فلسطينيون في المستشفيات... المعلبات والأطعمة الفاسدة تسمّم أهل غزة

26 يونيو 2024
اللحوم تفسد سريعاً وسط الظروف المسيطرة على قطاع غزة (حسين جدي/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- سكان قطاع غزة يعانون من جوع غير مسبوق ويضطرون لتناول أطعمة فاسدة أو منتهية الصلاحية، مما يؤدي إلى زيادة حالات التسمم الغذائي.
- الأوضاع المعيشية الصعبة تجبر الأهالي على تناول الحشائش أو أعلاف الحيوانات، والمستشفيات تواجه ضغطًا كبيرًا بسبب نقص الأدوية والمحاليل الملحية.
- الحصار والقيود على دخول المساعدات تفاقم الأزمة الإنسانية، مع تلف المواد الغذائية ومعاناة العائلات من التسمم والأمراض، وتحذيرات من تفاقم الجوع والموت.

يومياً، يتوافد فلسطينيون من أهل غزة إلى عيادات ومستشفيات جراء إصابتهم بالتسمم الغذائي لتناولهم أطعمة فاسدة أو منتهية الصلاحية، وسط حالة من الجوع غير المسبوق في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وبحسب بيانات وزارة الصحة، أصيب مئات في قطاع غزة خلال الشهرين الأخيرين بالتسمم جراء الغذاء الفاسد في جميع المناطق والمحافظات. وكان أهالي المنطقة الشمالية قد عانوا من الجوع خلال الأشهر الثلاثة الأولى للحرب، وباتوا يتناولون أغذية مضرة وأعلاف الحيوانات بعد خلطها مع الدقيق.

ووصل إلى مستشفى كمال عدوان في منطقة مشروع بيت لاهيا الكثير من المرضى لإصابتهم بالتسمم الغذائي. وتعاني المنطقة جراء الجوع الذي تدفع الأهالي إلى تناول ما يتوفر بين أيديهم من طعام، بما فيها الحشائش. وعلى الرغم من أن البعض يدرك الأضرار الصحية، إلا أنهم يتابعون البحث عما يتوفّر من غذاء حتى لا يموت أطفالهم. دخل ثلاثة من أبناء سامح أبو ستار (42 عاماً) مستشفى كمال عدوان بسبب تناولهم معلّبات كانوا قد حصلوا عليها الشهر الماضي. سأل الطبيب عن تاريخ صلاحية المعلبات التي كانت عبارة عن بازلاء وحمص مطحون، ليردّ أبو ستار بأنه كان قد حصل على المعلبات قبل بدء العملية العسكرية في رفح، في إطار مساعدات برنامج الأغذية العالمي. لا يثق الأطباء بما يتناوله سكان المنطقة الشمالية مؤخراً. وفي الوقت نفسه، ما من خيارات أخرى أمام الفلسطينيين في قطاع غزة. يُعالج الأطباء حالات التسمم والمرضى والجرحى الذين يصلون المستشفيات والعيادات القليلة.

يتابع أبو ستار أن أحد أطفاله شرب مياهاً ملوثة ما أدى إلى معاناته من مشاكل جلدية. ويقول لـ "العربي الجديد": "أصيب أحد أطفالي بالتسمم الغذائي في مارس/ آذار الماضي، لكنه تعافى بعدما حصل على أدوية ومحلول ملحي". ويشير إلى ارتفاع نسبة التسمم بين الأطفال والمسنين في المنطقة الشمالية، وسط نقص في الأدوية. ينتظر المصابون طويلاً قبل الحصول على محلول ملحي". يضيف: "شمال القطاع يعاني الجوع والعطش والقتل والدمار والإبادة الجماعية. نخشى الموت بسبب الأمراض التي تنهش عظامنا. نبحث عن أي طعام لأننا لا نريد الموت لأطفالنا جراء سوء التغذية. صرنا نقرأ الفاتحة على أرواحنا قبل تناول الطعام خشية التسمم".

ويشكك فلسطينيون من أهل غزة في تاريخ صلاحية المعلبات التي ترسل إلى القطاع، جراء تأخير دخولها عبر المعابر. مع ذلك، ما من بديل أمامهم، كما أن البعض لا يملك المال لشراء الطعام. وتقول مصر وعدد من الدول المانحة إنها أرسلت شاحنات المساعدات إلى قطاع غزة، وتنتظر الشاحنات في معبر كرم أبو سالم ولا يتم إدخالها بصورة سريعة، عدا عن سوء التخزين ما قد يؤدي إلى تلفها. ويشير أهل غزة إلى تلف الكثير منها عندما دخلت للقطاع.

مؤخراً، أدخل الجانب الإسرائيلي بضائع إسرائيلية إلى القطاع، وسارع فلسطينيون من أهل غزة الذين يملكون المال إلى شرائها، وتم توزيع اللحوم المجمدة على عدد محدود من المحال التي استطاعت توفير ثلاجات لتخزينها لأيام محدودة وبيعها. لكن بسبب عدم قدرة الفلسطينيين في قطاع غزة على حفظ اللحوم وفق درجة الحرارة المناسبة بعيداً عن الشمس، كانت تتعرض للتلف.

توجه يوسف عبد السلام (36 عاماً) إلى إحدى العيادات بعدما تناول دجاجاً عمد إلى تخزينه في علبة بلاستيكية لبضع ساعات، وكان قد اشتراه من وسط سوق مدينة دير البلح. يقول لـ "العربي الجديد": "تعبنا كثيراً من طعام المعلبات والتسمم. أحتاج إلى تنويع الغذاء، وقد اشتريت الدجاج المثلج وحفظت بعضاً منه لساعات قليلة لتناوله في المساء. لكن الحر كان شديداً ولم يكن طعمها يدل على أي شيء فاسد. لكن الأطباء أخبروني أنها فسدت. وفي النتيجة، نعاني جراء الجوع والتسمم".

الصورة
يحملان كيساً حصلا عليه ضمن المساعدات القليلة (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)
بعض ممّا يحصل عليه أهل غزة في إطار المساعدات القليلة المخصّصة لهم (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)

بدورها، توجهت كاميليا ضاهر (37 عاماً) وزوجها وأطفالها الثلاثة إلى العيادة الصحية في مخيم النصيرات نتيجة التسمم بعد تناولهم معلبات وشربهم مياها ملوثة. ولا يزال زوجها يخضع للعلاج جراء التسمم، بالإضافة إلى نجلها الأصغر سلام (3 سنوات). أما هي وابنتها الكبرى سلمى (9 سنوات) وريما (6 سنوات)، فقد تحسنت صحتهن. تقول ضاهر لـ "العربي الجديد": "دمر منزلنا في مدينة غزة. كنا نحصل على مساعدات ونعد الطعام. لكن في الأيام الأخيرة، لاحظنا أن طعم المعلبات تغير، وقد تسبّب الأمر بتسممنا".

يتنقل الطبيب العام محمد أبو حليمة الذي يعمل في وزارة الصحة ما بين النقاط الطبية في منطقة المواصي ودير البلح، وذلك في خيام خصصت للمعاينات. يلاحظ الأطباء هناك تزايد حالات التسمم البكتيري جراء الأطعمة الفاسدة وعدم تبريدها، منها اللحوم. وهناك التسمم الفطري بعد رصد عدد من الفلسطينيين من أهل غزة يتناولون الفطر والحشائش. ويوضح أن الأعراض تتراوح ما بين الإسهال الشديد والتقيؤ والصداع وارتفاع الحرارة وآلام المعدة والدوار، بسبب غياب أدوات النظافة والتخزين. بالتالي، فإن الحالات إلى تزايد بسبب قلة دخول المساعدات الغذائية واشتداد العدوان والحصار من كل الجهات، الأمر الذي دفع الفلسطينيين في قطاع غزة إلى البحث عن أي مصدر للطعام.

ويقول أبو حليمة لـ "العربي الجديد": "نقيّم الحالة الصحية بناءً على الأعراض. وأحياناً، نحتاج إلى إجراء تحاليل مخبرية من أجل التشخيص بدقة. وكثيراً ما نعتمد على تقديراتنا ونعطي الدواء المتوفر للمريض. لكن في حال عدم استجابته، نطلب إجراء تحليل على الرغم من الضغط الكبير على المنشآت الطبية". ويلفت إلى وجود نقص كبير في المحاليل الملحية، التي تمنح لمرضى التسمم عبر الوريد. يضيف: "المشكلة الأساسية تتمثل في شرب مياه غير نظيفة، ما يزيد من حالات الإصابة بالتسمم، بالإضافة إلى فساد بعض الأطعمة نتيجة الحرارة المرتفعة وعدم القدرة على حفظها في مكان جاف أو بارد".

من جهته، يشير الطبيب المتخصص بأمراض الجهاز الهضمي محمد حسونة، إلى أن مضاعفات التسمم الغذائي تعد من الأمور الخطيرة التي يمكن أن تتسبب في مشاكل صحية جسيمة طويلة الأمد. وتشمل المضاعفات الشائعة مشاكل في المعدة والأمعاء مثل الإسهال الشديد والتقيؤ المستمر. ويحذر من ارتفاع حالات التسمم الغذائي التي تؤدي إلى الجفاف وتؤثر على الجهاز العصبي والكلى في ظل ضعف العناية الطبية الفورية في حال تطورت المضاعفات، وعدم وجود معدات ولوازم طبية. وأكثر من يعاني هم الأطفال وكبار السن الذين يحتاجون إلى علاج مكثف ومراقبة دقيقة لحالتهم الصحية.

يقول حسونة لـ "العربي الجديد": "يدخل العشرات يومياً المستشفيات والعيادات بسبب حالات التسمم في مختلف المحافظات في القطاع. وهناك نقص كبير في المضادات الحيوية والأدوية المضادة للطفيليات والمسكنات التي تساهم في تخفيف أعراض التسمم وتسرّع التعافي. حتى الأدوية التي تخفف من الغثيان والتقيؤ ناقصة".

وكان المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة قد رصد حالات تسمم بسبب تناول أغذية معلبة منتهية الصلاحية نتيجة للنقص الشديد في الطعام بالقطاع، مشيراً في بيان له إلى أن "السكان يأكلون معلبات منتهية الصلاحية ما يتسبب في تسمم أعداد كبيرة منهم". وأضاف أن "الجوع والأمراض تتزايد بين سكان القطاع وخاصة الأطفال منهم". وأوضح البيان أن "الاحتلال الإسرائيلي يمارس سياسة التجويع الممنهج ومنع المدنيين في قطاع غزة من العلاج"، مشيراً إلى أن "جيش الاحتلال الإسرائيلي يستهدف طواقم البلديات بشكل مباشر عند محاولتها إعادة تشغيل آبار المياه في القطاع"، ومذكراً بأن الاحتلال الإسرائيلي يستهدف أيضاً "طواقم الدفاع المدني بشكل مباشر ويتعمد إخراجها من الخدمة".

ومن جراء الحرب وقيود إسرائيلية تنتهك القوانين الدولية، يعاني الفلسطينيون في قطاع غزة، وخاصة في مناطق الشمال، من شح شديد في إمدادات الغذاء والماء والدواء، وصلت إلى حد تسجيل وفيات من جراء الجوع. وقد سبق وتوقع وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، في 12 يونيو/ حزيران الجاري، أن يواجه نصف أهل غزة الموت والجوع بحلول منتصف يوليو/ تموز المقبل، ما لم يتم السماح بحرّية وصول المساعدات.

المساهمون