قبل ستّة أعوام، كان الشاب الفلسطيني عبد الرحمن نصر يحلم بدخول إحدى كليات الطب في قطاع غزة الفلسطيني المحاصر، غير أنّ ما جمعه في الثانوية العامة لم يكن كافياً لتحقيق ذلك. هو كان في حاجة إلى معدّل نسبته في التسعينيات، في حين أنّ كلّ ما حصل عليه كان 89.3 في المائة. في ذلك الحين، في عام 2015، لم يكن قطاع غزة قد تعافى كلياً من العدوان الإسرائيلي الذي استهدفه في عام 2014، كذلك الأمر بالنسبة إلى أهله. تلك الحرب الثالثة التي شنّها الاحتلال على القطاع المحاصر، أثّرت على الغزيين بمختلف فئاتهم، لا سيّما اليافعين وتحصيلهم العلمي.
في ذلك الحين، حاول أقاربه وأصدقاؤه تشجيعه على الدراسة في خارج البلاد، إذ إنّ ما جمعه يؤهّله لذلك. وبالفعل حصل على قبول في جامعة مصرية، لكنّ إغلاق معبر رفح البري في ذلك الوقت حرمه من المنحة. فرضخ للأمر الواقع والتحق بكلية الصيدلة ليتخرّج منها بدرجة امتياز أخيراً. لكنّ ذلك لم يكفِه، فهو لم يتخلّ عن حلمه بدراسة الطب، بالتالي خضع من جديد إلى امتحانات الثانوية العامة هذا العام، علّه يتمكّن من تحقيق ذلك.
يخبر عبد الرحمن "العربي الجديد": "كنت أرغب في دراسة الطب البشري أو طب الأسنان، لذا توجّهت في النهاية إلى الصيدلة لأنّها الأقرب، بعدما فقدت الأمل. وأنا كنت قد استشرت أحد الأساتذة المحاضرين المعروفين الذي أفادني بأنّه في إمكاني تسديد مبلغ موازٍ كبير لم تكن لي قدرة على تحمّله، أو في إمكاني إعادة الثانوية العامة. لكنّني فضّلت عدم المجازفة من جديد، لا سيّما أنّني كنت قد أضعت عاماً كاملاً في انتظار فتح معبر رفح البري وسط الحصار الإسرائيلي لألتحق بالجامعة في مصر". ولم ينسَ عبد الرحمن أنّ "معبر رفح لم يفتح في عام 2015 أمام المسافرين من قطاع غزة إلى الخارج عبر مصر إلا ثلاث مرات"، إذ كان في ترقّب مستمر من دون جدوى فيما راحت الضغوط النفسية تزيد. وعندما انطلق في دراسة الصيدلة، تعثّر في البداية إذ "كنت أفكّر دائماً بالطب. لكنّني رحت أهتمّ بدراستي في العام الثاني، ووجدت تشابهاً كبيراً بين المجالَين".
وتَسجّل عبد الرحمن لدورة 2020-2021 من امتحانات الثانوية العامة، مستفيداً من واقع أنّ التعليم بمعظمه عن بُعد بسبب أزمة كورونا، سواء في الجامعات أو في بعض المدارس. يقول: "بدأت بدراسة الكيمياء وعلم الأحياء اللذَين كنت قد تعمقت فيهما كمادتَين في منهاج الصيدلة. لكنّني كنت أشعر بضغط كبير لأنّني لم أكن أريد النجاح فحسب أو الحصول على معدّل جيّد. أنا كنت في حاجة إلى معدّل لا تقل نسبته عن 95 في المائة". لا يخفي عبد الرحمن أنّ آثار العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في مايو/ أيار الماضي، كانت سلبية عليه وعلى تلاميذ الثانوية العامة بمعظمهم. ثمّ أتى التداخل بين جدولَي اختبارات الثانوية العامة وفصل التخرج في كلية الصيدلية ليزيد الأمور تعقيداً.
ويشير عبد الرحمن إلى أنّه "في يوم، كان اختبار اللغة العربية للثانوية العامة من الساعة التاسعة صباحاً حتى الساعة الحادية عشرة من قبل الظهر، فيما كان اختبار الكيمياء الحيوية السريرية في الساعة السادسة مساءً من اليوم نفسه". ويؤكد عبد الرحمن: "أحببت الطب أكثر عندما درست الصيدلة. فرسالة الطبيب الإنسانية كبيرة، خصوصاً في داخل قطاع غزة وسط ما يعيشه الغزيون. لكنّني في الوقت نفسه، إلى جانب ممارسة الطب، أرغب في أن أكون أستاذاً محاضراً".
اليوم، يعمل عبد الرحمن في مجال تخصصه كصيدلاني، في حين التحق بكلية الطب في جامعة الأزهر بمدينة غزة. وهو ينتظر معادلة مواد تتكرر في الاختصاصيَن، ويظنّ أنّ تلك المعادلة ستجعله يلتحق مباشرة بالعام الثاني. وعلى الرغم من أنّ كثيرين رأوا في تسجيل عبد الرحمن نفسه لاختبارات الثانوية العامة مجازفة، في عام دراسي صعب وسط أزمة كورونا والعدوان الإسرائيلي الذي استهدف القطاع المحاصر، فإنّ ما قام به شجّع كثيرين يحلمون بدراسة الطب للأخذ بنصيحته وتجربته.
ولم يكن إنجاز الثانوية العامة بمعدّل نسبته 98.3 في المائة هو الإنجاز الوحيد الذي استطاع عبد الرحمن تحقيقه هذا العام، إنّما حلّ رابعاً على دفعته في كلية الصيدلة بمعدّل نسبته 92.4 في المائة وبتقدير عام ممتاز. وقد سمح له ذلك بتوقيع عقد لمدّة عام كمعيد في كلية الصيدلة في جامعة الأزهر، لكنّه يخطط للعمل كصيدلاني ومعيد في المرحلة المقبلة إلى جانب كونه طالباً في كلية الطب. ولا يخفي عبد الرحمن عدم رغبته في السفر إلى خارج قطاع غزة في يوم، فهو يشعر بأنّ لديه فرصة كبيرة هنا على الرغم من كلّ الظروف الاقتصادية الصعبة.