أنشات الأكاديمية والباحثة الجامعية المتقاعدة سهيلة شاهين أول متحف تراثي فلسطيني في مدينة رفح جنوبيّ قطاع غزة بفلسطين في نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وجمعت فيه مئات من الأدوات التي اقتنتها من خلال هواية التعلق بالتراث الفلسطيني القديم من أزياء وأدوات قديمة تعكس ثقافة البدو والفلاحين وسكان المدينة، وأهم الأزياء التراثية الفلسطينية التي ارتدتها النساء والرجال من مختلف الطبقات في فلسطين.
نشطت شاهين المتخصصة في التراث الفلسطيني على مدار سنوات عملها الأكاديمي في الأنشطة المجتمعية والتعليمية والبحثية، وحتى الإغاثية، وحصلت على درجة الدكتوراه في الدراسات التربوية من معهد البحوث العربي التابع لجامعة الدول العربية في القاهرة، وأخرى في تكنولوجيا تعليم الفنون من جامعة حلوان بمصر. وحين وصلت إلى سنّ التقاعد من العمل كأستاذة مساعدة في جامعة القدس المفتوحة العام الماضي أنشأت مشروع متحف التراث الفلسطيني في رفح.
تقول شاهين لـ"العربي الجديد": "اهتممت في بداياتي بالأنتيكا والمقتنيات النحاسية والحقائب والقطع المطرزة، ثم بالأثواب الفلسطينية التي اقتنيت الكثير منها، ونجحت طوال سنوات في الحفاظ عليها من القوارض والعفن. وكنت أغسلها كل فترة وأعرضها على الشمس ثم أعيد وضعها في حقائب لحفظها، كذلك كنت أنقلها في حقائب كبيرة خلال فترات العدوان الإسرائيلي كي تكون معي في أثناء النزوح من المنزل، فهي قيّمة كروحي التي أحافظ عليها".
وتتذكر شاهين أنها تعلقت بتفاصيل الثوب الفلسطيني حين رأت خلال دراستها في المرحلة الثانوية رسماً لسيدة فلسطينية بدوية ترتدي هذا الثوب، وتقول: "شرعت بسؤال مسنّات فلسطينيات عن أنواع الثوب وميزاته التي تجعله مختلفاً. وعندما أصبحت في الثلاثين من العمر كنت أشتري الأثواب الفلسطينية من أسواق أو أقارب أو جيران أو أثواب قديمة مطرزة باليد، ثم انتقلت إلى مرحلة شراء الأدوات القديمة مثل المنجل والفأس، من أهالي ومحلات متخصصة، وخصصت صناديق لأنواع المقتنيات من عملات معدنية نقدية قديمة جرى تداولها في فلسطين، وأدوات فلاحين وأخرى نحاسية قديمة، وحتى البراقع والثياب الفلسطينية التي ترتديها المرأة بمختلف طبقاتها، وأزياء أخرى للرجال".
كذلك، جمعت شاهين في متحف رفح الأحجار الكريمة النادرة، وجوازات سفر فلسطينية قديمة قبل الاحتلال الاسرائيلي، وطوابع بريدية قديمة فلسطينية ووثائق أصلية ومصورة عن فلسطين القديمة، وأغطية رأس للمرأة الفلسطينية ذات أشكال متنوعة، وأنواعاً مختلفة أيضاً من السلال، وأيضاً غربالاً محنطاً قد يزيد عمره على 150 عاماً.
تروي أنها عاشت حياتها العملية في مدينة غزة، لكنها تحمل ذكريات طفولتها في مدينة رفح، حيث استشهد أيضاً عدد من أفراد أسرتها على يد الاحتلال الإسرائيلي، وأيضاً مشاعر الحنين إلى الأعراس التي كانت تشهد ارتداء السيدات الفلسطينيات الأثواب التراثية.
وتعلّق: "دفعتني هذه المشاهد الشعبية التي رافقت طفولتي في رفح إلى اختيار المدينة مكاناً للمتحف، وإطلاق اسم متحف رفح عليه، وتمسكت بأصول المطرز الفلسطيني الكنعاني القديم، علماً أن التطريز الفلسطيني يختلف بحسب ثقافات البلدات والقرى القديمة. واستطعت أيضاً أن أحفظ أقدم أثواب موجودة عندي، وهي ذات لون أرجواني أحمر".
وقد شجعها نجلها محمد على تأسيس المتحف، بعدما حصلت على موافقة من بلدية رفح، وساعدها عدد من المتطوعين وابناؤها الثلاثة الذين تخرجوا من كلية الفنون الجميلة، في تنفيذ أقسام مختلفة للمتحف وتصميم زجاج العرض.
وصممت شاهين خيام الشعر البدوية القديمة، وحرصت على وضع مجسمات ترمز إلى رجال ونساء بدو يرتدون الأزياء التراثية، وأدوات قديمة مرتبطة بطرق العيش كي تعطي صورة متكاملة للحياة الفلسطينية القديمة.
وتتطلع شاهين إلى الحصول على أرض في المستقبل لتأسيس قرية تراثية تحفظ التراث والتاريخ الفلسطينيين، من خلال تخصيص قاعات تدريب للنساء والشباب عن الذاكرة الفلسطينية عبر أدواتها القديمة، ودمجها بالحديثة وتكبير قاعات العرض وجمع الآثار وعرضها من أجل جذب الرحلات المدرسية ومساعدة الفنانين الفلسطينيين وأصحاب الاختصاص من الأكاديميين والطلاب. وتقول: "أحافظ على التراث، وأعمل على ااستهداف الأجيال من مدارس ومؤسسات لصنع قيمة واقعية، ونقل صور الأجداد الفلسطينيين".