لم يتجاوز عمر متحف الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني عامه الخامس والعشرين، غير أنّه تحوّل سريعاً إلى مقصد سياحي بارز في قطر يجذب المواطنين كما الوافدين المقيمين وزائري البلاد.
يُعَدّ متحف الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني، الواقع في منطقة الشيحانية شمال غربي الدوحة، أكبر المتاحف الشخصية في العالم، ويمتدّ على مساحة نحو 50 ألف متر مربّع. ويضمّ أكثر من 30 ألف قطعة معروضة تعود إلى عصور قديمة، من العصر الجوراسي إلى ما قبل الإسلام والعصر الإسلامي وحتى اليوم. وتتنوّع المعروضات ما بين أسلحة فردية قديمة، ومنسوجات، وسيارات، وعملات معدنية، ومخطوطات، وسجاد، وملابس، وآلات موسيقية، وتحف قطرية تقليدية، وأبواب خشبية، ومعدّات غوص خاصة بصيد اللؤلؤ، وغيرها من النفائس. وهكذا، يستطيع الزائر الغوص في ثقافة أربع قارات في مكان واحد.
وقد تأسّس المتحف على يد الشيخ فيصل بن قاسم بن فيصل آل ثاني، من مواليد عام 1948، الذي يُعَدّ أحد أبرز رجال الأعمال في قطر، وقد احتلّ المرتبة 18 بين أثرياء العرب بحسب قائمة مجلة "فوربس الشرق الأوسط" في عام 2016، فيما منحته جامعة الدول العربية لقب "شخصية التراث العربي لعام 2012". منذ صغره، كان الشيخ فيصل شغوفاً بالتحف والقطع الفنية، كما والده الذي كان يصطحبه لزيارة المتاحف والمواقع الأثرية في منطقة الخليج العربي ومصر وسورية وتركيا واليونان وغيرها من البلدان.
يخبر الشيخ فيصل في حديث سابق إلى وكالة الأنباء القطرية (قنا) أنّ البداية كانت من خلال جمع اللُّقى الأثرية (المتحجّرات) والطوابع البريدية والألعاب والقطع الفنية المختلفة، خصوصاً تلك التي كانت تعود إلى شخصيات مشهورة، موضحاً أنّه "مع مرور الوقت، ازداد اهتمامي بهذا العالم، بل وأصبحت جزءاً منه ليتّسع مجال اهتمامي ويشمل العديد من القطع ذات البعد التاريخي من جميع أنحاء العالم، ما دفعني إلى التفكير في أن تصبح هذه المجموعة المتميّزة في متناول أيدي كلّ محبّ وعاشق للتاريخ والتراث. فكان هدف المتحف الحفاظ والتوثيق والعرض لكلّ القطع التراثية التاريخية الفنية".
بالنسبة إلى الشيخ فيصل، فإنّ هذه الهواية تُعَدّ مكلفة جداً وتحتاج إلى عناية فائقة، لافتاً إلى كنوز يضمّها متحفه وقد فُقدت من السوق على الصعيد العالمي. وعلى سبيل المثال، ثمّة سجّادة عُرض عليه بيعها قبل 10 أعوام في مقابل أكثر من 10 ملايين جنيه إسترليني (12.65 مليون دولار أميركي).
وإذ يشرح أنّه جمع مقتنيات المتحف من خلال الشراء أو بعد تلقيها كهدايا أحياناً، يشدّد على حرصه على اصطحاب عدد من الشخصيات البارزة في مجال العلم أو السياسة بنفسه، في جولة داخل المتحف، نظراً إلى ما يحويه من نوادر لا يملك غيره مفتاحها ولا تقدّر بثمن.
ويضمّ المتحف الذي شُيّد على الطراز العمراني التراثي القطري 16 قسماً إلى جانب قاعات كبرى تتفرّع منها دهاليز مثلما توضح اللافتات المنتشرة في أروقة المبنى. في الدهليز الأوّل، عُرضت قطع من الأثاث المنزلي، مثل المرايا الكبيرة والطاولات والكراسي التي زُيّنت بأشكال من الزخرفة الإسلامية، ومن أشهرها أرابيسك التي اشتهرت في دمشق والقاهرة والتي تعتمد على تطعيم القطع الخشبية بمواد مثل العاج والصدف وغيرهما.
في الدهليز الثاني، بين القاعة الكبرى وقاعة الفن الإسلامي، نجد مجموعة من الدروع القتالية، من بينها الساموراي الياباني. وثمّة معروضات نادرة، من بينها مجموعة من الأحزمة التي كانت تستخدمها النساء في تركيا والقوقاز مطعّمة بالذهب والأحجار الكريمة من القرن التاسع عشر، وغطاء رأس شركسي مطرّز بخيوط الذهب من القرن الثامن عشر، وسيف من الفولاذ منقوش بأشكال نباتية وحيوانية طُعّم مقبضه بالذهب والفضة وهو من الهند ويعود إلى القرن الثامن عشر. كذلك ثمّة معصرة حجرية خاصة بزيت السمسم، تشير لوحتها التعريفية إلى أنّها من اليمن وعمرها 3000 عام.
في رواق كبير، يستقبل الزائر باب خشبي كبير نُقشت عليه أسماء القبائل القطرية مع وسم الإبل الخاص بكل قبيلة. هذه الوسوم هي رموز لهوية القبائل، تُطبع على الإبل بواسطة ختم حديدي يُسخّن على النار، بهدف تحديد ملكية كلّ جمل. وعلى مقربة من الباب، بيت تراثي قطري بكل تفاصيله.
كذلك، يضمّ المتحف بيتاً دمشقياً مماثلاً لبيوتات العاصمة السورية الشهيرة، التي أحيتها مسلسلات البيئة الشامية، من قبيل بيت وكيل وبيت جدي وبيت الأمير عبد القادر الجزائري. وفي داخل البيت فناء تتوسّطه نافورة مياه وتحيط به الغرف التي تتخلّلها في أماكن عدّة زخرفات رخامية.
وتفيد المعلومات بأنّه بيت خالد العظم الذي كان في حارات دمشق القديمة والذي فُكّك ونُقل وأعيد بناؤه داخل متحف الشيخ فيصل بحرفية عالية، علماً أنّ عمر البيت 243 عاماً. وتُعرَض في داخل البيت "تذكرة هوية" صدرت في السابع من تموز/يوليو 1932، باسم "صاحب الدولة حقي بك العظم" وقد دُوّن في مقابل المهنة "رئيس الوزراء في الجمهورية السورية". وإلى جانب صورته بالأبيض والأسود في صدر البيت، كُتب "هو حقي بن عبد القادرالمؤيد العظم، ولد عام 1865 ميلادي، تعلّم في دمشق وأجاد اللغة العربية والتركية والغربية، هو أوّل رئيس للوزراء في عهد الجمهورية السورية، وحاكم دولة دمشق وترأس مجلس الشورى مرّتَين وتوفي في القاهرة عام 1955".
يقول مدير متحف الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني كلوديو كرافيرو لـ"العربي الجديد"، إنّ "المتحف الرئيسي أُنشئ في منطقة الشيحانية عام 1998، ومتحف السجاد في قلب الدوحة عام 2014، ومن المرتقب افتتاح متحف السيارات قريباً"، موضحاً أنّ "متاحف الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني تعمل على إشراك المجتمعات وربطها بالتراث القطري من خلال الاحتفال بالتنوّع. ويهدف المتحف عموماً إلى إلهام الناس للتفاعل مع التراث الثقافي وتعزيز الحوار بين الثقافات".
ويؤكد كرافيرو أنّ "مجموعات متحف الشيخ فيصل غنية وفريدة، ومن خلالها تلتقي الثقافات المختلفة من دون اتّباع تصنيف صارم وهرمي. فالمقتنيات الفريدة والسيارات النادرة تُعرَض جنباً إلى جنب مع المقتنيات الأقلّ قيمة، وكلّ ذلك شاهد على تطوّر الإبداع البشري عبر التاريخ".
وإلى جانب المجموعة الواسعة من الثقافات والجغرافية التي يغطّيها المتحف، فإنّ التراث القطري محفوظ في غرفة الريان، حيث يستطيع الزائرون استكشاف تاريخ البلاد. وفي القاعة الكبرى بالمتحف، خُصّص جناح كامل للغوص والبحث عن اللؤلؤ من خلال المراكب الشراعية الأصلية وأدوات الصيد. تُضاف إلى ذلك أقسام أخرى تحتوي على مقتنيات الشيخ فيصل الشخصية وعائلته. ويلفت كرافيرو هنا إلى أنّه "ومع ذلك، فإنّ القطع ذات الصلة بالتراث المادي وغير المادي لقطر تتناثر في كلّ أنحاء المتحف، وتمثّل عناصر الترابط ما بين دولة قطر والمنطقة وخارجها".
ومع اقتراب استضافة قطر بطولة كأس العالم لكرة القدم (مونديال 2022) في شهرَي نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأوّل المقبلَين، يتوقّع كرافيرو أن "يستقبل المتحف أعداداً كبيرة من الزائرين، مع استقبال البلاد أكثر من مليون مشجّع"، مشيراً إلى أنّ "الإدارة أعدّت 18 منطقة لاستقبال المشجّعين بهدف إطلاعهم على المعروضات، خصوصاً ما يتعلق ببطولات الصقارة والصيد".
وفي قسم السيارات، تُعرَض مجموعة متنوّعة من السيارات الكلاسيكية التي استخدمها حكّام قطر، علماً أنّ متحف الشيخ فيصل يحتوي على نحو 700 سيارة، مع عرض 50 منها للزائرين حالياً. وتشمل تلك الآليات وسائل النقل القديمة مثل العربات والسيارات البخارية، إلى جانب تشكيلة واسعة من السيارات النادرة التي تعود إلى ما قبل عام 1885.