لدى المواطنة الإيرانية ثريا أحمدي ثلاثة أولاد، اثنان منهم يدرسان في المرحلة الأساسية، والثالث في الإعدادية. عانت كثيراً لتعليم ابنتها وابنها اللذين يدرسان في الصفين الثاني والرابع خلال فترة تفشي فيروس كورونا الجديد في البلاد على مدى العامين الماضيين. تقول لـ "العربي الجديد" إن "التلاميذ هم الضحية الأولى لكورونا"، مشيرة إلى أن ابنتها هذا العام تدرس في الصف الثاني، لكنها لم تتعلم دروس الصف الأول، وبالتالي تواجه مشاكل كبيرة في استيعاب الدروس.
وتوضح أحمدي التي تعيش في حارة شعبية في مدينة سنندج غربيّ إيران: "كان لدينا هاتف ذكي واحد في البيت يملكه زوجي. وعندما يعود إلى البيت في وقت متأخر من مساء كل يوم، كان يستخدمه ابني في المرحلة الإعدادية لمتابعة برنامج شاد التعليمي التابع لوزارة التعليم والتربية". تتابع قائلة: "ابنتي وابني اللذان يدرسان في المرحلة الأساسية كانا يذهبان أحياناً إلى منازل أصدقائهما لاستعارة أجهزتهم الإلكترونية، الأمر الذي ساعدهما قليلاً. وخلال أيام الامتحانات، كان هاتف الأب يبقى في البيت لاستخدامه، ويساعدهما ابني البكر كثيراً في الإجابة عن الأسئلة لتجاوز الامتحانات".
وتقول إنه لم يكن في إمكانها سدّ فراغ التعليم الحضوري، لكونها تركت المدرسة بعد إنهاء الصف السادس الأساسي قبل ثلاثين عاماً، ولا تعرف عن النظام التعليمي الجديد شيئاً، لافتة إلى أنه بعد فتح المدارس يومين في الأسبوع قبل فترة، تبين لها حجم الخسارة و"علمنا أن أولادنا لم يتعلموا خلال جائحة كورونا".
وفي 20 يناير/ كانون الثاني الماضي، كشف نائب وزير التعليم والتربية الإيراني، صادق ستاري فرد، عن تراجع المستوى الدراسي لدى التلاميذ الإيرانيين ما بين 50 إلى 60 في المائة خلال العامين الأخيرين بسبب غياب التعليم الحضوري في ظروف تفشي كورونا. أضاف: "نواجه تحديات جادة في التعليم الافتراضي"، مشيراً في الوقت ذاته إلى "تبعات عدة" لهذا النوع من التعليم. وأوضح أنه "لا خيار إلا العودة إلى التعليم الحضوري"، مشيراً إلى أن "التعليم الحالي يمزج ما بين الحضوري والافتراضي"، مشيراً إلى أن وزارة التعليم والتربية تخطط ليكون التعليم حضورياً في النصف الثاني من العام الدراسي الحالي.
إلا أن إيران دخلت الموجة السادسة للجائحة منذ أواخر يناير/ كانون الثاني الماضي، الأمر الذي دفع السلطات الإيرانية إلى التحذير من احتمال إعادة فرض قيود في مواجهة الوباء، وسط انتقادات للسماح بفتح المدارس والجامعات لأيام محدودة بالأسبوع، الأمر الذي أدى إلى تعطيل "التعليم الحضوري الجزئي". إلا أن الموجة تراجعت أخيراً، ويتوقع أن تعيد السلطات الإيرانية فتح المدارس جزئياً بعد عطل رأس السنة الإيرانية الجديدة التي تبدأ في 21 الشهر الجاري وتستمر أسبوعين. كذلك تحدث نائب وزير التعليم الإيراني عن تبعات اجتماعية للتعليم الافتراضي بسبب عدم اندماج الأطفال في المجتمع.
في هذا الإطار، تقول آيدا، القاطنة غربيّ طهران، إن ابنتها التحقت هذا العام بالصف الثاني الأساسي، مشيرة في حديث لـ "العربي الجديد" إلى أن دخولها المدرسة صادف العام الأول من تفشي كورونا في إيران، لذلك لم تذهب إلى المدرسة وبدأت التعلم من البيت من خلال الشبكة الافتراضية. تضيف أن العائلة تمكنت من سد فراغ التعليم في المدرسة من خلال استقدام معلمة إلى البيت لتدريس ابنتها منذ عام تقريباً، لكن المشكلة التي نواجهها اليوم هي رفض الطفلة الذهاب إلى المدرسة وعدم قدرتها على الاندماج فيها. وتوضح أنه "منذ شهرين، عندما بدأت تفتح المدارس جزئياً، أخذناها إلى المدرسة مرات عدة، إلا أنها ترفض الالتحاق بها وتبكي".
وخلال ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أكدت نائبة وزير التعليم الإيراني لشؤون التعليم الأساسي، رضوان حكيم زادة، أن نتائج البحوث الميدانية تكشف "تراجعاً كبيراً" في مهارات التعلّم لدى تلاميذ المرحلة الأساسية، قائلة إن "هناك تراجعاً خفياً" بين تلاميذ المرحلتين الإعدادية والثانوية. تضيف أن "المستوى التعليمي للتلاميذ في القرى سجل تراجعاً أقل من المدن، لأن المدارس كانت مفتوحة، والتعليم كان حضورياً" في زمن كورونا.
ومنذ نحو أربعة أشهر، تعتمد مدارس إيران الدمج بين الحضوري والافتراضي، كما يقول مدرس اللغة العربية لمرحلة الثانوية العامة يوسف رضا زادة، الذي أشار إلى أن الحضور الجزئي في المدارس "ليس إلزامياً، لكن وزارة التعليم والتربية أصبحت توليه اهتماماً جاداً منذ نحو أسبوعين تقريباً، ويقتصر على الدروس الأكثر أهمية". ويقول لـ "العربي الجديد" إن "المواد النظرية غالباً ما تُدرّس افتراضياً عبر نظام شاد الافتراضي".
وفي ما يتعلق بتراجع التحصيل الدراسي لتلاميذ إيران، يقول إن ذلك "بات واقعاً تؤكده نتائج الامتحانات الحضورية"، مشيراً إلى أن "التلاميذ الذين كانوا يحتلون المراكز الأولى قبل تفشي كورونا ويحصلون على علامات عالية، تراجعت علاماتهم إلى النصف في ظل التعليم الافتراضي، الذي لا يلبي حاجاتهم التعليمية". ويؤكد زادة الذي ترجم كتباً من العربية إلى الفارسية أنه "عادة ما لا يتعامل التلاميذ بجدية مع التعليم الافتراضي، كذلك فإن بعضهم لا يشاركون في الصفوف الافتراضية بانتظام"، لافتاً إلى أن "بعض التلاميذ أصبحوا يعملون في ساعات الدوام المدرسي في مراكز مثل المتاجر ومرائب تصليح السيارات".
ويقول رضا زادة إن غياب نظام افتراضي شامل وفعّال للتعليم يُعَدّ سبباً آخر لضعف المستوى الدراسي للتلاميذ الإيرانيين خلال تفشي كورونا، لافتاً إلى وجود مشاكل تقنية في شبكة "شاد" الإلكترونية الإيرانية المخصصة للتعليم الافتراضي. ويرى أن "غياب التواصل المباشر بين المعلم والتلميذ يحول دون تقييم المستوى التحصيلي للتلاميذ لتشخيص النواقص من قرب والعمل على رفعها"، مشيراً إلى أن التعليم الافتراضي عوّد بعض التلاميذ البحث عن إجابات جاهزة لأسئلة الامتحانات.