غسل الكلى "شبه مستحيل" في الشمال السوري

02 يوليو 2021
قليلة هي مراكز العلاج (العربي الجديد)
+ الخط -

 

الواقع الصحي مقلق في الشمال السوري، خصوصاً في إدلب، بسبب الكثافة السكانية وكثرة المخيمات التي تشكل بيئة خصبة لنقل الأمراض. المؤسسات الصحية والإنسانية تبذل جهوداً كبيرة لمحاولة إبقاء الوضع تحت السيطرة، لكن المهمة صعبة.

أثرت سنوات الحرب الطويلة في سورية على نواح كثيرة في حياة السكان، وزادت الأمراض في المجتمعات، خصوصاً تلك الخاضعة لسيطرة المعارضة في شمال غربي البلاد، بسبب ظروف النزوح والقصف والتجويع والحصار. ومن أبرز الحالات الصحية التي ساءت أوضاعها أمراض الكلى التي يتكبد المصابون بها مشقات جمّة في الحصول على أدوية، أما أولئك الذين يحتاجون إلى جلسات غسل فالوضع شبه مستحيل بالنسبة إليهم على صعيد الوصول إلى مراكز العلاج القليلة العدد عموماً، والمحدودة لجهة الأجهزة المتوافرة فيها.

تقدّر مديرية صحة محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة، عدد المرضى الذين يجرون جلسات غسل كلى دورية بـ500 يتردّدون على 9 مراكز في إدلب المدينة وبلدات أريحا ودركوش وسلقين وأرمناز وكفرتخاريم ودارة عزة والأتارب، ومستشفى منطقة باب الهوى الحدودية، علماً أنّ إحصاءات فريق "منسقو استجابة سورية" تفيد بأنّ مليوناً ونصف مليون من أصل أكثر من أربعة ملايين شخص تضمهم المحافظة يسكنون في مخيمات بدائية قرب الحدود مع تركيا.

يقول رافي البيك (31 عاماً) المصاب بقصور كلوي والنازح من مدينة معرة النعمان جنوبي إدلب إلى مخيم دير حسان، لـ "العربي الجديد": "أجري ثلاث جلسات لغسل الكلى أسبوعياً في مركز الهداية ببلدة قاح الحدودية مع تركيا. وأضطر إلى الانتقال بمفردي مسافة تتجاوز 20 كيلومتراً على دراجتي النارية، بعدما كانت تنقلني سابقاً سيارة تابعة للمركز، قبل أن تتوقف هذه الخدمة بسبب عدد المرضى المرتفع ووجود حالات حرجة تحظى بأولوية أكبر على صعيد الرعاية والاهتمام". يضيف: "فعلياً أخسر ثلاثة أيام أسبوعياً أقضيها على الطرقات وعلى جهاز غسل الكلى الذي تستغرق جلسته الواحدة بين ثلاث وأربع ساعات. وما يزيد الصعوبات أن موعد جلساتي محدد دائماً في المساء في ظل كثرتها في المركز يومياً. ويمكن القول إنّني اعتدت على هذا الروتين، في حين أواجه صعوبات في شراء الأدوية التي أحتاجها يومياً، كون ثمنها باهظاً ولا تتوافر أحياناً".

الصورة
تجهيزات غسيل الكلى غالبيتها قديمة (سامر الدومي/ فرانس برس)
تجهيزات غسل الكلى قديمة بمعظمها (سامر الدومي/ فرانس برس)

يشرح المدير التنفيذي لمستشفى "الهداية" عبد السلام أبو عبد الله لـ "العربي الجديد" أنّ "وضع مرضى الكلى في الشمال السوري مأساوي جداً، ومعظم المرضى الذين يراجعون مركزنا لإجراء جلسات الغسل يسكنون في المخيمات. ونحن نملك سيارة إسعاف واحدة لنقل المرضى، ما يحتم تلقينا مساعدة من جهاز الدفاع المدني ومديرية الصحة في إدلب من أجل نقل آخرين. ونحرص على تقديم أدوية مجانية للمرضى الذين يجرون الجلسات، لكنهم يدفعون بالتأكيد مبالغ كبيرة مقابل أدوية أخرى لا نستطيع توفيرها لهم". ويوضح أنّ أجهزة جلسات غسل الكلى المتوافرة في الشمال السوري قديمة، ولا تلبي المتطلبات الصحية الملائمة للعلاج، ما ينعكس سلباً على جلسات الغسل الكثيرة التي تجرى يومياً، وبالتالي على المرضى. ويؤكد ضرورة التدخل لجلب أجهزة حديثة من أجل تخفيف معاناة المرضى الذين يتكبدون مشقات في الوصول أساساً إلى المراكز، وينتظرون ساعات طويلة لتلقي العلاج. ويُؤكد عبد الله أن "عدد مرضى غسل الكلى يزداد في الشمال السوري، بسبب سوء استخدام الأدوية المسكنة والحالات الحرجة للمرضى، وعدم تلقي الخدمات اللازمة، ما يفاقم المشكلات الصحية، علماً أن سكان هذه المناطق يفتقدون عموماً نوعية المياه الصالحة للشرب، ونقص كميتها المخصصة للفرد الواحد، وتدهور الحالات النفسية والأمراض المرتبطة بها، بسبب الظروف القاسية للنزوح والقصف المتواصل".

أما يوسف بلال (47 عاماً)، النازح من ريف دمشق إلى مدينة بنّش، والذي يجري جلسات لغسل الكلى في مركز مدينة إدلب فيقول لـ "العربي الجديد": "أكره الذهاب إلى المركز بسبب مشقات الطريق وطول ساعات الانتظار، كما أنفق نحو 100 دولار ثمناً للأدوية وأجور التنقل، وهو ما لا أستطيع تحمله، خاصة أنني أدفع أيضاً كلفة إيجار السكن ومصاريف إعالة ثلاثة أطفال، في حين أتلقى أجراً أقل لأنّني أضطر إلى الغياب يومين عن العمل أسبوعياً في أحد مصانع الخياطة".

صحة
التحديثات الحية

من جهته، يروي رئيس قسم أمراض الكلى في مركز الأمين الطبي، بمدينة أريحا، لقمان الخطيب، لـ "العربي الجديد" أنّ "المركز يُجري جلسات دورية لـ 25 مريضاً، ويقدّم لهم خدمتي النقل والعلاج في حال توافرتا. أما عدد الجلسات فيتراوح بين 200 و225 شهرياً، لكنّنا عاجزون عن توفير أدوية في شكل دائم للمرضى، لأنّ بعضها مفقود في الصيدليات، أو لأنّ ثمنها مرتفع جداً". ويلفت إلى أنّ "عدد مراكز غسل الكلى في الشمال السوري مقبول نوعاً ما. لكنّ المشكلة تكمن في قلة عدد الأجهزة فيها، ما يقلص عدد جلسات الغسل اليومية".

المساهمون