يحاول النازحون الغزيون التكيُف مع ظروفهم المعيشية الصعبة داخل مراكز الإيواء، ومن بين ذلك الحفاظ على حيواناتهم وطيورهم التي نزحت برفقتهم في ظل القصف الإسرائيلي. داخل خيام النازحين في ساحة مدرسة ذكور خانيونس الابتدائية التابعة لوكالة "أونروا" يتواجد عدد من القطط والعصافير، والتي يتجمع حولها عشرات الأطفال النازحين للعب معها.
يطعم سمير عطايا (23 سنة) قطته خبزاً مجففاً كانت ترفضه في السابق، إلى جانب كمية قليلة من الحليب الذي يحصل عليه من إحدى السيدات في خيمة مجاورة. يمتلك عطايا هذه القطة منذ عامين، وجلبتها له والدته التي تعمل في إحدى الجمعيات المحلية في غزة، بعد أن فقد قطته أثناء العدوان الإسرائيلي في مايو/أيار 2021، والتي وجدها تحت ركام منزل جيرانه الذي دمر. يقول لـ"العربي الجديد": "تشعر القطة بي عندما أكون حزيناً، وعندما أكون سعيداً تلاعبني، وأنا أعشق تربية القطط منذ طفولتي، واقتنيت قرابة 10 قطط من أنواع مختلفة، وأمتلك خبرة جيدة في رعايتها، وأساعد أصحابي الذين يريدون اقتناء القطط في فهم طرق تربيتها، وهذا جعلني أصحبها أينما ذهبت كي أحافظ على حياتها". يضيف: "عندما نزحنا وجدت أن كثيرين يحملون قططهم وأقفاص الطيور وعددا قليلا من الكلاب، حتى أن البعض حملوا معهم خرافاً صغيرة. نحن شعب يحب تربية الحيوانات، ولو كانت المعابر مفتوحة لأحضرنا أنواعاً كثيرة من الحيوانات لتعيش معنا".
خلال الهدنة الإنسانية، شاهد الغزيون العديد من الحيوانات التي قتلت أثناء العدوان، بعضها كانت ملقاة في الشوارع، وأخرى كانت تحت ركام المنازل، كما حاول كثيرون البحث عن حيواناتهم التي فقدوها أثناء النزوح الاضطراري للنجاة من القصف، وعاد كثيرون إلى منازلهم لمعرفة مصير الحيوانات والطيور التي تركوها بداخلها، فبعضهم خسروا حيواناتهم، وآخرون وجدوها حية.
نزحت الشابة الفلسطينية رهف الشنطي (22 سنة) مع عائلتها إلى مدرسة لوكالة "أونروا" في مدينة رفح، وتعبّر عن مدى حزنها لأنها فقدت زوجا من الطيور حين دمر الاحتلال منزل جيرانهم، فدمرت على إثر ذلك نوافذ منزلها القريبة من مكان وجود القفص الذي خصصته للطائرين، فخسرتهما، لكنها تشعر ببعض الرضا لنجاة كلبها الصغير الذي هرب من المنزل أثناء القصف، وعثرت عليه في الشارع أثناء نزوحها، فحملته بفرحة، حتى أنها بكت من الفرحة بنجاته، واصطحبته معها من حي النصر في مدينة غزة، إلى مدينة خانيونس التي لم يجدوا فيها مدارس تستقبلهم، فواصلوا النزوح إلى مدينة رفح.
تقول الشنطي لـ"العربي الجديد": "الحيوانات والطيور مصدر بهجة في حياتنا بغزة، حيث نعيش دماراً وقصفاً وخراباً وحصاراً، ولا يوجد متنفس سوى البحر. نحن شعب يحب الحياة، وحبنا هذا نمنحه للحيوانات. كانت والدتي تخاف من الكلاب، لكنها الآن ترعى كلبي، وقد بكيت طويلاً على طيوري التي أهداني إياها والدي في عيد ميلادي الأخير".
يعتني الشقيقان مجد (23 سنة) وياسر أبو حماد (18 سنة) بمجموعة من الطيور وقطة أطلقا عليها اسم "بحر" لأنها تمتلك عينين زرقاوين مثل البحر، كما يقولان، كما أنهما يحبان بحر غزة كثيراً.
يقيم الشقيقان أبو حماد داخل خيمة من تلك التي خصصتها وكالة "أونروا" للنازحين القادمين من شمالي القطاع ومدينة غزة، وهما يطعمان القطة مما يأكلان، طبيخ أو خبز أو فول، لكنها لا تقبل كل أصناف الطعام المتوفرة في كل الأوقات، وهما يتبادلان الرعاية بالقطة والطيور، وتدفئتها من خلال الأقمشة المتوفرة، وقد وجد مجد قبل أيام طعاماً مخصصاً للقطط لدى أحد النازحين، فأطعم به قطته، والتي لعبت معه بعد الانتهاء من الطعام كأنها تعبر عن سعادتها.
يقول مجد لـ"العربي الجديد": "الطيور روح والقطة روح، ومنذ طفولتنا سمعنا قصصاً عن ضرورة حسن التعامل مع الطيور والحيوانات، وأذكر أن أول درس دين في المدرسة كان عن امرأة دخلت النار في هِرة عذبتها، وبعدها أصبحت أهتم بكل الحيوانات، حتى أنني كنت أضع طعاماً لقطط الشارع، من بينه علب السردين التي كنا نحصل عليها ضمن المساعدات الغذائية من وكالة أونروا".
ويقول شقيقه ياسر: "طيوري هي أجمل شيء أراه في غزة، وفي ظل الدمار لا أريدهم أن يفارقوني. منذ نزحنا أبحث عن الطعام لهم، وغالباً أستطيع توفير بعض البندورة والخيار حتى يأكلوا، وذهبت إلى أحد الباعة لسؤاله، فدخل إلى منزلهم وأخرج لي قدرا من الطعام المخصص للطيور، وفرحت به فرحة عظيمة وسط هذا الدمار".