لم يكن محمود دعيبس، العامل في مرفأ بيروت، يعلم أنه سيخسر في 4 أغسطس/آب 2020، العديد من زملائه ورفاقه الذين أصبحوا بمكانة عائلته. يروي دعيبس لـ"العربي الجديد" تفاصيل ذلك اليوم، وهو الذي نجا من انفجار بيروت رغم أنه كان في المرفأ لحظة حصوله، وكيف تحوّل أكثر الأماكن أماناً بالنسبة إليه في لبنان إلى المكان الأخطر.
في البداية لم يكن دعيبس يدرك حقيقة ما يجري، كان يشعر بأن شيئاً غريباً يحدث في المرفأ الذي يعرفه جيداً، وتنقل بسيارته للاطمئنان على رفاقه، وفي لحظة، اندلع الانفجار، وهو يصف الموقف بما يشبه "جبلين يطبقان على المرفأ"، ويؤكد أن اللحظات الأولى للانفجار مرت عليه وكأنه ساعات طويلة، وأنه استسلم للموت، قبل أن ينجو بأعجوبة، في حين راح زملاؤه ضحية الانفجار.
في اللحظات الأولى، يقول دعيبس: "ارتجت الأرض من تحت أقدامنا، وشعرت بأن هناك شيئاً غريباً يحدث، وعندها اتخذت القرار بالهرب، وطلبت من رفاقي أن يغادروا فوراً، ومن بينهم الشهيد محمد طليس، والذي رجوته أن يغادر معي، لكنه طلب مني المغادرة، فجأة وقع الانفجار، وصارت الدنيا سوداء، ولم أعد أرى شيئاً، وصارت أشياء ترتطم بالسيارة، حاولت تخفيف السرعة فلم أستطع، وفجأة غمرتنا مياه البحر، لكن الانفجار الثاني أخرجنا من الماء إلى منتصف العنبر، وعندها بدأت أفهم الصورة".
ويضيف: "كنت أعتقد أن ما صار هو حادث، ولم يكن يخطر ببالي أنه انفجار، كنت أشعر ببعض الجروح فقط، وعندها سألني شخص ما عن شقيقه، فقلت إنه كان قريباً مني، ثم نظرت من خلفي، فلم يكن هناك شيء تقريباً في المنطقة التي كان فيها رفاقي، خسرت 10 من زملائي، وهؤلاء كنت أقضي معهم وقتاً أكثر مما أقضي مع أهلي، وأنا أعتبر نفسي من عائلة كل شهيد".
ويتابع دعيبس: "نجوت من الانفجار، لكني أشعر بأن لدي مسؤولية تجاه عائلات الضحايا، وكل يوم أذهب إلى عملي في المرفأ أشعر بأنني ذاهب إلى قبر، لكن ليس لدي بديل، فعندي أهلي لأنفق عليهم، ولو كان عندي بديل لما عدت إلى المكان".
وفي الرابع من أغسطس/ آب 2020، أودى انفجار مرفأ بيروت بحياة أكثر من 215 شخصاً وأصيب فيه أكثر من 6500 شخص، ودمّر أحياءً عدة في المدينة. وعزته السلطات إلى انفجار 2750 طناً من مادة نترات الأمونيوم كانت مخزّنة منذ عام 2013 في العنبر رقم 12 في المرفأ.