لماذا يغادر السود نيويورك؟

03 فبراير 2023
انخفض عدد السكان السود في نيويورك (أندرو ليشتنستاين/ Getty)
+ الخط -

كانت مدينة نيويورك تضم العديد من الأميركيين من بيئات وأعراق مختلفة. وكان السود موجودين بكثرة فيها وشكلوا جزءاً من هوية المدينة، وخصوصاً من النواحي الثقافية والاجتماعية والفنية. واقع بدأ يتغير في الفترة الأخيرة في ظل مغادرة العديد من العائلات ذات البشرة السوداء المدينة تدريجياً. وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، تشهد المدينة تغيرات ديموغرافية عديدة، مع هجرة العائلات السوادء. وخلال الأعوام ما بين 2010 و2020، ارتفع عدد السكان في المدينة من جراء زيادة عدد الآسيويين والمتحدرين من أصل إسباني، فيما انخفض عدد السود. ويعكس هذا توجه الشباب السود والعائلات من الطبقة المتوسطة والمتقاعدين إلى مغادرة المدن في الشمال الشرقي والغرب الأوسط والتوجه نحو الجنوب.
وانخفض عدد السكان السود في نيويورك بنحو 200000 شخص خلال العقدين الماضيين، أو حوالي 9 في المائة. وفي الوقت الحالي، فإن واحداً من كل خمسة أشخاص ليسوا من أصل إسباني هو شخص أسود، بالمقارنة مع واحد من كل أربعة في عام 2000 استناداً إلى أحدث البيانات.
وتلعب العوامل الاقتصادية والاجتماعية دوراً في خفض عدد الأميركيين السود، إذ إن ارتفاع الأسعار، من بينها تكاليف التعليم والاستشفاء، دفعت العائلات للانتقال إلى مناطق أخرى. نشأت أثينا رودني في أحياء في بروكلين (إحدى البلدات الخمس في مدينة نيويورك) التي يقطن السود في معظمها. تخرجت من المدارس الحكومية والتحقت بكلية الفنون الحرة بمنحة دراسية كاملة، ثم وجدت نفسها تعيش في شقة صغيرة بالإيجار تتضمن غرفة نوم واحدة، ويتشارك أطفالها الثلاثة سريراً بطابقين في غرفة المعيشة. كان من الصعب إلحاقهم بأي أنشطة ترفيهية، فقررت التوجة إلى ولاية جورجيا (جنوب شرق).
وأثر نزوح رودني وغيرها على السياسات العامة التي تضعها السلطات في ما يتعلق بتنويع الفئات الاجتماعية والعمرية. يشار إلى أن الانخفاض شمل الأطفال والمراهقين السود الذين يعيشون في المدينة بنسبة أكبر (أكثر من 19 في المائة من عام 2010 وحتى عام 2020). 
وأدى التضخم المرتفع مع انحسار وباء كورونا إلى إلحاق الضرر بسكان نيويورك في مجالات مختلفة، إلا أن العائلات السوداء كانت الأكثر تأثراً، واضطر العديد منها إلى ترك البيوت المستأجرة والتوجه إلى منازل الإيواء الحكومية.

وتواجه العائلات السوداء تحديات عدة تتعلق بالسياسات التمييزية وخصوصاً في ما يتعلق بالرواتب. ويبلغ متوسط دخل تلك الأسر 53 ألف دولار مقارنة بنحو 98 ألف دولار للأسر البيضاء، ما يعد سبباً لقرار بعض السود ترك نيويورك. 
إلا أن الهجرة الجماعية للسود من شأنها أن تترك تأثيرات عميقة على النسيج الاجتماعي والاقتصادي وحتى الثقافي، ويمكن قراءة تلك التأثيرات وفق ما يلي:
أولاً: مخاوف من نقص اليد العاملة الماهرة في قطاعات حيوية. إذ يخشى العديد من السياسيين والاقتصاديين من أن تؤدي هجرة السود إلى نقص اليد العاملة في المدينة، وتحديداً في قطاعات الاستشفاء وقطاع التمريض.  
ثانياً: هناك مخاوف من تغيير الوجه الثقافي للمدينة. ويقول مخرج الأفلام والكاتب والمنتح والممثل الأميركي سبايك لي: "أخشى أن تفقد المدينة بريقها الثقافي. كانت نيويورك مهداً لموسيقى الهيب هوب، والتي تشكلت بفضل السود".

رفض للعنصرية حيال السود (مايكل سانتييغو/ Getty)
رفض للعنصرية حيال السود (مايكل سانتييغو/ Getty)

ثالثاً: تغيرات في البيئة الديموغرافية والعرقية. تزداد المخاوف من أن تصبح نيويورك منطقة ثرية مخصصة لأصحاب البشرة البيضاء يصعب التعايش بين مكوناتها. ويشكل السكان البيض الآن حوالي 31 في المائة من السكان، والسكان من أصل إسباني 28 في المائة، والآسيويون حوالي 16 في المائة. لم يتغير تعداد السكان البيض تقريباً فيما ازداد الآسيويون بنسبة 34 في المائة، كما زاد عدد السكان من أصل إسباني بنسبة 7 في المائة.
رابعاً: تداعيات على نظام التعليم. كانت لانخفاض عدد العائلات السود تداعيات كبيرة على نظام التعليم، إذ انخفض عدد المدارس، واضطر المعلمون للانتقال إلى أماكن أخرى. بشكل عام، خسرت المدارس الحكومية أكثر من 100000 تلميذ خلال السنوات الخمس الماضية. ففي عام 2005، كان الأطفال السود يشكلون 35 في المائة من رياض الأطفال وحتى الصف الثاني عشر في نيويورك، لتتراجع النسبة إلى 20 في المائة.

وفي النتيجة، ما خسرته نيويورك كسبته مدن الجنوب. وإذ ازدهر اقتصاد نيويورك بسبب الوافدين الجدد من المناطق الحضرية الشمالية، إلا أن ازدهار الاقتصاد في الجنوب قد لا يكون مؤشراً طويل المدى إلى مدى قدرة تلك المناطق على استيعاب المزيد من السود. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

وتشير الأستاذة في كلية مورهاوس (كلية خاصة للفنون الحرة للرجال السود تاريخياً في أتلانتا)، ريجين جاكسون، والتي تدرس أنماط الهجرة، إلى إنه مع اتخاذ المزيد من الشماليين السود قراراً بالمغادرة، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الجنوب سيوفر في نهاية المطاف الفرص الأكبر التي يبحثون عنها. ومع استمرار النقص في مساكن نيويورك واستمرار ارتفاع بدلات الإيجار، تعهدت الحاكمة كاثي هوشول أخيراً ببناء أكثر من 800 ألف وحدة سكنية جديدة على مستوى الولاية خلال العقد المقبل، أي ضعف ما تم بناؤه خلال السنوات العشر الماضية. والهدف من هذه الخطوة، بحسب المسؤولين، الحفاظ على النسيج الاجتماعي في المدينة والتنوع الثقافي والطبقي. إلا أن هذه المحاولات تبقى محدودة، ما لم تتمكن الأسر السوداء من التغلب على المعضلات الاقتصادية، والسياسات التمييزية في فرص العمل والأجور.

المساهمون