أزمات عدة هي التي واكبتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر في منطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع. عدد كبير من الناس الذين يعيشون في مناطق النزاعات والأزمات يحتاجون إلى مساعدات طارئة ومستمرة. في هذا الإطار، التقت "العربي الجديد" المدير الإقليمي لعمليات اللجنة الدولية للصليب الأحمر في منطقة الشرق الأدنى والشرق الأوسط فابريزيو كاربوني، الذي تحدث عن العلاقة مع دولة قطر، وخصوصاً بعد توقيع اتفاقية المقر للجنة الدولية للصليب الأحمر في قطر، والهادف إلى الارتقاء بالشراكة الثنائية بين الجانبين في مختلف مجالات العمل الإنساني ذات الاهتمام المشترك، وتعزيز القدرات، والتنسيق على مستوى الحركة الدولية الإنسانية وغير ذلك. كما تطرق إلى عمل اللجنة في كل من سورية وتركيا بعد الزلزال المزدوج الذي ضربهما في فبراير/ شباط الماضي، وحجم المأساة، بالإضافة إلى أزمة مخيم الهول الواقع في شمال شرق سورية وأوضاع الأطفال المأساوية، والقضية الفلسطينية وغيرها، ليخلص إلى أن الناس بحاجة إلى دعم كثير وكمية أكبر من المساعدات، في ظل استمرار الحروب والنزاعات. وفي ما يلي مجموعة من الأسئلة التي طرحتها "العربي الجديد":
- أُعلن في شهر مارس/ آذار الماضي عن توقيع اتفاقية المقر للجنة الدولية للصليب الأحمر في قطر. ماذا يعني ذلك بالنسبة إليكم؟
هذا إنجاز كبير. كمنظمة إنسانية، نعمل في أماكن خطرة ومناطق نزاعات. ووجود مقر للمنظمة في العاصمة القطرية الدوحة ليس عملاً إدارياً فحسب، بل يعكس الثقة التي توليها قطر للجنة الدولية للصليب الأحمر. وبلا شك، فإن عملنا هنا يساهم في تسهيل اتصالاتنا وأعمالنا المشتركة مع الدولة المضيفة.
- وصلت إلى مطار بورتسودان الدولي (في ولاية البحر الأحمر بالسودان) أخيراً طائرة قطرية تحمل 15 طناً من المساعدات الطبية المقدمة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ما يعكس بداية تعاون مع دولة قطر. ماذا عن مجالات التعاون المشتركة التي اتفقتم عليها والتي ستسهل بلا شك عمليات الإغاثة الإنسانية؟
أشرتُ بداية إلى افتتاح المقر وماذا يعني ذلك بالنسبة إلينا وإلى الدولة المضيفة قطر. وكما قلت، الأمر يعبر عن الثقة بالصليب الأحمر وأهدافه الإنسانية. وهذه الثقة تمثلت بالمساعدة التي قدمت لنا رداً على طلبنا من قطر والهلال الأحمر القطري توفير طائرة لنقل المساعادت الطبية إلى بورتسودان، إذ تمت الاستجابة لطلبنا. ونقلت طائرة عسكرية قطرية معدات طبية ساهمت في إنقاذ الناس هناك. نسعى دائماً إلى بناء جسور من الثقة من أجل المستقبل ولمصلحة من هم بحاجة إلى المساعدات في الدول التي تعاني من أزمات ونزاعات مسلحة. ولا أريد أن أغفل الدور المهم الذي قامت به وزيرة الدولة للتعاون الدولي بوزارة الخارجية لولوة الخاطر، والتي ساهمت بتسهيل هذا العمل الإنساني والاستجابة لطلبنا خلال 24 ساعة.
- هل من مشاريع جديدة بين المؤسسات الإنسانية في قطر واللجنة الدولية للصليب الأحمر؟
بطبيعة الحال، نحن في تواصل مع العديد من المؤسسات القطرية، منها صندوق قطر للتنمية والتعليم فوق الجميع والهلال الأحمر القطري. وكمنظمة دولية إنسانية محايدة، يمكننا العمل في أماكن النزاعات التي لا تستطيع مؤسسات أخرى الوصول إليها أو العمل فيها، ما يشكل دافعاً بالنسبة إليها للتعاون معنا. في الوقت الحالي، نعمل مع صندوق قطر للتنمية على مشروع في ليبيا.
- ما هي الإنجازات التي حققتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر؟
نعمل في مناطق النزاع سواء في لبنان أو العراق واليمن وفلسطين وسورية. واجهنا خلال السنوات الأخيرة أزمة تفشي فيروس كورونا الذي أدى إلى آثار سلبية حول العالم. وهناك أزمة مناخية ظهرت تأثيراتها بشكل كبير في العراق واليمن، ناهيك عن تأثير الحرب الروسية على أوكرانيا والتي أدت إلى ارتفاع في الأسعار. وسط هذه الظروف المجتمعة، من الصعب التحدث عن إنجازات. ما أريد قوله هنا أننا كعاملين في المجال الانساني نشتري الوقت ريثما تتمكن أطراف النزاع من التوصل إلى حلول سريعة للنزاعات، ونحرص على إيصال المساعدات لجميع الذين يحتاجونها. لكن الحلول للأزمات سياسية. أستطيع الحديث عن إيصال آلاف الليترات من المياه وأطنان من المواد الغذائية توزع على المتضررين من النزاعات، إضافة إلى المعدات الطبية وغير الطبية التي نوفرها في مناطق الأزمات ولكن انجازنا أنه في الوقت الذي يغادر الناس الخرطوم، نبقى على الرغم من تعرض العاملين معنا لأضرار كغيرهم من الناس. كما كنا موجودين في اللحظات الأولى بعد وقوع الزلزال في تركيا وسورية على الرغم من تضرر مبانينا ومقتل أفراد من عائلات العاملين. أهميتنا وإنجازنا هو أن نبقى حين يخرج الآخرون.
- ماذا عن تمويل عمليات الإغاثة؟ هل لديكم ما يكفي وهل تلقيتم وعوداً بمزيد من التمويل؟
بالتأكيد ليس هناك دعم كاف. حجم الضرر نتيجة النزاعات والحروب كبير جداً، والحاجة كبيرة ومن الصعب تغطيتها. نواجه بعض المشاكل مع الدول التي كانت تقليدياً تمول اللجنة الدولية للصليب الأحمر والتي باتت تعاني من أزمات. نطمح أن تقدم دولة قطر دعماً للجنة الدولية للصليب الأحمر، والمهم أن يعرف الداعمون أن عملنا يتسم بالحياد والاحتضان الإنساني. نحن في حوار مع دولة قطر وهم يؤمنون بما نقوم به ويستجيبون لما نطلبه. وكما أسلفت، لا يمكن أن نغفل الاستجابة الفورية لطلب الصليب الأحمر في توفير طائرة لنقل المعدات الطبية إلى مطار بورتسودان خلال 24 ساعة.
- هل يمكن أن تروي لنا قصة تحرير المحتجزين في اليمن أخيراً، والدور الذي قامت به اللجنة الدولية للصليب الأحمر في هذا الإطار؟ كيف كان التجاوب؟ وما هي الأطراف التي ساعدتكم؟
نتحدث عن نزاع يزيد عمره عن 6 سنوات، وبناء الثقة بين الأطراف ليس سهلاً. لكننا نستطيع القول إن عملية الإفراج أظهرت أن الثقة موجودة. لم تكن عملية إطلاق سراح المحتجزين سهلة، وتطلبت الكثير من الجرأة السياسية قبل اتخاذ القرار. وحرصاً على أن تكون العملية مبنية على الثقة، يجب أن تتم بطريقة صحيحة. وهنا يأتي دورنا كطرف محايد يحرص على العمل بدقة وإنسانية. عملنا غير سياسي ولا نروّج لدولة أو طرف ونلتزم بكلماتنا لبناء الثقة مع الأطراف المختلفة ولا ننحاز لأي منها. للأسف، تتحدث بعض الدول عن مساعدتنا، وإعلان كهذا يأخذ أبعاداً سياسية ويكون الثمن أرواح زملائنا. وهنا أريد تسليط الضوء على الثمن الذي ندفعه حين نتحدث عن تبادل المحتجزين وقصف المطارات، منها ما حدث في مطار عدن. زملاء لنا فارقوا الحياة في مطار عدن، وزميلتنا يارا خواجة التي تشاركنا هذا الحوار أصيبت، وهذا ثمن غال ندفعه.
- هل العمل جارٍ لإطلاق سراح المزيد من المحتجزين؟
نعمل على تشجيع أطراف النزاع على الإفراج عن مزيد من المحتجزين إن لم يكن كلهم، علماً أن الأشخاص الذين يطلق سراحهم يوصفون بـ"المهمين"، فيما يصنف آخرون بأنهم أقل أهمية من حيث التبادل ولا يلتفت إليهم أحد. نشجع على إطلاق سراح جميع المحتجزين لإدخال الفرحة إلى قلوبهم وقلوب ذويهم، ودورنا سيتواصل لإطلاق سراح المزيد.
- قيل الكثير عن أزمة إدخال المساعدات إلى سورية بعد الزلزال، وقد تعاونتم مع الهلال الأحمر السوري لإدخال المساعدات إلى مناطق عدة، من بينها حماة وحلب واللاذقية. ما هي أبرز مشاهداتك هناك؟ وهل كان حجم المساعدات كافياً؟
وصلتُ إلى حلب مع رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر ميريانا سبولياريتش إيغر بعد 48 ساعة من حدوث الزلزال. البيوت التي تضررت من جراء الزلزال كانت متضررة أصلاً بسبب الحرب. رؤية آثار الحرب والزلزال كانت أمراً صعباً للغاية. يجب ألا ننظر إلى المتضررين من الزلزال على أنهم ضحايا فقط، بل هم أشخاص يحتاجون إلى مساعدات. وأذكر هنا أن زملاءنا في الهلال الأحمر السوري الذين تضرروا أيضاً، أحدهم الذي يعمل سائقاً أخبرني بأن 15 شخصاً من عائلته قتلوا أو أصيبوا من جراء الزلزال، ومع ذلك ذهب للعمل. حجم الدمار كان كبيراً في كل من سورية وتركيا، ونعترف بأننا لم نتمكن من تقديم المساعدات لكل من يحتاجونها.
- كثيراً ما تتحدّث خلال إطلالاتك الإعلامية عن مخيّم الهول. هل تخبرنا عن مشاهداتك؟ وكيف ترى الوضع في المخيم اليوم؟
إذا ما نظرنا إلى ما حل بالعراق وسورية خلال السنوات الأخيرة، فسنرى قصة عنيفة جداً، وقد فشل الجميع في تحقيق عمل إنساني فيها. أطفال مخيم الهول هم ضحايا وضعوا في هذا المخيم الواقع في الصحراء، حيث الحرارة ملتهبة والبرد قارس. يعيش 40 ألف طفل وسط المعارك وفي أوضاع غير مستقرة وحدهم أو مع أمهاتهم. والسؤال الصعب هو ما مصير هؤلاء؟ ماذا سيحصل لهم؟ هل يعودون إلى أوطانهم أم يبقون في المخيم... المكان الأقسى والأصعب في العالم؟
- كيف ترى الوضع في قطاع غزة وفلسطين بشكل عام؟ وكيف تقيمون عملكم هناك؟
ما يحدث في فلسطين يكسر قلوبنا. فلسطين من أصعب القضايا التي نواجهها بالفعل. أزورها باستمرار. وعندما تتذكر ما يحدث هناك من اقتلاع لأشجار الزيتون، واعتداء المستوطنين على القرى، والحروب التي تكاد لا تتوقف، تشعر بوطأة الأمر، وتسأل: هل الاحتلال مفتوح الأمد ؟ ما من مفاوضات حقيقية لانهاء النزاع ، وهو ما ينهك الفلسطينيين في حياتهم اليومية..