لم يشهد العراق في تاريخه الحديث أزمة توازي دخول تنظيم "داعش" إلى مدن الشمال والغرب عام 2014، ما أدى إلى نزوح الملايين. ورغم تحرير هذه المدن في خريف 2017 تستمر معاناة آلاف من الهاربين، وذلك "لأسباب أمنية وخدماتية وسياسية" يستعرضها وكيل وزارة الهجرة والمهجرين كريم النوري في حديثه لـ"العربي الجديد" هنا نصه:
*كيف تعاملت وزارة الهجرة والمهجرين مع أزمة النزوح بعد دخول تنظيم "داعش" إلى مدن العراق؟
- إثر أحداث يونيو/ حزيران 2014 وسقوط الموصل ومدن أخرى في يد تنظيم "داعش"، حدثت أكبر أزمة إنسانية بتاريخ العراق والمنطقة إثر نزوح سكان من مدن كاملة تجاوز عددهم 5 ملايين انتموا إلى 850 ألف عائلة. وقد تعاملت وزارة الهجرة بمساعدة منظمات دولية مع الملف عبر تلبية جهود الإغاثة وتوفير الإيواء. وبعد تحرير المناطق التي احتلها التنظيم بوشرت عملية إعادة النازحين إلى ديارهم، بالتنسيق مع عدة جهات بهدف تأمين متطلبات عودتهم.
*كم عدد العائلات العائدة وتلك التي ما زالت في مخيمات النزوح، وأين تنتشر؟
- لم يبقَ سوى 28 من أصل 178 مخيماً أنشئت للتعامل مع أزمة النزوح، بينها مخيمان في الجدعة جنوبي الموصل و26 تنتشر في محافظات دهوك وأربيل والسليمانية بإقليم كردستان. ومجموع النازحين الذين تتضمنهم لا يتجاوز 37 ألفاً، غالبيتهم من محافظتي نينوى وقضاء سنجار التابع لها. وعملية العودة مستمرة بالتعاون مع عدة وزارات وجهات أخرى، وتحصل أيضاً بمساعدة منظمات دولية، مثل المنظمة الدولية للهجرة. والحقيقة أننا لا نُجبر أحداً على العودة، لكن بعضهم لا يريدون ذلك لأن متطلبات رجوعهم إلى مناطقهم لم تتحقق، وفي مقدمها وجود الخدمات الأساسية.
*باعتبار أن معظم النازحين الحاليين من سنجار، لماذا بقي ملفهم من دون حل؟
يعرقل أمران عودة النازحين، أولهما الأوضاع الأمنية السائدة في مناطقهم، ورغبتهم في استقرارها كلياً، والثاني وجود نقص في الخدمات، أو تدمير منازلهم التي يجب إعادة بنائها أو توفير بدائل. وميدانياً فرضت الحكومة الاتحادية وجودها في سنجار، وانتشرت القطع الأمنية، والأمور تسير نحو الحل.
*هل يعني ذلك أن إعادة نازحي سنجار والقادمين من مناطق أخرى ستنجز كلياً عام 2023؟
- لا نستطيع أن نضع سقفاً زمنياً لعودة من تبقى من النازحين لأن ظروفاً بعضها يتعلق بالتدخلات السياسية توجد عوائق أحياناً. وأنا أؤكد أن الحكومة العراقية مع العودة الطوعية لا القسرية، أما دور وزارة الهجرة فيتلخص في متابعة عمليات الإغاثة ومتطلبات الإيواء. وعموماً تخلق قضايا أمنية وسياسية ولوجستية عوائق أحياناً، وذلك خارج إرادتنا.
*كيف يدار ملف المخيمات الـ26 التي تتواجد في إقليم كردستان، وهل تقدم الحكومة الاتحادية أموالاً للإقليم؟
- وزارة الداخلية في إقليم كردستان مسؤولة عن إدارة المخيمات، في حين يعتمد تمويلها على ما تقدمه الحكومة العراقية، والمستلزمات التي توفرها منظمات الإغاثة الدولية والحكومة على صعد الإغاثة والإيواء والدواء والغذاء. ونحن ندعو إلى أن تتضافر جميع الجهود لإعادة ما تبقى من النازحين، خاصة أنهم يتواجدون في مدن معروفة بشتائها القارس، والخيم التي يعيشون فيها لن توفر لهم الدفء.
*هل تتابعون أوضاع العائدين إلى مناطقهم، وهل رصدتم حالات انتقام؟
- نتابع بالتأكيد أوضاعهم من خلال فروع وزارة الهجرة في مناطقهم، وبرنامج العودة طوعي، وقد نتدخل إذا تطلب الأمر إجراء مصالحات لإنهاء مشاكل تعترض عودة بعض العائلات التي خرجت وتمنع نزاعات أو مشاكل عشائرية عودتهم. والحقيقة أننا نجد تجاوباً من العشائر التي أجريت مصالحات بينها برعاية الحكومة بهدف تطبيع الأوضاع، وإعادة الحياة إلى سابق عهدها. كما لم تسجل أي حالة انتقام ضد عائدين أو خروقات أمنية. ووزارة الهجرة تؤكد دائماً أن القضاء يجب أن يفصل في أي قضية، خاصة في ما يتعلق بمن عليهم إشارات أمنية. ونعلم أن الأجهزة الأمنية تنفذ كل ما يلزم للتعامل مع من يتأكد تورطه بالإرهاب بتطبيق الإجراءات القانونية في حقه، وإحالته إلى القضاء.
*كيف تقيمون الدعم المالي المقدم من المنظمات الدولية؟
- ليس الدعم المالي في مستوى الطموحات، وتراجع بعد اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية على خلفية الأزمة الإنسانية التي حدثت في أوروبا، وبعض المنظمات أوقفت الدعم لأنها تقول إن العراق بلد غني ولديه واردات نفطية جيدة، ولا يحتاج إلى دعم مالي يخص ملف النازحين.
*ماذا عن المخصصات الحكومية للنازحين، ولماذا يتأخر صرفها للمستحقين؟
- خصصت الحكومة 50 مليار دينار (34 مليون دولار) لملف النازحين ضمن قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية المقرر لوزارة الهجرة هذا العام. وهذا مبلغ قليل جداً، علماً أن الوزارة اقترحت رصد 100 مليار (68 مليون دولار) لتوفير مبالغ إضافية تشجع النازحين على العودة إلى مناطقهم، لكن طلبنا لم يعتمد في القانون. ولا بُد من الإشارة إلى أن صرف المنح يتطلب تأكيد العائلات رغبتها في العودة، علماً أن من عادوا فعلاً وسجلوا أسماءهم مُسبقاً منحوا أولوية في الحصول على منحة مليون ونصف المليون دينار (1000 دولار). والحقيقة أن عدم إقرار موازنة 2022 وقلة مخصصات قانون الدعم الطارئ منعا توسيع عدد المشمولين، ونتمنى من الحكومة الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني أن تضع أولوية لمعالجة ملف النازحين، وإنهاء المعاناة.
*هل يمكن إنهاء ملف النازحين بالكامل عام 2023، وهل العقبات إجرائية ولوجستية أم سياسية؟
- نعم يمكن ذلك إذا لم تحصل تعقيدات وتدخل السياسة على الخط، إذ يمكن حل أي مشاكل أخرى إجرائية ولوجستية، ووزارة الهجرة تعمل لإعادة النازحين في أسرع وقت، لأنه من المعيب أن تستمر أزمتهم رغم تحرير الأراضي واستقرار الأوضاع.
*هل معوقات عودة النازحين من جرف الصخر شمالي بابل لوجستية أم سياسية؟
- ليس ملف إعادة النازحين من جرف الصخر في يد وزارة الهجرة بل في يد الجهات الأمنية التي تقول إنها تتطلب عمليات تدقيق أمني. ووزارة الهجرة معنية بالإغاثة والإيواء، وبإجراءات إعادة النازحين إلى ديارهم فور انتهاء عمليات التدقيق في كل مكان بالعراق.
*ما آخر تحديث لعدد العائدين من مخيم الهول؟
- عادت قبل أيام 158 عائلة تضم نحو 560 شخصاً، ما رفع العدد الكلي للعائلات العائدة إلى 925 تضم 3800 شخص تقريباً. وقد عاد 60 في المائة من هؤلاء إلى ديارهم، والعدد الكلي للعراقيين المتواجدين في مخيم الهول هو 19 ألفاً، غالبيتهم من الأطفال. وهذا عدد كبير جداً، ونتوقع أن تتم إعادة الباقين خلال أشهر بعد إنجاز التدقيق الأمني.
*ما الآلية المطبقة لإعادة الراغبين بالعودة الذين يتواجدون في مخيم الهول؟
- نخضع العائدين لتدقيق أمني حيث يلتقي المشرفون على هذه الإجراءات الراغبين في العودة ويسجلون أسماءهم تطبيقاً لقرار مجلس الأمن الوطني رقم 7 لعام 2021 الخاص بتشكيل لجنة برئاسة مستشارية الأمن القومي وعضوية قيادة العمليات المشتركة ووزارة الهجرة لمقابلة العائلات العراقية المتواجدة في مخيم الهول التي ترغب في العودة للتأكد من سلامة أوضاعهم الأمنية.
*كيف تحصل عمليات التأهيل، ومن يتعاون معكم؟
معظم العائدين من مخيم الهول من كبار السن والنساء والأطفال، وتخلو سجلاتهم من إشارات أمنية. ومن يثبت سلامة وضعه يُنقل إلى مخيمي الجدعة 1 و5 جنوبي الموصل، ويخضع لفترة تأهيل بإشراف فريق الدعم النفسي التابع لمستشارية الأمن القومي لفترة تستغرق بين 3و4 أشهر. ونحن نجد من العائدين تفاعلاً طيباً ورفضاً للأفكار المتطرفة واستعداداً للاندماج في المجتمع. وبعد استكمال عملية التأهيل تتم إعادتهم إلى مناطق سكنهم في عملية يسبقها التواصل مع الحكومات المحلية في محافظاتهم والأجهزة الأمنية. وتتعاون 11 منظمة دولية معنا في الملف.
*في السابق حذرت القيادة المركزية الأميركية من أن عدم إعادة المتواجدين في مخيم الهول إلى بلدانهم ينذر بخطر كبير. ما تعليقكم على ذلك؟
- نعم بقاؤهم خطر على العراق والمنطقة، لأن هناك من يحاول أن يلقن الأطفال والشباب الأفكار المتطرفة، ما قد يولّد جيلاً من "داعش" أخطر من سابقه إذا لم يحل ملف مخيم الهول ويفكك ويغلق بعد إعادة من ليس عليهم إشارات أمنية لبلدانهم.
كثير من المتواجدين قادمون من أوروبا، ويجب أن تبادر دولهم إلى حل ملفاتهم. ولدينا في العراق تجربة ناجحة طبقت فيها معايير علمية للتأهيل النفسي والمجتمعي، وجميع العائدين إلى ديارهم لم تسجل عليهم أي إشارات، وهذا النجاح دفع دولاً عدة لديها رعايا في المخيم إلى القيام ببرامج مماثلة بهدف إعادتهم.
*هل تقدمون مساعدات للعراقيين في دول الجوار وأوروبا. وهل ثمة حوافز تشجع الراغبين في العودة؟
- لدينا مكاتب في الأردن وتركيا وإيران ومصر ودول أخرى تتواصل مع العراقيين، وننسق مع وزارة العمل لتخصيص مساعدات للمحتاجين الذين يجب وضع قاعدة بيانات لهم تتضافر فيها جهود وزارات الهجرة والعمل والشؤون الاجتماعية والخارجية والسفارات للحصول على معلومات كافية، والوصول إلى الجميع ومساعدة المحتاجين مادياً.
نقدم حوافز لمن يرغب في العودة، مثل الإعفاء الضريبي، ونعيد المفصولين السياسيين إلى دوائرهم، ونقدم قروضاً ميسرة ومساعدات مالية ومنحة بقيمة 4 ملايين دينار عراقي (2700 دولار).
*ما حقيقة إبرام اتفاقات مع دول الاتحاد الأوروبي لإعادة اللاجئين العراقيين هناك؟
- لا اتفاقات لإعادة العراقيين قسراً، ونحن نوفر متطلبات من يرغب بالعودة طوعاً. وبعد الحرب الروسية على أوكرانيا علق عدد من العراقيين على حدود أوكرانيا مع بولندا وليتوانيا. وقد ساعدنا أكثر من 4500 منهم على العودة بالتنسيق مع وزارة الخارجية، ووفرنا جوازات لمن لا يملكونها، وأعدناهم إلى بلدهم.
*ما الآلية المطبقة لإعادة العراقيين الذين يرغبون في العودة طوعاً إلى بلدهم؟
- يجب أن يراجع هؤلاء السفارات العراقية في البلدان التي يتواجدون فيها، ويقدموا أوراقهم الرسمية، ثم تنفذ عملية التدقيق في البيانات تمهيداً لإطلاق مرحلة الإعداد للعودة، وصولاً إلى حجز تذاكر سفر بالطائرات للعودة إلى العراق. ومن لا يملك أوراقاً ثبوتياً، يجب أن يقدم ما يؤكد هويته كي تطبق الإجراءات ذاتها معه.