عراقيون ضحايا لوكاشينكو... بيلاروسيا تضغط على أوروبا بالمهاجرين

12 اغسطس 2021
اصطدمت أحلامهم بالواقع (بيتراس مالوكاس/ فرانس برس)
+ الخط -

تزايدت في الآونة الأخيرة عمليات نقل مهاجرين عراقيين عبر حدود بيلاروسيا مع ليتوانيا، الأمر الذي لا يحظى بموافقة أوروبية. ولا يرتبط الأمر بالاستخدام السياسي من قبل الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو في وجه أوروبا، التي فرضت عليه عقوبات بعد قمعه الحركة الشعبية احتجاجاً على إعادة انتخابه قبل نحو عام، بل لأنها تتم من العراق إلى العاصمة البيلاروسية مينسك مباشرة، ومنها إلى أوروبا، طلباً للجوء. ويقول بعض العراقيين المهاجرين إن الواقع يختلف عن الوعود؛ فليتوانيا ليست وحدها التي تعارض وصول الآلاف إلى أراضيها ومعاملتهم كلاجئين. بل إن معظم دول أوروبا ترفض اعتبار أن هؤلاء يستحقون اللجوء، طالما أنهم غادروا بصفة باحثين عن هجرة من خلال خطوط جوية تنقلهم من البصرة والسليمانية وأربيل.
القلق الأوروبي من جرّاء تزايد استخدام اللجوء للضغط والانتقام من العقوبات يدفع الاتحاد الأوروبي إلى التحذير من "عدم قبول أي لاجئ بهذه الطريقة". إذ أن قوانين اللجوء الأوروبية لا تمنح الحماية للقادم كسائح على متن خطوط جوية وغير ملاحق بصفة شخصية، وهو ما اكتشفه 800 عراقي في أحد معسكرات الجيش الليتواني الذي تحوّل إلى خيام إيواء لعابري الحدود. وعلى الرغم من أن سلطات بيلاروسيا سهّلت منذ الشهر الماضي انتقال المهاجرين العراقيين من مينسك إلى حدود ليتوانيا، وهو ما كان مستحيلاً في السابق، كان العالقون في مينسك حتى وقت قريب يمنعون من التحرك بحرية. كما أن الجانب الأوروبي اتخذ على ما يبدو قراراً جماعياً باعتبار كل القادمين بهذه الوسيلة من العراق "مهاجرين غير شرعيين"، ما يعني أنهم على قوائم الترحيل مجدداً إلى العراق.
وظلّ الأوروبيون يستغربون استمرار الرحلات الجوية من مدن البصرة والسليمانية وأربيل بعد زيارة الوفد الليتواني إلى بغداد الشهر الماضي، إلى أن أوقف العراق الرحلات نحو مينسك. ورحّب المتحدث باسم الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل، بيتر ستانو، بالقرار العراقي، على أمل أن يساهم القرار في عمل بغداد على استعادة العراقيين العالقين في معسكرات الاستقبال في ليتوانيا.
وأدت سياسة لوكاشينكو إغراق أوروبا بالمهاجرين العراقيين للضغط عليها، إلى خلق واقع مأساوي لهؤلاء الذين يجدون أنفسهم اليوم في ليتوانيا من دون أي تعاطف شعبي، على الرغم من تعرضهم للعنف من قبل الجيش والشرطة الليتوانية. هؤلاء الذين نقلوا من العراق إلى مينسك ثم إلى الحدود الليتوانية حلموا بالتوجه إلى أوروبا، إلا أنهم يصطدمون اليوم بواقع يختلف عن وعد الوصول السهل إلى دول الاتحاد الأوروبي، باعتبار ليتوانيا معبراً وليست مكاناً للاستقرار. كانت لدى الآلاف آمال بالانتقال إلى ألمانيا وإسكندينافيا ودول أوروبية أخرى. إلا أن القرار العراقي الأخير يفتح الباب أمام ترحيلهم مجدداً إلى بلادهم.

ويضمّ أحد معسكرات تجمع العراقيين أكثر من ألف شخص في غابة يسيطر عليها الجيش خارج العاصمة الليتوانية فيلنيوس، يعيشون وسط ظروف مختلفة تماماً عما تتناقله مواقع التواصل الاجتماعي التي وعد من خلالها المهربون بما يشبه فردوساً أوروبياً. لكن مع وصولهم عبر الحدود البيلاروسية، هبّت أوروبا سريعاً لمواجهة التدفق الذي تجاوز 4 آلاف شخص، غالبيتهم من الرجال، ولتخفيف الضغط عن ليتوانيا، من خلال زيادة عمليات حراسة الحدود من خلال قوات أوروبية والوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتيكس)، ما صعب تماماً الانتقال السهل الذي حلم به الواصلون نحو وجهات أوروبية أخرى.

ويجد الآلاف أنفسهم كمن تقطعت بهم السبل تحت خيام وفي أجواء ماطرة لم يعتادوها، وصدمة من واقع آخر مختلف عن الوعود. وعلقوا في ما يطلق عليه الأوروبيون "حرباً هجينة" يقودها نظام لوكاشينكو ضد أوروبا من خلال استخدام اللاجئين العراقيين الفارين من ظروف صعبة في بلادهم، ليواجهوا ظروفاً أصعب، كما تظهر احتجاجاتهم في معسكرات تجمعهم.

مهاجرون عراقيون على الحدود البيلاروسية (بيتراس مالوكاس/ فرانس برس)
ينتظرون تحديد مصيرهم (بيتراس مالوكاس/ فرانس برس)

يشار إلى أن مجموع من استطاع عبور الحدود مع بيلاروسيا خلال عام 2020 لم يتجاوز 80 شخصاً، في وقت تجاوز الرقم خلال الأشهر القليلة الماضية الأربعة آلاف. يضاف إلى ما سبق إصرار أوروبي على كسر "الضوء الأخضر" الذي منحه لوكاشينكو للخطوط الجوية العراقية (قبل قرار تعليق الرحلات يوم الثلاثاء) لنقل اللاجئين جواً عبر مينسك، وبما يخالف تماماً السياسات الأوروبية بنقل المسافرين. وكانت السلطات في مينسك تنقل العراقيين نحو الحدود، مزودة إياهم بشروحات حول كيفية اجتيازها لدخول حدود الاتحاد الأوروبي من خلال ليتوانيا وبولندا، وفقا لشبكة "آل آر تي" الليتوانية.
ويشير موقع "إي يو أوبزرفر" (EU Observer) إلى كيفية تصرف البيلاروسيين لنقل اللاجئين من العراق، وذلك "من خلال مواقع تواصل اجتماعي مشفرة بالإضافة إلى موقع تليغرام، وقد حصلوا على عروض سفر لا تتطلب وثائق، مع الإشارة إلى أن الوجهة النهائية عبر بيلاروسيا ستكون ألمانيا وإيطاليا والمجر وليتوانيا". ونقل موقع "إي يو أوبزرفر"، كما فعلت مواقع ليتوانية وأوروبية، بعض محادثات المهربين التي وعدت، بعد تشديد ليتوانيا إجراءاتها، بأن تكون الطريق "من بيلاروسيا إلى بولندا ومنها إلى ألمانيا".

واتهمت السلطات الليتوانية مينسك بتسهيل عمل "عصابات التهريب". ونشرت مواقع ليتوانية مشاهد لجنود بيلاروسيين يقطعون السياج الفاصل مع بلادهم ويرشدون اللاجئين إلى كيفية اجتياز الحدود. ونقلت وسائل إعلامية أوروبية عن السياسيين الليتوانيين قولهم إنه جرى استغلال شبكات تهريب لخط السفر بين العراق وبيلاروسيا. وفي وقت سابق، نوه وزير الخارجية الليتواني غابريليوس لاندسبيرغيس بمحادثاته التي أجراها في بغداد، الشهر الماضي، بهدف وقف السفر، وهو ما تم أول من أمس بقرار رسمي عراقي. واعتبر لاندسبيرغيس أن قضية نحو 4 آلاف لاجئ اليوم هي تجسيد لاستغلال الناس من قبل شبكات تهريب بوعود تقدم لهم للوصول إلى الاتحاد الأوروبي، مؤكداً على أن "ذلك لن يحصل". وتأمل ليتوانيا من خلال تعزيز عمل "فرونتيكس" إلى وقف تدفق اللاجئين عبر حدود بيلاروسيا.

مهاجرون عراقيون على الحدود البيلاروسية (بيتراس مالوكاس/ فرانس برس)
ما من تعاطف معهم رغم ظروفهم الصعبة (بيتراس مالوكاس/ فرانس برس)

وكانت مفوضة الاتحاد الأوروبي للشؤون الداخلية، إيلفا يوهانسون، قد أعلنت بعد زيارتها ليتوانيا ولقائها عدداً من اللاجئين العراقيين الذين تحدثوا عن تعرّضهم للخداع، عن تقديم معونات عاجلة لليتوانيا والدفع بدوريات أوروبية لحراسة الحدود مع بيلاروسيا. وقالت إنه لن يكون هناك خط مفتوح لدخول أي لاجئ من ليتوانيا إلى دول الاتحاد الأوروبي، "وعلينا التوضيح أن دول منطقة شينغن ملزمة بمنع دخول أي شخص يحضر بصفة غير شرعية". وتمتد حدود ليتوانيا مع بيلاروسيا على مساحة 650 كيلومتراً، وقد باتت اليوم تحت حراسة الجيش ودوريات الشرطة مدعومة بدوريات حراسة أوروبية.
يشار إلى أن لاتفيا أعلنت حالة طوارئ محلية على طول حدودها مع بيلاروسيا، في الوقت الذي أقر فيه برلمان ليتوانيا قانوناً يجيز "بناء سياج حدودي لوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين". وفي الساعات الـ 24 الأخيرة، عبر نحو 200 مهاجر من بيلاروسيا إلى لاتفيا.

ويشهد معسكر لتجمع اللاجئين العابرين للحدود في منطقة رودنينكاي خارج العاصمة فيلنيوس اكتظاظاً كبيراً وصدامات بين الشرطة الليتوانية واللاجئين من العراق. ويشعر معظمهم أنهم وقعوا ضحية لعبة سياسية كبيرة واستغلال المهربين لهم بوعود غير مطابقة للواقع الذي وجدوا أنفسهم فيه. وتنقل وسائل الإعلام المحلية أخبار الصدامات والاحتجاجات التي يتهم فيها اللاجئون الشرطة الليتوانية بأنها تحتجزهم من دون إشراف منظمات حقوقية. ولا تتسبب أخبار الاعتداءات على الشرطة، في معسكر يضم نحو 800 لاجئ يقيمون في ظروف صعبة تحت خيام تغرق بمياه الأمطار، في تعاطف شعبي كبير بين الليتوانيين. على العكس من ذلك، تتنامى الدعوات إلى "ضرورة ترحيلهم إلى العراق".
وأدى تدفق المزيد من العراقيين عبر بيلاروسيا إلى قيام السلطات الليتوانية بنشر كاميرات حرارية على امتداد الحدود. كما بدأت بإقامة سياج عازل بدعم من الاتحاد الأوروبي، علماً أن كلفة السياج تتجاوز 100 مليون يورو، بحسب رئيسة الوزراء إنغريدا سيمونتي. كما خصصت المفوضية الأوروبية 37 مليون يورو لليتوانيا من أجل مساعدتها في التعامل مع تدفق المهاجرين، وفقًا لوزارة الداخلية الليتوانية، أمس الأربعاء. وبانتظار ما سيؤول إليه قرار العراق وقف استغلال بيلاروسيا للاجئين، يبقى آلاف العراقيين في انتظار حسم مصيرهم في معسكرات ظروفها بائسة، فإما يرحّلون مجدداً أو تدرس طلبات البعض. ويبدو الاحتمال الأخير ضئيلاً بسبب ملابسات الوصول وأهدافه، على الرغم من الاحتجاجات اليومية في معسكرات الإيواء.

المساهمون