قصف الاحتلال يحول "مدينة حمد" إلى منطقة أشباح

27 اغسطس 2024
حجم الدمار هائل في مدينة حمد (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تدمير مدينة حمد السكنية:** كانت مدينة حمد في قطاع غزة منطقة مخططة عمرانياً قبل أن يدمرها قصف الاحتلال الإسرائيلي، مما أدى إلى تدمير مبنى يضم شققاً للأسر الأشد فقراً، بما في ذلك أسرة عطاف الفلاح.

- **معاناة السكان والنزوح:** نزحت أسرة الفلاح وسكان آخرون إلى منطقة قريبة بعد تدمير منازلهم، حيث تم وضع الأطفال والنساء في الخيام. دمر الاحتلال معظم مباني المدينة، مما دفع السكان للاحتفاظ بمفاتيح منازلهم كتذكار.

- **التكاتف المجتمعي والمقاومة:** شكل أهالي المدينة لجنة لمتابعة شؤون السكان وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، مما ساعد في إبقاء الترابط بينهم. استقبل السكان النازحين من أقاربهم رغم الظروف الصعبة واستمرار الاحتلال في تدمير المدينة.

كانت مدينة حمد إحدى المناطق القليلة المخططة عمرانياً في قطاع غزة ولا تعرف الزحام القائم في بقية المناطق، قبل أن يدمرها قصف الاحتلال.

نشر جيش الاحتلال الإسرائيلي مقطع فيديو يظهر تدمير مبنى بالكامل داخل "مدينة حمد السكنية" بالقرب من مدينة خانيونس، جنوبي قطاع غزة، وكان المبنى يضم شققاً سكنية لعدد من الأسر الأشد فقراً، من بينهم أسرة الفلسطينية عطاف الفلاح، التي تضم خمسة أيتام حصلوا على الشقة بدعم قطري قبل أكثر من سبع سنوات. 
كانت الفلاح (47 سنة)، تشاهد مقطع الفيديو بينما يتقطع قلبها، كما تقول، إذ يدعي الاحتلال في الفيديو أنه قضى على مراكز وجود "إرهابيين"، بينما في الحقيقة يضم المبنى المكون من خمسة طوابق 25 شقة سكنية، وجميع أصحابها مدنيون، وهم من أسر الأيتام والشهداء والعائلات شديدة الفقر، وجميعهم خرجوا من مناطق مخيمات أو منازل رديئة إلى المدينة التي أصبحت أملاً لهم. 
كانت أسرة الفلاح من بين الأسر التي تعتمد على مساعدات دورية تقدمها وزارة التنمية الاجتماعية، وعلى "الكابونة" الدورية التي تمنحها وكالة "أونروا"، وتتيح لها بعض الدقيق والأرز والسكر وكمية من البقوليات، فابنها الأكبر خريج جامعي لكنه عاطل من العمل، وبقية الأبناء يدرسون في مراحل تعليمية مختلفة. تقول الفلاح لـ"العربي الجديد": "كان يكفينا خبز وزعتر وكأس من الشاي، وكنا راضين بالنصيب. المهم أنه كان لدينا منزل آمن يحمينا من حرارة الشمس صيفاً ومن برد الشتاء، وكنا نعيش في سلام منذ حصلنا عليه بعد عدة سنوات من فقد زوجي قبل 12 سنة نتيجة تداعيات إصابة تعرض لها خلال العدوان الإسرائيلي الأول بين عامي 2008 و2009". 

انسحبت قوات الاحتلال من مدينة حمد بعدما دمرت منازلها ومرافقها

تضيف: "نزحت مع عدد من سكان مدينة حمد إلى منطقة قريبة، وهناك تم وضع الأطفال والنساء في الخيام، بينما كان الرجال يبيتون بين الخيام أو في العراء، وقد شاهدنا تدمير المدينة بأعيننا عندما أغار الاحتلال عليها مرات عدة، وفي إحدى المرات دمر القصف أكثر من عشرة أبراج سكنية في أقل من ساعة، وكنا نشاهد الدخان والغبار يملأ السماء. عندها تذكرت فرحتنا عندما دخلنا المنزل لأول مرة، كما تذكرت كل لحظة سعادة فيه، فقد كان بالنسبة لنا أملاً جديداً كوننا فقراء لا نستطيع شراء منزل. لقد كان منزلنا جميلاً، لكن الاحتلال دمره، ودمر معه مصدر أماننا الوحيد، وقتل الكثير من عائلاتنا، وأنا شخصياً فقدت ثلاثة من أشقائي". 

خسر الآلاف مساكنهم في مدينة حمد (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)
خسر الآلاف مساكنهم في مدينة حمد (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)

وبُنيت مدينة حمد السكنية على ثلاث مراحل، من خلال اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة، والتي دمّر قصفُ الاحتلال الإسرائيلي مقرَّها في غربي مدينة غزة. وخلال العدوان الحالي، دمّر الاحتلال معظم مباني المدينة البالغ عددها 53 مبنى، تضمّ 2464 وحدة سكنية، كما دمّر البنية التحتية للمدينة بالكامل، ومن بينها المسجد والمدرسة.
وانسحبت قوات الاحتلال الإسرائيلي صباح الأحد الماضي من المدينة بعدما دمرت غالبية مبانيها، وعادت أعداد كبيرة من السكان لتفقد مساكنهم، وقد صدموا لتدمير منازلهم، فعادوا بمفاتيح المنازل كي يحتفظوا بها كما احتفظ أجدادهم بمفاتيح منازلهم عقب النكبة الفلسطينية في عام 1948. 
من بين هؤلاء إسلام العجل (40 سنة)، الذي حصل على المنزل كمنحة جزئية كونه من بين أصحاب الأسر الأشد فقراً في غزة التي تضم مسنين ومرضى، وقد نزح قبل أشهر إلى جامعة الأقصى خشية على سلامة والدته المسنة وأطفاله بعد أوامر الاحتلال بإخلاء المنطقة، وكان قد استضاف أشقاءه النازحين من مدينة غزة بعدما دمر الاحتلال منازلهم في بداية العدوان، لكنه أصبح نازحاً مثلهم.
سارع إسلام لتفقد المنزل عقب الانسحاب الإسرائيلي، لكنه وقف لفترة لا يمكنه إيجاده، ثم تعرف إليه من الحائط الزهري الذي طلاه بنفسه ضمن غرفة بناته الصغيرات، والذي بقي على حاله داخل المنزل شبه المدمر، فانخرط في نوبة بكاء. يقول لـ"العربي الجديد": "كنا نتوقع الإخلاء، وكنا متجهزين له عبر وضع الملابس والأغراض في أكياس بلاستيكية، لكنهم دمروا المدينة خلال العملية العسكرية التي استمرت نحو ثلاثة أشهر في بداية العدوان، إلى جانب القصف المتكرر في نهاية العام الماضي. بعدها قلنا إنه لن يحصل تدمير إضافي، فعدنا، لكنهم هاجموا الأحجار القليلة التي تحمينا". 

يتكرر استهداف مدينة حمد منذ بداية العدوان (أحمد حسب الله/Getty)
يتكرر استهداف مدينة حمد منذ بداية العدوان (أحمد حسب الله/Getty)

يضيف: "واجهنا إذلالاً غير مسبوق، ونزحنا كثيراً، ويلاحقنا الاحتلال في كل مكان ننزح إليه، ونتمنى أن ينتهي هذا الكابوس. كنا ننظر إلى مدينة حمد على أنها أملنا الأخير، حتى بعد تدمير أجزاء منها في نهاية العام الماضي، وقد قبلنا أن نعيش بين الركام داخل أربعة حيطان، لكن الاحتلال لاحقنا ودمر ما تبقى". 
وبدأ الاحتلال الإسرائيلي التدمير الممنهج لمدينة حمد في بداية ديسمبر/ كانون الأول 2023، عبر قصف عدد من المباني والشقق السكنية، وعندها ألحق دماراً كبيراً بسبعة أبراج سكنية وأضراراً واسعة في البنية التحتية، وبعدها تكرر قصف عدد من الشقق السكنية بهدف تهجير الآلاف من سكان المدينة، الذين كانوا يستضيفون الكثير من أقاربهم النازحين. 
وعاد عدد من سكان المدينة إليها عقب الانسحاب الإسرائيلي في بداية إبريل/ نيسان الماضي من مناطق عديدة في خانيونس، ونصبت عدة عائلات خياماً بالقرب من منازلها المدمرة، وبعضهم نصبوا خيامهم داخل شققهم السكنية رغم تدمير النوافذ والأبواب، على اعتبار أن ذلك أفضل من نصب الخيام في العراء.
وشكل أهالي المدينة لجنة لمتابعة شؤون السكان وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لإبقاء الترابط في ما بينهم، حتى أصبحوا يشكلون مجتمعاً متكافلاً. 

كان عبد الله أبو سليمان واحداً من كبار المنطقة الذين يتولون حل الخلافات والمشاكل، وخلال جولة قام بها في المدينة، شاهد حجم الدمار الكبير الذي طاول المساكن والشوارع. يقول لـ"العربي الجديد": "لا يريد الاحتلال أن تعود المدينة إلى الحياة، ولا عودة سكانها، وحجم التدمير يجعلها غير صالحة للعيش، وقد طاول كل مقومات الحياة، سواء السوق التي خلقت مصادر رزق لكثيرين، أو مناطق الخدمات، وحتى مسجد الشيخ حمد".
يضيف: "منذ الأسبوع الأول للعدوان استقبل سكان المدينة عدداً كبيراً من النازحين من أقاربهم، خصوصاً من شمالي القطاع، لكن الاحتلال نفذ في الشهر الأول مجزرة داخل شقة سكنية جرى استهدافها بشكلٍ مباشر، واستشهد داخلها ثمانية أفراد، من بينهم خمسة أطفال. عندها بدأ الناس يأخذون حذرهم، وباتت التجمعات في الشوارع نادرة. كان الناس يصارعون للبقاء، فقد عاش الكثيرون منهم تحت ظروف الفقر الشديد في ظل حصار وفرص عمل شحيحة، ووجدوا في هذه المدينة أملاً، وعاشوا فيها لسنوات في سلام حتى أصبحت مجتمعاً متكاتفاً. الآن، دمر الاحتلال المباني والشوارع، وشرد آلاف الأسر، ومن بينهم أبناء شهداء، وأرامل، وذوو إعاقة وجرحى، ومسنون ومرضى. عاقبنا الاحتلال مرات عدة، وهو يلاحقنا في كل مكان".

المساهمون