يتشارك السوريون، أينما حلوا، سواء في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري أو "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) أو هيئة تحرير الشام أو غيرها من فصائل المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا، أزمة الكهرباء في ظل انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة في العديد من المناطق، وغيابها في مناطق أخرى، ما يضطر الأهالي للاعتماد على بدائل غالباً ما تكون مكلفة مادياً، ليبقى هناك في سورية عائلات محرومة بشكل شبه تام من الكهرباء.
مؤخراً، أطلق النظام السوري حملة ترشيد للطاقة الكهربائية تحت شعار "تخيل حياتك بدون كهرباء"، الأمر الذي أثار سخرية المواطنين، وخصوصاً أن قطاع الكهرباء اليوم في أسوأ أحواله، في ظل برنامج تقنين يحرمهم من الكهرباء خمس ساعات متواصلة يومياً ثم توفيرها مدة ساعة غير منتظمة قبل قطعها مجدداً، وذلك في العديد من المناطق الخاضعة لسيطرته.
في منزل أبو فارس أيوب، بدت الإنارة خافتة علماً أن الشمس لم تكن قد غابت بعد. لكن لسوء حظه، فإن منزله الواقع في إحدى المناطق العشوائية في العاصمة دمشق، لا تصله أشعة الشمس. يقول لـ "العربي الجديد" إن "برنامج تقنين الكهرباء أصبح لا يطاق. وحتى في الأوقات التي يجب أن يكون فيها التيار الكهربائي متوفراً، تتكرر الانقطاعات، ما لا يكون كافياً لشحن المدخرات (يو بي أس)، وهو ما قد يجعله غير صالح للاستعمال مجدداً. وفي الوقت الحالي، ليس لدي قدرة مادية على شراء مدخرة جديدة. فسعر تلك الصغيرة منها يتراوح ما بين 30 ألفاً و40 ألف ليرة سورية (ما بين نحو عشرة دولارات و13 دولاراً) وهي ليست مكفولة، وقد تستخدم لشهر أو أكثر أو أقل. والمشكلة أنها تنير غرفة واحدة".
يضيف: "نتحدث عن الكهرباء في القرن الواحد والعشرين، ويطلب منا النظام تخيل حياتنا من دون كهرباء. المشكلة أنه يعتبر أن خدمة الكهرباء متوفرة لمجرد أنه يؤمنها لنا مدة أربع أو خمس ساعات خلال الـ 24 ساعة، وغالباً ما تكون متقطعة، الأمر الذي يربك كل تفاصيل حياتنا. لا يمكننا حفظ الطعام في الثلاجة، أو غسل الثياب، عدا عن أزمة تعبئة خزان المياه، ما يضطرنا إلى شراء المياه من الصهاريج الخاصة. لكن تبقى المشكلة الأكبر في عدم قدرة الأطفال على الدراسة". ويوضح أنه في الأيام الدافئة والمشمسة، يصعدون إلى سطح المنزل للدراسة. لكن مع غياب الشمس، يجبرون على الدراسة على ضوء خافت "وأحياناً، نضيء الشموع لزيادة الإضاءة في حال تأخروا في إنجاز واجباتهم".
وعلى الرغم من مرور أكثر من عامين على إعادة سيطرة النظام على مناطق المعارضة في جنوب سورية، لم يستطع تأمين الحد الأدنى من ساعات التغذية الكهربائية. يقول الناشط الإعلامي أبو محمد الحوراني، وهو من ريف درعا الغربي، لـ "العربي الجديد": "النظام حرم أهالي درعا من الكهرباء لسنوات. وحتى بعد إجراء المصالحات، ما زال وضع الكهرباء سيئاً وقد يستمر إنقطاع الكهرباء ساعات أو أيام، فلا وجود لبرنامج واضح يحدد ساعات التغذية". ويلفت إلى أن "الناس اعتادوا على الواقع السيئ لخدمة شبكة الكهرباء. لذلك، أصبح وجود المدخرات (يو بي أس) والمولدات الكهربائية وألواح الطاقة الشمسية أموراً أساسية في كل منزل. وبطبيعة الحال، يشتري الناس المياه من الصهاريج الخاصة لعدم توفر الكهرباء لضخ المياه". يضيف أنّ "لدى الناس قلقاً دائماً في ما إذ كان الوقت سيكون كافياً لشحن المدخرات، أو أجهزة الهاتف وغيرها".
ولا تختلف معاناة السوريّين مع الكهرباء في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام عن أولئك القاطنين في شمال شرق سورية الخاضعة لسيطرة "قسد". يقول سلام حسن، المقيم في القامشلي، لـ "العربي الجديد": "غالباً ما لا توفر الشبكة الرسمية التيار الكهربائي، بل هو متقطع ولا يخضع لجدول زمني لمعرفة مواعيد الانقطاع. ولا يمكن تحديد بشكل تقريبي عدد الساعات التي يمكن أن تتوفر فيها الكهرباء. أحياناً، تمر أيام لا تتوفر فيها الكهرباء أبداً، وقد تتوفر عشر ساعات خلال الـ 24 ساعة".
ويعتمد سكان شرق الفرات في تأمين الكهرباء على المولدات الخاصة حالهم حال معظم السوريين رغم كلفتها المرتفعة. ويوضح حسن أن "المولدات تعمل نحو 8 ساعات في اليوم، ويشترك المواطنون فيها بحسب قدراتهم وحاجتهم. لكن بشكل عام، تشترك العائلة بـ 4 أمبير، علماً أن كلفة الأمبير الواحد شهرياً هي 2500 ليرة سورية (نحو 0.8 دولارات)".
ويبقى لغياب الكهرباء أثر كبير على حياة الإنسان اليومية. يلفت حسن إلى أن "واقع الكهرباء السيء يتسبب في إرباك الحياة اليومية للعائلة إلى درجة أنها تصيبها بحالة قلق دائم. مثلاً، لا يمكن لربة البيت تحديد وقت لغسل الملابس، ولا يمكن للعائلة تخزين المواد الغذائية أو اللحوم. بشكل عام، فإن الثلاجات في المنازل باتت خارج الخدمة. ولانقطاع التيار الكهربائي تأثير كبير على الوضع الاقتصادي أيضاً، إذ لا يمكن القيام بأي مشروع سواء صناعي أو زراعي أو خدماتي لأن ذلك يتطلب توفر الطاقة الكهربائية".
في إدلب، توقفت خدمة الكهرباء منذ خرجت عن سيطرة النظام السوري قبل سنوات، ما يجبر أكثر من مليوني شخص على الاعتماد على مولدات الكهرباء، والتي يمد أصحابها المنازل المحيطة بها بالتيار الكهربائي ضمن نظام "الأمبيرات"، بحسب المواطن عامر علي. ويقول لـ "العربي الجديد": "العائلة تحتاج على الأقل إلى 2 أمبير شهرياً، في وقت توفر الشبكة الرسمية الكهرباء نحو ثلاث ساعات تقريباً في اليوم".
أما الخيار الثاني فهو الطاقة الشمسية، إلا أنها مكلفة بالنسبة لغالبية العائلات. وتبلغ كلفتها نحو 1200 دولار أميركي، وبالتالي يعجز كثيرون، وخصوصاً الذين يتقاضون أجوراً يومية زهيدة، على تأمينها، هم الذين بالكاد يوفرون الطعام والشراب لعائلاتهم. ويوضح علي أن "الطاقة الشمسية في الشتاء لا تكون كافية وتحديداً خلال فترة 3 أشهر، ما يدفع العائلات للاشتراك بمولدات الكهرباء".
إذاً، لا استقرار في خدمة الكهرباء في إدلب اليوم. فقد يتسبب عطل ما في حرمان العائلة حتى من الساعتين التي تتوفر فيهما الكهرباء، فيضطر من لديه عمل إلى تشغيل المولد الكهربائي وبالتالي تحمل كلفة أكبر. ويقول علي إن العائلة تنتظر توفر الكهرباء من الشبكة الرسمية لإنجاز كل الأعمال. فتجد جميع أفراد العائلة يعملون كخلية النحل، لإتمام الأعمال المنزلية التي تحتاج إلى الكهرباء وغسل الثياب وشحن البطاريات وأجهزة الهاتف وغيرها في ظل ضيق الوقت.
أما في مدينة الباب، فقد أصبحت خدمة الكهرباء أفضل بعدما تعهدت شركة تركية بإيصال الكهرباء إليها. إلا أن الكلفة المادية ما زالت تعد مشكلة بالنسبة للكثير من الأهالي. ويبلغ ثمن العداد 40 دولاراً والفاتورة الشهرية 100 ليرة تركية (نحو 13.5 دولاراً) لتتوفر الكهرباء طوال الوقت، بحسب الناشط علي الحلبي. ويقول لـ "العربي الجديد": "وضع الكهرباء اليوم جيد بشكل عام وهناك إنارة في الشوارع. ولم يعد تلزمنا المولدات وأصواتها وعوادمها". يضيف: "شركة الكهرباء وفرت كلفة كبيرة على الصناعيين، بعدما كان الناس يضطرون لتشغيل المولد الكهربائي من أجل استخدام المنشار أو إتمام أعمال صغيرة. أما اليوم، فقد تغيرت الأمور كثيراً".
إلى ذلك، يبقى أن مئات آلاف السوريين القابعين في المخيمات العشوائية المنتشرة على مساحة واسعة من سورية بالكاد يحصلون على إنارة ضعيفة من خلال مدخرة ولوح طاقة شمسية صغير. وما زال كثيرون عاجزين عن تأمين الإنارة بسبب ظروفهم المادية الصعبة وغيرها من العوامل.
يشار إلى أن النظام يقطع الكهرباء عن المناطق الخارجة عن سيطرته. أما في مناطق سيطرته، فقد أعلن وزير الكهرباء غسان الزامل، مؤخراً، أن كميات الكهرباء التي تحتاجها البلاد هي 7000 ميغاواط. لكن الكميات المنتجة تتراوح ما بين 2700 و3000 ميغاواط، موزعة ما بين 1000 ميغاواط معفاة من التقنين ومخصصة للمطاحن ومضخات المياه والمستشفيات، و1700 ميغاواط توزع على المحافظات بحسب استهلاك كل محافظة.