عنف الشرطة... مسلسل أميركي من جرائم القتل

عنف الشرطة... مسلسل أميركي من جرائم القتل

30 يناير 2023
تظاهرات متواصلة ضد عنف الشرطة (كيان ويزونغ/Getty)
+ الخط -

وُجّهت تهمة القتل من الدرجة الثانية إلى خمسة من أفراد الشرطة في ممفيس، وجميعهم أميركيون من أصل أفريقي، بعد تحقيق انتهى إلى تورطهم في قتل الشاب تاير نيكولز (29 سنة)، ومن المرجح أن يقوم مسؤولو المدينة بنشر مقاطع فيديو إضافية، تتضمن مقاطع من ثلاث كاميرات تظهر ما جرى عند توقيفه في بداية يناير/كانون الثاني، بزعم ارتكابه مخالفة مرورية.

وأحدثت الواقعة ضجة كبيرة في بلد لا يزال متأثراً بجريمة قتل الأميركي الأسود جورج فلويد خنقا تحت ركبة ضابط أبيض، في مايو/أيار 2020، وما أحدثته من تظاهرات واسعة لحركة "حياة السود مهمة" ضد عنصرية وعنف الشرطة.
وفي ظل مخاوف توسّع الاحتجاجات، وتأثيرها على بنية المجتمع الأميركي، اضطر الرئيس جو بايدن إلى التعليق، ليعرب عن إحساسه بالغضب العميق عقب مشاهدة مقاطع الفيديو، داعياً الغاضبين من الحادث والذين يسعون إلى العدالة إلى "عدم اللجوء إلى العنف أو التدمير".
وتظهر إحصاءات نشرها موقع Statista البريطاني، تزايد عدد الإصابات بنيران الشرطة الأميركية خلال الفترة من 2017 إلى 2022، إذ قتل في 2017 ما لا يقل عن 981 مواطناً برصاص الشرطة، من بينهم 222 من ذوي البشرة السوداء، وارتفع العدد في 2018 إلى 228 أسود من أصل 983 قتيلاً، ووصل في 2019 إلى 251 أسود من أصل 999 قتيلا. وفي عام 2020، بلغ الرقم 1023 قتيلاً، من بينهم 243 أسود، وفي عام 2022 انخفض العدد إلى 177 قتيلا أسود من أصل 1055 قتيلاً، ثم عاد للارتفاع في 2022 إلى 220 قتيلا أسود من أصل 1023 قتيلاً.
وتشير الأرقام إلى توسع الشرطة الأميركية في استهداف المواطنين، وفي حين يمثل ذوو البشرة السوداء نحو 13 في المائة فقط من سكان الولايات المتحدة، فإن الأرقام تعني أن السود أكثر عرضة للقتل والإصابة بالرصاص على أيدي أفراد الشرطة.
وتكشف إحصاءات أميركية رسمية زيادة استخدام القوة ضد السود في مدينة ممفيس تحديداً، وأن 450 مواطناً أسود كانوا عرضة لاستخدام القوة المفرطة من الشرطة في الفترة بين 2016 إلى 2022.

الصورة
تكرار جرائم قتل السود مؤشر خطير(كيان ويزونغ/Getty)

بعد وفاة نيكولز، بدأ أكاديميون وحقوقيون طرح تساؤلات حول استمرار هذه الوقائع، على الرغم من التطورات والتطمينات التي تكررت في أعقاب وفاة جورج فلويد، حين حاول مشرّعون تمرير قوانين جديدة لتخفيف استخدام القوة المفرطة من قبل الشرطة، بعد أن أكدت تقارير عدة أن المبادرات التي سبقت جرائم القتل المتكررة لم تكن فعالة.
وتقول الأستاذة بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، نيكي جونز، إن تدريب الشرطة وثقافتها لا يزالان يساعدان في تبرير أشكال العنف الوحشية، خصوصاً في مجتمعات السود. وتضيف عالمة الجريمة الحائزة على جوائز، أن "هناك اعتقادا سائدا بين الضباط أن مناصبهم في الشرطة تجعلهم خبراء في استخدام القوة، لأن أكاديمية الشرطة تقوم بتدريبهم وفق هذه الثقافة، وهذا يتيح الفرصة لاستخدام العنف بطرق غير مقيدة. إنها مشكلة منهجية لا يمكن حلها بفرض حلول سريعة".
وتشير جونز إلى أن "ضباط الشرطة يتمتعون بصلاحيات واسعة، من ضمنها ملاحقة الجرائم من دون التفكير في تأثير الملاحقات، ما يعني أن السلطات تعطيهم شرعية لهذه الأعمال، ولذا نلاحظ انتشار الجرائم ضد الأفراد بشكل عام، وضد السود خصوصاً".

وتوضح منظمة "هيومن رايتس ووتش"، أن عمليات قتل المدنيين، وتحديداً في المجتمعات ذات الأغلبية السوداء، يعود سببها إلى التشريعات والاستراتيجيات المتبعة من قبل الشرطة. وفي بيانها حول مقتل نيكولز، تشير المنظمة الحقوقية إلى انتماء بعض الضباط المتهمين إلى وحدة "سكوربيون"، والتي يُسمح لها باستخدام القوة، على اعتبار أن المناطق المكتظة بالسود مصنفة على أنها "عالية الجريمة"، ولذا ينخرط أفراد الشرطة في وقائع عنف عدوانية، فضلاً عن أن تدريب رجال الشرطة في هذه الوحدة، يقوم على تكتيكات تتسم بالعنف لمواجهة أي اضطراب، مما يساعد في تفاقم العنف ضد الأبرياء، مما يخلف إضرابات أكبر.
وقررت إدارة الشرطة في ممفيس، الأحد، تفكيك وحدة "سكوربيون" التي ينتمي إليها أفراد الشرطة المتهمين بقتل تاير نيكولز، وذكرت في بيان، أن القرار صدر بعدما تحدث قائد الشرطة مع أفراد في عائلة نيكولز وقيادات محلية.
ولا يمكن إحصاء الاحتجاجات التي شهدها الشارع الأميركي بسبب استخدام الشرطة للقوة ضد المواطنين، خصوصاً السود منهم، لكن هناك عدة حوادث أشعلت سجالاً كبيراً في المجتمع، وسلطت الضوء على الاستخدام المفرط للقوة.
في 2013، ظهرت حركة "حياة السود مهمة" لأول مرة بشكل منظم، رداً على تبرئة شرطي قتل المراهق تريفون مارتن في ولاية فلوريدا. وفي 17 يوليو/تموز 2014، توفي إيريك غارنر على يدي ضابط شرطة في نيويورك، بعد الاشتباه في قيامه ببيع السجائر بشكل غير قانوني، وبينما كان غارنر في حالة اختناق، قال "لا أستطيع التنفس" 11 مرة. وتسببت الواقعة التي صورها أحد المارة في احتجاجات عارمة في أنحاء البلاد. لاحقاً، تم فصل الشرطي المتورط، لكن لم تتم مقاضاته.

تزايد عدد الإصابات بنيران الشرطة خلال الفترة من 2017 إلى 2022

في 9 أغسطس/آب 2014، أدى مقتل الفتى مايكل براون (18 سنة) على يد ضابط شرطة، إلى احتجاجات عنيفة في فيرغسون بولاية ميسوري، واتهم براون بسرقة صندوق من السيجار، وعلى الرغم من تبرئة ضابط الشرطة من ارتكاب أية مخالفات، كان تقرير وزارة العدل لاذعاً بشأن المشكلات المنهجية في أداء الشرطة، والتفاوتات العرقية في نظام العدالة، مما أدى إلى تعاظم أهمية حركة "حياة السود مهمة".
في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، قُتل الطفل تامر رايس (12 سنة) برصاص ضابط شرطة في كليفلاند بولاية أوهايو، بزعم توجيهه سلاحا ضد الشرطة، وأكدت التحقيقات لاحقاً أن السلاح كان لعبة. تم فصل ضابط الشرطة الذي أطلق الرصاص بعد ثلاث سنوات. وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، قالت وزارة العدل إنها ستغلق القضية لعدم وجود أدلة كافية لتوجيه اتهامات جنائية.
في 4 إبريل/نيسان 2015، أطلق ضابط شرطة أبيض النار على والتر سكوت في ظهره خمس مرات بعد توقيفه لوجود عيب في إضاءة في سيارته. بعد مشاجرة قصيرة هرب سكوت من مكان الواقعة، فأطلق الضابط الرصاص عليه فأرداه قتيلاً. طُرد الضابط من الخدمة لاحقاً، وحُكم عليه في النهاية بالسجن لمدة 20 عاماً، وأثارت الجريمة احتجاجات في نورث تشارلستون، وتكررت هتافات "لا عدالة. لا سلام".
في 5 يوليو 2016، قُتل إلتون سترلينغ على أيدي ضابطان، لكنهما لم يواجها اتهامات جنائية، وتم الاكتفاء بفصل أحدهما، وإيقاف الآخر عن العمل، وخلفت الجريمة أياما من الاحتجاجات في باتون روج في لويزيانا. في 6 يوليو 2016، قُتل فيلاندو كستيلا بينما كان يقود سيارته مع صديقته في سانت بول في مينيسوتا، أوقفته الشرطة أثناء تفتيش روتيني، وسألته عن سلاح يحمله، وفيما حاول إظهار الرخصة الخاصة بالسلاح، تم إطلاق النار عليه، وقامت صديقته ببث المواجهة مباشرة على موقع "فيسبوك". لاحقاً تمت تبرئة الضابط المتورط من تهمة القتل.

الصورة
يتصاعد الغضب ضد جرائم الشرطة الأميركية (فاتح أكتاس/الأناضول)

في 18 مارس/آذار 2018، قتل ستيفون كلارك بعد إطلاق النار عليه سبع مرات في منطقة ساكرامنتو في مدينة كاليفورنيا، من قبل الشرطة التي كانت تحقق في اقتحام قريب، وأثار نشر شريط فيديو للشرطة حول الحادث احتجاجات كبيرة في المدينة. بعد نحو عام، أعلنت السلطات أن الضابطين المتورطين لن يواجها محاكمة جنائية، وأنهما كانا يخشيان على حياتهما معتقدين أن كلارك كان يحمل سلاحاً.
في 13 مارس 2020، توفيت بريونا تيلور (26 سنة) إثر إصابتها بالرصاص بعدما داهم ضباط شقتها في لويزفيل في كنتاكي، وقالت الشرطة إنها ردت بالرصاص بعد إطلاق النار على ضابط وإصابته. أقامت عائلة تايلور دعوى قضائية، وفي سبتمبر/أيلول 2020، توصلت إلى تسوية بقيمة 12 مليون دولار مع سلطات المدينة. وأوضحت الدعوى أن شريك تايلور الذي كان معها في ذلك الوقت، أطلق النار دفاعاً عن النفس لأن الشرطة لم تعلن عن هويتها، فاعتقد أن الشقة تتعرض للسطو. في 11 إبريل/نيسان 2021، اندلعت اشتباكات في أعقاب مقتل دونت رايت، في أثناء محاكمة ضابط الشرطة السابق ديريك شوفين، والذي أدين بقتل جورج فلويد. قتل رايت بالرصاص في مركز بروكلين، حيث تم توقيفه بسبب مخالفة مرورية، ولما أطلق سراحه توجه إلى سيارته، وعندها سمع صوت ضابط يصرخ عدة مرات، قبل أن يطلق عليه الرصاص.

المساهمون