تغلّب الخمسيني الفلسطيني مؤنس أبو شمالة، من مدينة خان يونس، جنوبي قطاع غزة، على إعاقته الحركية، عبر إتقان فن صناعة وغزل السجاد التقليدي، وهو امتهن حياكته منذ 25 عاماً.
وعلى كرسيه المُتحرك وبيد واحدة، استطاع الفلسطيني أبو شمالة، الذي لا يستطيع تحريك سوى رأسه وبعض الأصابع في إحدى يديه، بسبب إعاقته التي أصيب بها في الشهر السابع من عمره نتيجة خطأ طبي، إنتاج العديد من قطع السجاد، بأحجام مختلفة وأشكال متنوعة، تحمل ملامح تراثية، صُنعت بجودة واحترافية.
ويعكس المعمل الخاص بالسجاد، والذي يصنع فيه أبو شمالة قطعه المتنوعة، ملامح التراث الفلسطيني العتيق، إذ تُعتبر المهنة من المهن القديمة التي يعتمد فيها الصانع على مهارته الذهنية واليدوية باستخدام الخامات الأولية المتوافرة في البيئة المحلية.
ويقول مؤنس أبو شمالة لـ "العربي الجديد" إنه كان يرفض دائماً فكرة أنه يعاني من إعاقة، وذلك من خلال المحاولات العديدة لصناعة ما يميّزه عن غيره، مضيفاً: "عندما كنت في السابعة والعشرين من عمري، توجّهت لجلسة علاج طبيعي داخل جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، حيث صادفت عدداً من ذوي الإحتياجات الخاصة، يمتهنون حرفاً يدوية متنوعة، كان من بينها الحفر على الخشب والرسم على الزجاج، ما دفعني إلى تجريب الرسم على الزجاج والحرق على الخشب ومن ثم الرسم على السيراميك، وصولاً لورشة السجاد".
وبدأ أبو شمالة، الذي يعاني من إعاقة رُباعية، بتصميم السجاد التقليدي اليدوي داخل الورشة، وسط إعجاب وتشجيع المحيطين به داخل العمل والأسرة، ما دفعه إلى العمل داخل الورشة، وتطوير أدائه في الرسم وتنسيق الألوان و"الغُرز" – الغزل الخاص بالسجاد – ومن ثم الانطلاق نحو تجسيد تلك التصاميم على أرض الواقع عبر صناعة السجاد.
امتلاك مؤنس ليد واحدة، يُحرّك منها إصبعين فقط، وضعه أمام إشكالية حقيقية لحظة تفكيره في ممارسة هواية صناعة وغزل السجاد التقليدي على أرض الواقع، والتي تحوّلت إلى مهنة. إذ تحتاج تلك الصناعة إلى كلتا اليدين للإمساك بالغرزة ومن ثم إمساك طرفها، فقام باستخدام عصا قصيرة، وهي عود بحجم القلم، يستطيع من خلالها الإمساك بها بيد واحدة تمكّنه من إدخال الغرزة وإخراجها، والتحكّم فيها بسهولة، ويعوّض من خلالها فقدانه ليده الأخرى.
وتتنوع القطع التي يصنعها الفلسطيني أبو شمالة، والتي تغلب عليها الألوان التراثية الفلسطينية، وتحمل في طياتها عبق البلدات الفلسطينية العتيقة، والمدن الفلسطينية المُحتلة منذ عام 1948، من الأشكال الهندسية، والملامح التراثية المتمثلة في التطريز الفلاحي القديم، المزيّن بالزخارف دائرية وهندسية، مُحاطة كذلك بإطار زخرفي، إلى تجسيد الأشكال الطبيعية، والورود والأشجار، والتي زينت كذلك بإطارات متنوعة الألوان والأشكال.
ولا تعتمد صناعة السجاد بشكل كامل على الصوف، وفق تعبير أبو شمالة، إذ يتم دمجه بالقطن، وذلك منعاً للحرارة عند التخزين والتي تساهم في عدم ذوبان الخيطان، حيث إنّ مزج خيطان القطن مع الصوف يجعل القطعة تعيش لمدة تزيد عن القرن.
وتمُر عملية صِناعة قطع السجاد في العديد من الخطوات، تبدأ بتصميم الفكرة ورسمها على "لوحة المُربعات" وتحديد عدد الخيطان في الرسمة، ثم البدء بالتنفيذ وفق الرسمة المطلوبة، وصولاً إلى مرحلة اكتمال الرسمة و"حيكتها"، وتتنوع القِطع التي يتم غزلها، بين القطع المُعلقة والتي تُستخدم لتزيين الجدران، وبين قطع السجاد الأرضية.
ويعتبر أبو شمالة، والذي يتمسك بصناعة السجاد على اعتبار أنه جزء أصيل من التراث الفلسطيني العتيق، أن عمله يشعره بأنه عنصر فعّال في المجتمع، وليس شخصاً عاجزاً، داعياً مختلف شرائح المجتمع إلى الأخذ بيد الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، بهدف صقل مواهبهم، والاستفادة من طاقاتهم، ومحو النظرة المجتمعية القاصرة والخاطئة عنهم.