)، وتخصيص مبلغ 60 مليون دينار (نحو 13 مليون دولار) لـ"هذه المنفعة".