سوء التشخيص يزيد وفيات الذبحات القلبية عالمياً

07 يونيو 2021
تصوير شعاعي لمريض في مستشفى بموسكو (ميخائيل تيريشنكو/Getty)
+ الخط -

 

أظهرت دراسة نشرتها مجلة القلب الأوروبية في 27 مايو/ أيار الماضي أن الفشل في كشف انسداد الأوعية الدموية الدقيقة جداً (الشعيرات الدموية) التي تزوّد القلب بالدم تشكل مشكلة صحية مهمة تزيد خطر الإصابة بـالنوبات القلبية والسكتة الدماغية والوفاة.  

ومعروف طبياً أن الأوعية الدموية الصغيرة جداً تفشل الاختبارات العادية غالباً في تشخيص الحالات المرضية من بينها، مثل فحوص المسح وتخطيط كهرباء القلب وتصوير الأوعية الدموية، وتؤدي الى نتائج خاطئة، على غرار تحديد معاناة النساء من اضطرابات ما بعد انقطاع الطمث، أو الإصابة بخلل في الجهاز العصبي الواعي واللاواعي. 

وخلال عام أو عامين من متابعة شملت 686 مريضاً من 7 دول، بينها المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية واليابان، تعرّض 78 من المشاركين في الدراسة، أي ما يعادل 8 في المائة من المرضى سنوياً، إلى نوبة قلبية أو سكتة دماغية أو نقلوا إلى المستشفى أو ماتوا  بعد معاناتهم من هذه الحالة أكثر من ثلاث سنوات. 

وتأثر الرجال والنساء في شكل متساوٍ تقريباً، فيما لم يختلف التشخيص حسب الجنس أو العرق. لذا حذّر الباحثون من أن "افتقاد أدوات التشخيص المناسبة يكلّف الأرواح"، ولفتوا إلى "الحاجة الهائلة غير الملباة للمرضى في أنحاء العالم، باعتبار أن انسداد الشعيرات الدموية الذي يُعتقد أنه يؤثر على نحو مائة ألف رجل وامرأة سنوياً في المملكة المتحدة قد يؤدي إلى نوبات قلبية مميتة".

يقول البروفسور في جامعة غلاسكو وجرّاح القلب سليم الحاج يحيى، لـ"العربي الجديد"، إن "لموضوع الدراسة أبعادا متشعّبة، فحين نناقش الذبحة الصدرية نتحدّث عادة عن الشرايين الكبيرة التي يراوح قطرها بين نصف ملليمتر وملليمتر ونصف. لكن هذه الدراسة تتناول الشرايين الصغيرة (الشعيرات الدموية)، التي لا يمكن رؤيتها بالعين المجرّدة أحياناً، ونفتقد أدوات التشخيص المناسبة لها، ما يُفشل اختبارات كشفها". ويحدد الحاج يحيى هدف البحث في محاولة تطوير معدّات لاختبار القلب، والتي لم يستبعد توفّرها في غضون سنوات قليلة. ويوضح أنّ المرضى الأكثر عرضة لانسداد الشعيرات هم مرضى السكري، "لكن حدوث ذلك في شكل بطيء جداً،  يجعل القلب يعتاد مع مرور الوقت على الحصول على كميات دم أقل، ما يمنع كشف المشكلة في بدايتها، والذي لا يحصل إلا  حين تسوء حالة المريض ويصبح الانسداد كاملاً أو شبه كامل، فيبدأ الإحساس بأوجاع في الصدر أو يتعرّض المريض إلى ذبحة".

ويتابع الحاج يحيى أن "البحث يشير إلى أنّ مخاطر انسداد الشعيرات الدموية لا يقتصر على مرضى السكري بل يشمل الإناث اللواتي وصلن إلى مرحلة انقطاع الطمث، واللواتي يعانين عادة من أعراض للذبحة القلبية لا علاقة لها ببلوغهن هذه السن. وهنا يُخطئ الأطباء على نطاق واسع في تشخيص الحالات، ويعتقدون بأنّها ناجمة عن تقلّصات أو تشنّجات في الشرايين التاجية وخاصة الشعيرات بسبب انقطاع الطمث". ويلفت إلى أنّ "عوامل عدة تلعب دوراً في انسداد الشعيرات الدموية، أولها الجينات الموروثة، وثانياً الجنس، فالذكور أكثر عرضة للإصابة بها من الإناث، كما أنّ المدخنين والأشخاص الذين يتناولون الدهون الحيوانية بكثرة ويفتقدون إلى التوازن في نظام الطعام يميلون إلى تطوير انسداد الشعيرات الدموية أكثر من غيرهم. وفي بعض الحالات تجتمع كل هذه العوامل في شخص واحد فتصبح المشكلة خطيرة جداً". 

قلب
يخضع لفحص طبي في مستشفى بفرنسا (سيباستيان بوزون/ فرانس برس)

ويشير الحاج يحيى إلى أنّ "انسداد الشعيرات الدموية لا يسبب الموت المفاجئ عموماً، بل الانسداد في الشرايين الكبيرة". ويشدّد على أهمية رفع مستوى الوعي لدى الناس، قائلاً: "عند الإحساس بأعراض النوبة القلبية يجب التوجه إلى المستشفى بلا تأخير، فعلمياً هناك ما يعرف باسم الـ90 دقيقة الذهبية التي تبدأ من بداية ظهور الأعراض حتى وصول المريض إلى المستشفى. ولو حصل ذلك يستطيع الأطباء الذين تتوافر لديهم المعدّات الطبية اللازمة إنقاذ حياته، وهو ما يمنع أكثر من 95 في المائة من الوفيات وأكثر من 90 في المائة من حالات فشل عمل القلب". يضيف: "هناك أوجاع أو علامات غير تقليدية للذبحة القلبية يجب الحذر منها، وتكون أحياناً عبارة عن آلام في المعدة أو الرقبة أو في الفك، لكن يخطئ الأطباء أيضاً في تشخيصها فيتناول المرضى مثلاً أدوية بلا فائدة للمعدة، ما يؤدي إلى حالات وفاة كثيرة".

ويوضح الحاج يحيى أن "بحوثاً سابقة كشفت أن عدد المرضى الذين يعانون من انسداد الشعيرات الدموية يراوح ما بين ثلاثة إلى أربعة ملايين في الولايات المتحدة، ما يعادل تقريباً أو يتجاوز حتى عدد مرضى سرطان الثدي، لذا فالمشكلة كبيرة ومهمة على مستوى العالم". يتابع: "يبلغ عدد اختبارات التشخيص هذه نحو 250 ألفاً في المملكة المتحدة سنوياً، لكنها تكشف فقط عن انسداد أو ضيق في الشرايين الكبيرة التي تمد القلب بالدم. ويُقال لنحو اثنين من كل خمسة مرضى إنّ لديهم سليمة بخلاف ما قد يكون الأمر عليه، ما قد يعني أيضاً أنه يتعين على الأشخاص في أحيان كثيرة الخضوع إلى اختبارات عدة على امتداد فترات طويلة قبل تشخيص الحالة بشكل دقيق. وعادة تجري معالجة المرضى بأدوية لمنع تخثر الدم أو توسيع الأوعية الدموية. لكن الخبراء يقولون إنه يجب بذل المزيد لتكييف العلاج مع الحالة".

المساهمون