أثار اجتزاء وتحريف تصريحات أدلى بها شيخ الأزهر أحمد الطيب قبل عامين ونصف العام عن مبررات ضرب الزوجة في الإسلام، بالتزامن مع مناقشة البرلمان المصري مشروع قانون جديد لتشديد عقوبة تعدي الزوج على زوجته بحبسه فترة تتراوح بين 3 و5 أعوام كحد أقصى، جدلاً في أوساط الرأي العام. ورغم أن تصريحات الطيب تعود إلى يونيو/ حزيران 2019، وتضمنتها الحلقة 30 من برنامجه الرمضاني "حديث مع شيخ الأزهر"، حين قال إن "هناك فرقاً دقيقاً بين ضرب الزوج للزوجة غير المنضبطة، واستخدام الرجل هذه الوسيلة إذا تأكد أنها الدواء الوحيد لعلاج ما حصل"، وتمنى أيضاً أن يعيش ليرى تشريعات تجرّم الضرب بالمطلق وتعامل الضارب معاملة مجرم"، هزّت إعادة استخدام التصريح في شكل مجتزأ، الرأي العام المصري خلال الأيام القليلة الماضية. وكان لافتاً تعلًق الجدل أكثر بتصريحات شيخ الأزهر، وليس بحجم وانتشار الظاهرة في المجتمع المصري.
عموماً، تغيب الإحصاءات الدقيقة التي ترصد ظاهرة العنف الزوجي في مصر، لكن مؤشرات تتوافر لحجمها، منها الإحصاءات الأخيرة التي أعلنتها وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج في شأن تعرض نحو ثلث النساء لأحد أشكال العنف الأسري، ومواجهة أكثر من 40 في المائة من النساء المتزوجات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 18 و64 سنة عنفاً نفسياً من الأزواج. أما مشروع القانون المقدم إلى مجلس النواب المصري لتجريم ضرب الزوج للزوجة، فاعتمد على دراسات أجرى أحدها المجلس القومي للمرأة، وهو جهة حكومية، ورصدت تعرض حوالى 8 ملايين مصرية إلى عنف.
وتحدث أستاذ الطب النفسي محمد المهدي، استناداً إلى دراسة أجراها، عن أن ظاهرة ضرب الأزواج لزوجاتهم شائعة في كل المجتمعات والثقافات، وتتراوح نسبتها بين 20 و50 في المائة، وتزداد في الطبقات الاجتماعية والتعليمية الدنيا. وأوضح أن "تحليله للظاهرة أخذ في الاعتبار شدة حالات الضرب وخفتها، فهناك حالات بسيطة لا تتعدى الدفع باليد، وأخرى شديدة تترك إصابات بالغة في الجسد، وقد تؤدي إلى الوفاة".
وربط المهدي الحالات بنظرة الزوج للمرأة وكرامتها كإنسانة، وأيضاً عند بعض الناس بالمفاهيم الثقافية والدينية والبيئية التي نشأوا عليها في حياتهم الأسرية. وقال: "يتصور بعض الرجال أنه لا يمكن إصلاح حال المرأة إلا بالضرب، ويقول بعضهم حتى إنها تستمتع بالضرب أحياناً لأنه يشعرها برجولة زوجها. لكن هذا التصور عقيم، ولا ينطبق إلا على فئات شاذة من النساء، ووضع مرضي لا ينطبق على غالبية الرجال والنساء".
ولمّح المهدي إلى أن "العنف الأسري عموماً ولّد ظاهرة عالمية جديدة وغريبة تتمثل في ضرب الزوجات للأزواج. ففي الهند بلغت نسبة الأزواج الذين تعرضوا لضرب 11 في المائة، وفي بريطانيا 17 في المائة، وفي أميركا 23 في المائة، وفي العالم العربي بين 23 و28 في المائة. وأوضح المهدي أن "النسب العليا لحالات الضرب تشمل الأحياء الراقية والطبقات الاجتماعية العليا، في حين لا تتجاوز 18 في المائة في الأحياء الشعبية. وهذا الفرق بين الطبقات قد يكون منطقياً وحقيقياً لأن المرأة في الطبقات الاجتماعية العليا استفادت أكثر من جهود تحريرها وتعزيز قدراتها، وهي تملك صراحة وجرأة أكبر في التعبير عن أرائها، وشجاعة في الاعتراف بما حدث حتى لو كان ذلك تصرفاً خاطئاً".
وقد شارك المجلس القومي للمرأة بالجدل الدائر من خلال اعترافه بحجم الظاهرة، لكن مع شجبه وإدانته تصريحات شيخ الأزهر. وأورد بيان أصدره: "نرفض جملة وتفصيلاً أي آراء تتخذ أي ستار لتبرير استخدام العنف ضد المرأة، وتستند إلى حجج قانونية مضللة لا أساس لها يتعمد إساءة تفسيرها لتبرير استخدام العنف ضد المرأة والترويج له، علماً أن قوانين الدولة المصرية تكفل حماية المرأة من كل أشكال العنف استناداً إلى نص المادة 11 من دستور عام 2014 وملحقاتها القانونية". وتابع: "من الناحية الدينية، نؤكد موقف الأزهر الشريف الذي طالما تبرأ من الادعاءات تشريع الدين الإسلامي الضرب جملة وتفصيلاً، وهو ما أكده شيخ الأزهر في بيان نشره على صفحته على "فيسبوك"، وقال فيه: "العنف ضد المرأة، أو إهانتها بأي حال دليل فَهم ناقص وجهل فاضح وقلة مروءة، وهو حرام شرعاً".
وفي موازاة تصريحاته الهجومية، أشاد المجلس بالقيادة السياسية المصرية، ووجه تحذيراً لأي شخص يحرّض على استخدام العنف ضد المرأة "تحت أي مبرر، خصوصاً أنها تعيش حالياً عصرها الذهبي في ظل جمهورية جديدة تقدّر مكانتها، وتكفل حمايتها في إطار قوانين الدستور. وأي تحريض على استخدام العنف ضد المرأة لا يمكن تفسيره بأنه استخدام لحرية الرأي والتعبير".
وبالعودة إلى مشروع القانون المقدم إلى البرلمان المصري لتجريم ضرب الزوج للزوجة وتشديد العقوبة، فإنه استند إلى تفسير يفيد بأن الدولة تلتزم حماية المرأة من كل أشكال العنف، خصوصاً أن قضية ضرب الزوجات أصبحت خطراً يدهم الأسر المصرية ويهدد السلم الاجتماعي، وذلك استناداً إلى المادة 11 من الدستور التي تنص على تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في كل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما تلتزم الدولة تعزيز قدرة المرأة على التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل.