يراقب نحو ثلاثين من عمّال المناجم، يرتدون خوذاً صفراء وبيضاء، مبنى منهاراً في أنطاكيا في جنوب تركيا على بعد ألف كيلومتر من مكان إقامتهم قرب البحر الأسود.
احتاج الفريق إلى 25 ساعة للوصول إلى مدينة أنطاكيا التي دمّرها الزلزال، الاثنين، مودياً بحياة أكثر من 22 ألف شخص في تركيا وسورية المجاورة، حيث تكافح فرق الإغاثة في مواجهة الكارثة.
يقول تورغاي اشيكغوز، وهو عامل منجم جاء ليمدّ يد العون، إنّ "الكوارث تؤثر علينا كثيرا نظرا لتكرار حوادث المناجم"، ثم يضيف بحسرة وأسى: "نعرف هذا الألم، لأنّنا سبق أن تذوّقناه. لا توجد أيّ كلمة لوصف ذلك".
من جانبه، حضر إسماعيل حقي كالكان، وهو عامل مناجم منذ ثماني سنوات في زونغولداك (شمال غرب)، مع رفاقه، قائلا "لم تستطِع قلوبنا تحمّل ما شاهدناه عبر التلفزيون، فهمنا أنه يتعيّن علينا الحضور وها نحن هنا".
يقف زملاء كالكان حاملين المعدّات التي يستخدمونها يومياً، مثل الفؤوس والمعاول والمناشير، بينما يحمل أحدهم على كتفه الأيسر مقصّ حديد ضخماً.
فجأة، تحرّك نحو 15 عامل منجم وتوجهوا إلى شارع تسير فيه السيارات بصعوبة بين أنقاض المباني المنهارة، نحو مبنى تحوّل إلى ركام. وفقاً للناجين، فإنّ عدداً من الأشخاص موجودون تحت هذه الكتلة الخرسانية.
ساعدت جرّافة في عملية إزالة الركام، ثمّ أعطى أحد المسؤولين في فريق عمّال المنجم الآتين من زونغولداك إشارة للتوقّف، وحطّم كتلة من الإسمنت، ثم طلب قائد الفريق غطاءً، فقد عثر على طفلٍ متوفٍ في سريره، حمله والده بين ذراعيه وابتعد من من دون أن ينطق بكلمة.
على بعد أمتار قليلة، تقف نسيبة كولوبيشيوغلو إلى جانب ابنتها، تُرشد عمّال المناجم إلى حيث كانت حماتها البالغة من العمر 80 عاماً تعيش في شقة مع ابنها، على بعد طبقة واحدة من منزلها في المبنى ذاته.
تمكّنت هي وابنتها من الخروج على قيد الحياة والوصول إلى الشارع، ليل الأحد الإثنين، لدى وقوع الزلزال عند الساعة الرابعة صباحاً.
المرأة الخمسينية التي فقدت ستة من أقاربها في الزلزال، لم تعد تأمل في العثور عليهم أحياء، وتصبّ غضبها على بطء عمليات الإنقاذ، غير أنّها تُعرب عن امتنانها لعمّال المناجم، لأنّهم وحدهم الذين قد يتمكّنون من انتشال الجثث من كومة الركام هذه. بهذه الطريقة فقط يمكنها أن تبدأ فترة الحداد، إذ تقول "يجب أن نجد مكاناً لدفنهم ونبدأ من الصفر".
يذكر أن تركيا، بلد الفحم، شهدت عدة كوارث مع المناجم. وعلى الرغم من اختلاف طبيعة هذا الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجات، والذي دمّر عشرات المقاطعات في جنوب البلاد، لم يستطع هؤلاء العمّال تجاهُل هذه الكارثة.
وفي عام 2010، قُتل ثلاثون عاملاً في انفجار وقع في منجم للفحم في زونغولداك، ولم تنسَ تركيا أيضاً مأساة سوما في العام 2014، والتي قُتل فيها 301 عامل في منجم فحم بعد انفجار وحريق أدى إلى انهيارات.
(فرانس برس)